أزمة الرواتب تفجر غضب الشارع العراقي.. هل يفتح التعديل المرتقب باب العدالة أم يعمّق الانقسام؟

أزمة الرواتب تفجر غضب الشارع العراقي.. هل يفتح التعديل المرتقب باب العدالة أم يعمّق الانقسام؟ تعبيرية

بين أحاديث الإصلاح وشكاوى الموظفين، يتعالى الجدل من جديد حول "سلم الرواتب الجديد" في العراق، حيث تتفاوت الرواتب بشكل صارخ بين مسؤول يتقاضى الملايين وموظف لا يكفيه مرتبه لمنتصف الشهر.

 

ومع تصاعد الضغوط الشعبية والنقابية، بدأت الأصوات تتزايد داخل البرلمان للمطالبة بوضع حد لهذا الخلل المزمن في العدالة الوظيفية، فيما تتحرك الكتل السياسية بين وعود بالمساواة ومصالح قد تعرقل التغيير المنتظر.

 

في (18 كانون الأول 2024)، أكدت وزارة المالية، أن ملف "سلم الرواتب الجديد" لا يعد من مسؤولياتها الحصرية، مشيرة إلى أنها زودت الجهات المعنية بالبيانات المتوفرة لديها.

 

ووفقاً لبيان الوزارة، فإنها تواصل دعمها لحقوق الموظفين والسعي لتلبية احتياجاتهم المعيشية، إلا أن مهمة إعداد السلم تتطلب تعاون وحدات الإنفاق كافة، كون الوزارة لا تمتلك نظاماً بايومترياً موحداً، مشيرة إلى أنها جهة تنفيذية تلتزم بالقوانين والتشريعات، وأن اللجنة المعنية تضم جهات تنفيذية وتشريعية ورقابية متعددة.

 

موظفون يشتكون "المخصصات" ويطالبون بالعدالة

وفي هذا الصدد، يعبر عدد من موظفي وزارتي الثقافة والزراعة عن استيائهم من ضعف المخصصات المالية الممنوحة لهم، مقارنة بما يتقاضاه موظفو وزارات أخرى، مطالبين الحكومة بإجراء تعديل شامل في سلم الرواتب يضمن العدالة والمساواة بين جميع موظفي الدولة.

 

ويقول طيف السامرائي، أحد موظفي وزارة الثقافة، في حديث لمنصة "الجبال"، إن "المخصصات التي نتقاضاها لا تتناسب مع طبيعة عملنا ودورنا في الحفاظ على الإرث الثقافي للبلاد".

 

ويشير السامرائي، إلى أن "هناك فجوة كبيرة بين رواتب الوزارة ورواتب موظفين في وزارات أخرى رغم أن الجهد والالتزام الوظيفي واحد، وهذا أمر غير مقبول".

 

من جانبه، يؤكد ليث محمد، وهو موظف في وزارة الزراعة، أن "الظروف الميدانية التي نعمل فيها صعبة للغاية، من الحقول إلى مواقع العمل تحت ظروف مناخية قاسية، ورغم ذلك فإن المخصصات التي نحصل عليها متواضعة جداً".

 

وفي حديث لمنصة "الجبال"، يضيف محمد، قائلاً: "في الوقت الذي يتقاضى فيه موظفون في وزارات أخرى مخصصات عالية لأعمال مكتبية، الموظف هنا يعمل ميدانياً برواتب محدودة وهذا يحتاج إلى معالجة عاجلة".

 

كما يطالب الموظفون، بضرورة أن تتضمن التعديلات المرتقبة على قانون الخدمة المدنية وسلّم الرواتب معالجة هذا التفاوت، بما يحقق العدالة الوظيفية ويضمن الاستقرار المعيشي لجميع العاملين في مؤسسات الدولة.

 

ويبلغ الحد الأدنى لرواتب موظفي الدولة ضمن الدرجة العاشرة، وهي الأدنى في سلم الرواتب، 170 ألف دينار كراتب اسمي، تُضاف إليه مخصصات زوجية بقيمة 50 ألف دينار، ومخصصات أطفال بمقدار 10 آلاف دينار لكل طفل لغاية أربعة أطفال كحد أقصى.

 

وباحتساب المخصصات، يصل مجموع الراتب إلى 260 ألف دينار، تُستقطع منها 17 ألف دينار كتوقيفات تقاعدية، ليصبح الراتب الصافي الذي يتقاضاه الموظف 243 ألف دينار فقط.

