بين "التهميش" و"الاستغلال السياسي".. حلبجة تفتح مطالب استحداث محافظات جديدة في العراق

10 قراءة دقيقة
بين "التهميش" و"الاستغلال السياسي".. حلبجة تفتح مطالب استحداث محافظات جديدة في العراق مدينة حلبجة - إقليم كوردستان

عاملان أساسيان وراء ذلك

تشهد الساحة السياسية في العراق موجة من الدعوات لاستحداث محافظات جديدة، خاصة بعد خطوة تحويل قضاء حلبجة إلى محافظة رسمية في إقليم كوردستان، هذه الدعوات التي بدأت بالتصاعد في بعض الأوساط السياسية والاجتماعية، الأمر الذي يعكس رغبة عدد من المناطق الإدارية في نيل وضع قانوني وإداري مستقل، يعزز من حضورها في الخارطة الإدارية للدولة، ويوفر لها مساحة أوسع من الحقوق والخدمات والتنمية.

 

ورغم أن المطالب باستحداث محافظات ليست جديدة على المشهد العراقي، إلا أن التحول الملحوظ بعد حلبجة منح هذه الأصوات دفعة جديدة، مدفوعة بحجج تتعلق بالتهميش الإداري والخدمي، وضرورة تعزيز التمثيل المحلي، وتسهيل وصول السكان إلى الخدمات الحكومية بشكل مباشر، دون الحاجة للرجوع إلى مراكز المحافظات الكبرى.

 

لكن، وفقاً للمراقبين، هذه الرغبات السياسية تصطدم بجدار الواقع الاقتصادي والمالي الصعب الذي يمر به العراق، خاصة مع الانخفاض المستمر في أسعار النفط، المصدر الرئيسي للإيرادات العامة، مما يجعل من أي خطوة نحو التوسع الإداري عبئاً إضافياً على الموازنة الاتحادية.

 

وقبل أيام قليلة، صوت مجلس النواب، على استحداث محافظة حلبجة لتكون المحافظة رقم 19 في العراق، بعد مساع استمرت لسنوات طوال من التأجيل بشأن حسم الملف رسمياً داخل قبة البرلمان بسبب خلافات سياسية.

 

وتعتبر حلبجة من المدن التابعة لمحافظة السليمانية والتي تقع في أقصى شرقها، اذ تبعد عن العاصمة بغداد نحو 240 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي، ولا يفصل بينها وبين الحدود الإيرانية سوى 14 كيلومتراً فقط.

 

لا نية حكومية لاستحداث محافظة جديدة

 

وفي ظل هذه الدعوات، يقول مصدر حكومي عراقي رفيع، خلال حديثه لمنصة "الجبال"، إن "الحكومة الاتحادية لا تمتلك أية نية أو توجه رسمي لاستحداث محافظة جديدة في الوقت الراهن"، مؤكداً أن "أي قرار أو دعوى بهذا الشأن لن يحظى بدعم حكومي، بل ستواجهه الحكومة بالرفض لما يشكله من أعباء مالية إضافية على البلاد".

 

ويضيف المصدر الذي اشترط عدم الكشف عن أسمه، أن "الحكومة ستقف بالضد من أي خطوة تهدف إلى استحداث محافظة جديدة، نظراً لما يفرضه ذلك من التزامات مالية وإدارية كبيرة لا يمكن تحملها في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية"، مبيناً أن "استحداث محافظة جديدة يعني بالضرورة تخصيص موازنة مستقلة لها أسوة بباقي المحافظات، وهو أمر غير ممكن حاليًا، حيث يمر العراق بمرحلة مالية حساسة على وقع تراجع أسعار النفط عالميًا، ما وضع البلاد على شفا أزمة اقتصادية خانقة".

 

ووفقاً للمصدر، فإن الحكومة تضع في أولوياتها خلال هذه المرحلة ترشيد الإنفاق العام وضمان استقرار الماليّات العامة، مشيراً إلى أن "المرحلة تتطلب اتخاذ قرارات عقلانية ومسؤولة، لا المجازفة بخطوات توسعية تساهم في زيادة الإنفاق وتفاقم العجز المالي".

 

وفي ختام حديثه، يؤكد المصدر، أن "ما يُتداول في بعض وسائل الإعلام حول استحداث محافظات جديدة لا يتعدى كونه دعوات طرحت في برامج أو حوارات تلفزيونية ولا ترتقي إلى مستوى المطالب الرسمية أو المبادرات الجدية المدعومة بوثائق أو خطابات رسمية مقدّمة إلى الجهات المعنية".

 

اللجنة القانونية في البرلمان دخلت خط الأزمة، مؤكدة أن "مجلس النواب لا يتجه إلى إقرار تحويل مدينة معينة إلى محافظة إلا إذا كانت مستوفية شروط الترقية الإدارية"، مضيفةً أن "قرار تحويل حلبجة إلى محافظة لا يحتوي على أي خلل قانوني".

 

وذكرت اللجنة في تصريحات تلفزيونية، تابعتها منصة "الجبال"، أن "بقية المدن التي تسعى بعض الأحزاب لتحويلها إلى محافظات يخضع (التحويل) إلى قراءات قانونية وأخرى من وزارة التخطيط وبقية الجهات المعنية، ولا يكون عبر الضغط السياسي، مع العلم أن بعض التوجهات، وفق عنوز، مدفوعة "سياسياً من أجل السيطرة على بعض المناطق العراقية، وهذا واضح وليس مستتراً في الوضع السياسي العراقي".

  

الدعوات ورائها التهميش ومصالح قوى سياسية نافذة

 

وتتزايد مطالب بعض النواب والسياسيين بتحويل مدن أخرى إلى محافظات، مثل قضاء الزبير جنوبي العراق، وقضاء خانقين في محافظة ديالى والتي تعتبر ذات الغالبية الكردية، وتأتي معظم هذه المطالبات من الأحزاب عقب التصويت على حلبجة كمحافظة.

 

"تحويل أي وحدة إدارية إلى محافظة يمر بإجراءات طويلة ومعقدة، تشترك فيها عدة جهات حكومية، وأن هناك أكثر من 300 مادة أو فقرة تدخل ضمن متطلبات وزارة التخطيط والوزارات الأخرى حيث أن هذا الإجراء يُعد من صلاحيات مجلس المحافظة حصراً، استناداً إلى قانون 21، حيث يجب تقديم طلب رسمي داخل المجلس والتصويت عليه للمضي قدماً بعملية التحويل"، وفقاً لعضو لجنة الأقاليم والمحافظات النيابية، شيروان الدوبرداني.

 

وفي غضون ذلك، يقول الخبير السياسي الدريد ناصر، خلال حديثه لمنصة "الجبال"، إن "الدعوات المتكررة لاستحداث محافظات جديدة في العراق ليست وليدة اللحظة، بل هي امتداد لموجة ظهرت سابقاً في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، عندما تقدمت عدة أقضية ونواحٍ بطلبات للتحول إلى محافظات، قبل أن يتم غلق هذا الملف لأسباب سياسية وإدارية واقتصادية".

 

ويوضح ناصر، أن "هذه الدعوات تجد جذورها في عاملين أساسيين، العامل الأول يتمثل في شعور عام بالتهميش يعاني منه المواطن العراقي في العديد من المناطق، وهو ما يدفع البعض للاعتقاد بأن تحوّل منطقتهم إلى محافظة قد يمنحهم امتيازات إضافية، سواء على صعيد الخدمات أو التخصيصات المالية أو حتى التمثيل السياسي والإداري"، مبيناً أن "هذا التصور رغم انتشاره لا يستند إلى واقع فعلي، بل ينبع من تراكم الإحساس بالظلم وضعف العدالة في توزيع الموارد والفرص".

 

أما العامل الثاني، بحسب ناصر، فهو استغلال بعض القوى السياسية والمصالح الاقتصادية لهذه المطالب، من أجل توسيع نفوذها والسيطرة على الموارد المحلية، مشيراً إلى أن بعض هذه الجهات تسعى إلى تحويل مناطق حيوية إلى محافظات جديدة بهدف الانفراد بإدارتها واستثمار إمكانياتها لصالحها، وهو ما يُعد التفافاً خطيراً على وحدة الإدارة المحلية وتحويلًا للمطالب الشعبية إلى مشاريع فئوية.

 

ويسلط ناصر الضوء على ما وصفها بـ "التحركات المريبة" التي تجري حالياً بشأن دعوات تحويل قضاء الزبير في محافظة البصرة إلى محافظة مستقلة، مشيراً إلى أن الزبير تُعد واحدة من أكثر المناطق الحيوية في العراق، ليس فقط بسبب موقعها الجغرافي المطلّ على الخليج العربي وحدودها مع الكويت، بل أيضاً لاحتوائها على احتياطيات نفطية كبيرة ومرافق استراتيجية تُمثل العمق البحري الوحيد للعراق.