 

البرلمان يصر على تعديل "سلّم الرواتب"

وتواجه الحكومة العراقية تحديات في إدارة السيولة النقدية بالدينار، حيث تعاني من نقص مزمن في هذه العملة، مما يؤثر على قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية لدفع رواتب الموظفين وتسديد الديون وتمويل المشاريع.

 

لكن سبق وأن نفى البنك المركزي العراقي، في (20 آب 2024)، وجود نقص في السيولة النقدية لدى الحكومة في ذاك الوقت، حيث قال نائب محافظ البنك، عمار خلف، إن "البنك لديه عشرات التريليونات من الدنانير نقداً" مشيراً إلى أن "أي شيء تقوله وزارة المالية واللجنة المالية النيابية حول نقص السيولة هو شأن وتفسير خاص بهما".

 

في غضون ذلك، يقول عضو اللجنة المالية في مجلس النواب، رائد المالكي، في حديث لمنصة "الجبال"، إن "تعديل قانون الخدمة المدنية وإعادة النظر في سلّم الرواتب يمثلان خطوة ضرورية لا يمكن تجاهلها"، مشيراً إلى أن "الحكومة الحالية مطالبة بالإسراع في إنجاز هذا الملف الحيوي".

 

ويوضح المالكي، أن "قضية الرواتب لا تقتصر على معالجة المخصصات فقط، بل تتطلب مقاربة شاملة تعيد التوازن والعدالة بين موظفي الدولة، مع الإبقاء على السلم الوظيفي الموحد بين الوزارات، في حين أن التفاوت يكمن في المخصصات".

 

ووفقاً لحديث المالكي، فإن تأخير الحكومة الحالية في تقديم مشروع تعديل القانون سيدفع بالحكومة المقبلة إلى تبني هذه المطالب، خاصة مع ازدياد الضغط النيابي والشعبي باتجاه تحقيق العدالة الوظيفية.

 

في حين، يدعو المالكي الحكومة، إلى الإسراع في إعداد دراسة شاملة وعاجلة تُعرض على مجلس النواب، من أجل المضي بالتشريعات الحكومية التي تنصف شريحة الموظفين وتساهم في تحقيق العدالة بين مختلف القطاعات.

 

ومن المعروف أن الاقتصاد العراقي يعتمد بشكل كامل تقريباً بعد العام 2003 على النفط حيث أن 95% من إجمالي الدخل من الدولار، ما يجعل قضية موازنة الدولة دائماً ما تكون متأرجحة كونها ذات تماس مباشر مع أسعار النفط العالمية.

 

المعلمون يواصلون الاحتجاجات لتعديل "سلّم الرواتب"

ومنذ 6 نيسان الحالي، تتواصل تظاهرات المعلمين العراقيين الغاضبة، في بعض المحافظات العراقية احتجاجاً على تهميشهم وعدم الاستجابة لمطالبهم المتعلقة بتحسين الرواتب وتعديل سلم الدرجات الوظيفية، حسب قولهم، فضلاً عن مطالباتهم بتوفير بيئة تعليمية ملائمة ترتقي بالواقع التربوي في البلاد.

 

ورفع المشاركون في التظاهرات لافتات تطالب الحكومة ووزارة التربية بالإسراع في تعديل الرواتب بما يتناسب مع طبيعة عملهم وأهمية رسالتهم التربوية، مؤكدين أن سلم الرواتب الحالي لا ينصف شريحة المعلمين، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع القدرة الشرائية.

 

ويقول بعض المعلمين المحتجين في حديث لمنصة "الجبال"، إنهم مستمرون في تنظيم الوقفات الاحتجاجية لحين تحقيق مطالبهم، داعين الجهات المعنية إلى الاستماع لصوتهم ومراعاة أوضاعهم المعيشية.

 

كما يطالبون بتضمين حقوقهم في أي تعديل مرتقب لقانون الخدمة المدنية وسلّم الرواتب خلال الجلسات المقبلة لمجلس النواب العراقي، مشددين على أن "إصلاح النظام التربوي يبدأ من إنصاف الكوادر التعليمية وتحقيق الاستقرار الوظيفي والمعيشي لهم".

 

وتشير التقديرات الحكومية إلى أن الموازنة التشغيلية والتي تحتوي على "رواتب الموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية والبطاقة التموينية"، تشكل حالياً ما يقارب 65% من إجمالي الموازنة العامة وهي تكلف خزينة الدولة سنوياً للرواتب فقط ما يصل إلى 62 تريليون دينار عراقي.

 

الحكومة والبرلمان أمام مأزق حقيقي

ويبلغ عدد الموظفين الحكوميين المسجلين في منصة الرقم الوظيفي الإلكترونية نحو 4 ملايين موظف حتى أوائل عام 2024، ويشمل هذا العدد موظفي الوزارات، الجهات غير المرتبطة بوزارة، والمحافظات، وفقاً لبيانات وزارة التخطيط العراقية.

 

إلى ذلك، يرى الخبير الاقتصادي والمالي، علي الفريجي، أن "فجوة الرواتب في العراق تُعد من أبرز القضايا التي تثير الجدل في الأوساط الاقتصادية والاجتماعية، نتيجة التفاوت الكبير بين رواتب الموظفين في مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية، ما يدفع باتجاه المطالبة بإجراء تعديل شامل على سلم الرواتب بهدف تحقيق العدالة والإنصاف".

 

وتزداد أهمية هذا الملف، والكلام للفريجي، في ظل التحديات المالية والاقتصادية المتوقعة لعام 2025، خاصة مع الانخفاض المتوقع في أسعار النفط الذي يُعد المصدر الرئيس لإيرادات البلاد.

 

ويؤكد الخبير الاقتصادي، خلال حديث لمنصة "الجبال"، أن "موازنة العراق للعام 2024 بلغت نحو 211 تريليون دينار عراقي، أي ما يعادل 161 مليار دولار، مع تسجيل عجز متوقع يصل إلى 64 تريليون دينار، وهو ما يفرض ضغوطاً إضافية على الحكومة في ما يتعلق بتخصيصات الرواتب وتمويل أي تعديلات مقترحة على هيكلها".

 

ويتابع الفريجي حديثه قائلاً إن "الحكومة تسعى إلى توحيد سلم الرواتب ضمن خطة تقدّر كلفتها بنحو 10 تريليونات دينار، تشمل أكثر من 4 ملايين موظف"، مستطرداً بالقول: "من أبرز ملامح السلم الجديد المقترح زيادة رواتب الدرجات الوظيفية الدنيا بنسبة تصل إلى 150%، ومنح مخصصات لتحسين المعيشة بنسبة 50% لجميع الموظفين، في محاولة لتحقيق العدالة وتقليل الفجوات بين الفئات الوظيفية".

 

لكن الفريجي، يشير إلى أن "هذه الخطوة تواجه جملة من التحديات، أبرزها الضغوط المالية الناتجة عن تخصيص مبالغ كبيرة في وقت تعاني فيه الدولة من تراجع الإيرادات"، مبيناً أن "المشروع سيواجه تعقيدات تشريعية، إذ يتطلب تعديل أكثر من 34 قانوناً وتشريعاً حالياً، وهو ما يستغرق وقتاً وجهداً كبيرين، إلى جانب ذلك من المتوقع أن تظهر اعتراضات سياسية من بعض الأطراف، خصوصاً الجهات أو الوزارات التي تتمتع حالياً بمستويات رواتب مرتفعة".

 

وبناء على ما تقدم، يرى الفريجي، أن تمرير تعديل شامل على سلم الرواتب خلال الدورة البرلمانية الحالية أمرٌ بالغ الصعوبة في ظل التحديات القائمة، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى إمكانية اللجوء إلى خطوات تدريجية ومدروسة، مثل تعديل التخصيصات المالية بين الوزارات أو رفع مخصصات الدرجات الوظيفية الدنيا، كحلول مرحلية تعكس روح التعديل المنشود دون التأثير الحاد على الموازنة العامة.

 

واختتم الفريجي حديثه بالتأكيد على أن "تعديل سلم الرواتب يمثل ضرورة لتحقيق العدالة الاجتماعية، لكنه في الوقت ذاته يتطلب توازناً دقيقاً بين الأهداف الاجتماعية والقدرة المالية للدولة، ما يدفع باتجاه حلول مرحلية تعزز العدالة من دون أن تُثقل كاهل الموازنة العامة".

رامي الصالحي صحفي

نُشرت في السبت 19 أبريل 2025 10:30 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.