 

ويتابع الخبير، قائلاً إن "هناك جهات مسلحة وفصائل نافذة تحاول الدفع باتجاه فصل الزبير عن البصرة، لأسباب تتعلق بالمصالح الاقتصادية والنفوذ الجغرافي، وهو ما يعكس حجم التنافس والصراع الخفي بين القوى المتنفذة داخل محافظة البصرة نفسها، والتي باتت تشهد نوعًا من التقاسم غير المعلن بين أطراف سياسية مختلفة".

 

ويختتم ناصر تصريحه بالتحذير من خطورة الاستمرار في تغذية هذا الملف دون دراسة جدواه الوطنية، مضيفاً أن الحل لا يكمن في تفكيك الخارطة الإدارية للعراق، بل في تحسين الإدارة المحلية، وتحقيق العدالة في توزيع الثروات والخدمات، بعيداً عن النزعات الفئوية والمصالح الضيقة التي تحرّك بعض الجهات تحت غطاء المطالب الشعبية.

 

لم تقف المطالبات عند حدود الزبير وخانقين، بل طالبت قوى سياسية بتحويل أقضية أخرى إلى محافظات، من بينها قضاء تلعفر وهو الأكبر في محافظة نينوى شمال العراق، وقضاء طوزخورماتو في محافظة صلاح الدين إلى جانب مناطق أخرى.

 

وتنص المادة (23) من النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي على أن نصاب انعقاد المجلس يكتمل بحضور الأغلبية المطلقة، وتُتخذ قراراته بالأغلبية البسيطة للحاضرين، كما يعد المجلس الجهة المسؤولة عن إصدار القرار التشريعي لاستحداث أي محافظة جديدة.

  

الأزمة المالية الراهنة تعيق أي أفكار

 

وقرر مجلس الوزراء، (13 آذار 2023)، الموافقة على مشروع قانون استحداث محافظة حلبجة، لتصبح بذلك المحافظة 19 للعراق بشكل رسمي، رغم إعلانها محافظة من قبل إقليم كردستان قبل سنوات.

 

وعلى الجانب الاقتصادي، يستبعد الخبير الاقتصادي عبد العادل ناعم، إمكانية استحداث محافظة جديدة في الوقت الراهن، رغم عدم وجود موانع قانونية لذلك، مشيراً إلى أن التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد تجعل من هذه الخطوة عبئًا إضافيًا على الموازنة العامة.

وفي حديث لمنصة "الجبال"، يتحدث ناعم، قائلاً إن "من الناحية القانونية لا يوجد إشكال في استحداث محافظة جديدة، بشرط موافقة مجلس النواب، لكن من الناحية الاقتصادية فإن الأمر ينطوي على أعباء كبيرة، في ظل الوضع المالي الحرج الذي تمر به البلاد نتيجة انخفاض أسعار النفط عالمياً".

 

ويضيف أن استحداث محافظة جديدة يتطلب تخصيص موازنة خاصة لها، وهو ما سيزيد من اتساع دائرة العجز المالي ويُفاقم أزمة انخفاض الإيرادات العامة، لاسيما مع استمرار التوسع في الإنفاق الحكومي، مبيناً أن الفجوة بين الإيرادات والنفقات ما تزال كبيرة، وأن أكثر من 70% من الموازنة التشغيلية تذهب نحو الرواتب والإعانات ومستحقات الديون، في وقت تواجه فيه البلاد ديونًا داخلية وخارجية متراكمة.

 

ويشدد الخبير الاقتصادي، على أن "الحكومة يجب أن تتصرف بعقلانية خلال هذه المرحلة، وتتبنى سياسات ترشيد الإنفاق وتوجيه الموارد نحو مشاريع استثمارية تُسهم في زيادة الإيرادات وتعويض تذبذب أسعار النفط، الذي بات يشكّل تهديدًا متكرّرًا للاقتصاد الوطني كل عدة سنوات".

 

ويتابع أن "الظروف الحالية لا تسمح بأي توسع إداري أو مالي جديد، ما يجعل استحداث محافظة جديدة أمرًا غير مرجح في الوقت القريب".

 

يذكر أن عضو لجنة الأقاليم والمحافظات النيابية جواد اليساري، قد قال في تصريحات صحفية قبل عامين، إن "العراق يحتاج إلى استحداث محافظات جديدة بسبب زيادة عدد السكان وتقادم النظام الإداري، وأن بعض المحافظات تحتاج إلى شطر، مثل شمالي محافظة واسط، والمنطقة الواقعة بين محافظات كربلاء وبابل والنجف، وكذلك البصرة، فيما بين أنه خاطب وزارة التخطيط باستحداث نواح جديدة ورفع نواح إلى أقضية حسب المعايير المعتمدة".

رامي الصالحي صحفي

نُشرت في الأربعاء 23 أبريل 2025 01:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.