إحصاء نشاط الفصائل من طوفان الأقصى إلى الآن.. من يتحمل "الفهم الخاطئ" لجدلية التواجد الأميركي؟

8 قراءة دقيقة
إحصاء نشاط الفصائل من طوفان الأقصى إلى الآن.. من يتحمل "الفهم الخاطئ" لجدلية التواجد الأميركي؟

في 14 آب/اغسطس، عندما نشرت وزارة الخارجية العراقية بياناً توضيحياً رداً على تصريح للمتحدث باسم الخارجية الأميركية، لم يكن ما تضمنه البيان بشأن "تأجيل" إعلان إنهاء مهام التحالف الدولي في العراق معلومة جديدة، إلا أن الجديد فيها أنها جاءت بشكل رسمي لأول مرة، فسبق أن كشفت تقارير معلومة مشابهة منذ أكثر من شهر. 

 

إعلان قديم.. وسببان يدحضان مبرر الخارجية

 

في 8 تموز/يوليو الماضي، أوردت "الميادين" وهي وسيلة إعلامية مقربة من "محور المقاومة" في لبنان، عن مصادرها أنّ الجانب الأميركي تراجع عن إعلان رسمي كان وشيكاً لجدولة مقبلة تتضمن تخفيض عدد قواته في العراق، خلال الأسبوع الحالي، بعدما كان يتجهز لذلك، فيما رجحت مصادر الميادين حينها وجود ربط بين هذا القرار، وبين الأولوية التي منحت لعملية سحب قوات أميركية من النيجر.

 

ونشرت وزارة الخارجية العراقية بيانها، رداً على ورود جملة "القوات الأميركية في العراق" على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية، خلال مؤتمر صحفي عقده في 13 آب/أغسطس، وتوجه له سؤال من أحد المراسلين حول وجود تقارير تشير إلى أن الولايات المتحدة والعراق توصلا إلى اتفاق بشأن انسحاب القوات الأميركية من العراق، وأن ذلك سيبدأ في الشهر المقبل (أيلول/سبتمبر)، إلا أن المتحدث باسم الخارجية قال إنّ "مناقشاتنا مع العراق تتركز حول مستقبل عملية العزم الصلب، ولم نناقش في أي وقت انسحاب القوات الأميركية من العراق".

 

جملة "القوات الأميركية"، جاءت منافية لما تركز عليه الحكومة العراقية دائماً بأن التواجد الأميركي في العراق هو تواجد "مستشارين" عسكريين، وليس قوات عسكرية قتالية، الأمر الذي دفع الخارجية لإصدار التوضيح، لكن البيان تضمن أن "الطرفين كانا قريبين عن الإعلان عن إنهاء المهمة العسكرية للتحالف الدولي، وما تضمنه من انسحاب المستشارين من المواقع، لكن بسبب التطورات الأخيرة تم تأجيل الإعلان عن إنهاء المهمة العسكرية للتحالف الدولي".

 

لا يعد السبب الذي ذكرته مصادر الميادين عن أن تأجيل إعلان الجدولة يرتبط بترتيبات الانسحاب من النيجر، هو الإشارة الوحيدة التي قد تثير الشكوك وتناقض المبرر الذي ذكرته وزارة الخارجية العراقية، بل أن التتبع الزمني هو الآخر الذي قد يكشف ربما غرابة المبرر الذي أوردته وزارة الخارجية، فالحديث عن التطورات الأخيرة يشير بشكل أو بآخر وكما فهمه العديد من المراقبين أنه يشير إلى التصعيد الفصائلي ضد مواقع القوات الأميركية في العراق، لكن بالنظر لأقوى تصعيد حصل خلال هذه الفترة، هو قصف قاعدة عين الأسد الذي تسبب بإصابة 5 جنود أميركيين، كان في 6 آب/أغسطس، في حين أن معلومات تأجيل إعلان إنهاء مهمة التحالف الدولي تكشفت منذ 8 تموز/يوليو، حيث لم يكن هناك الكثير من التصعيد بعد، بل حتى أن الهدنة بين الفصائل والقوات الأميركية كانت لا تزال على وشك الانتهاء.

 

 

 

لماذا ربط تأجيل الانسحاب بالتطورات "غريب"؟

 

من المفترض أن تواجد المستشارين العسكريين لقوات التحالف الدولي في العراق، مرتبط ويهدف للقضاء على تنظيم "داعش"، لذلك، فإن قرار البقاء أو الانسحاب أو تأجيل إنهاء المهمة، يرتبط بتطورات قدرات "داعش" فقط، وليس لأسباب أخرى، لكن وزارة الخارجية في بيانها الأخير ربطت تأجيل إعلان انهاء مهمة التحالف الدولي بـ "التطورات الأخيرة"، وبالرغم من أنها لم تفصح عن ما هي التطورات الأخيرة التي كانت تقصدها، إلا أن كثيرين فهمومها بشكل واضح أن المقصود من التطورات الأخيرة هو تصعيد عمليات الفصائل.

 

ولو صح هذا الأمر، فإنه تطور ينبغي الوقوف عنده بالنسبة لعديدين، فأخذ الجانب الأميركي قرار البقاء أو الانسحاب أو إنهاء وتحويل نوع مهام قوات التحالف في العراق بناء على "تطورات نشاط الفصائل"، هو أمر غير طبيعي ويقود لاحتمالات أخرى، من بينها أن تواجد قوات التحالف الدولي في العراق لا يرتبط بمحاربة "داعش" فحسب، بل أنّ جانباً من تواجدها يتعلق بنشاط الفصائل المسلحة وربما مراقبتها عن كثب.

 

"فهم خاطئ"

 

واحدة من الإشكاليات التي تطرح في الأوساط الشعبية والإعلامية في العراق، هو التضارب بين تصريحات ومواقف الحكومة العراقية حول انسحاب القوات الأميركية، وبين موقف الجانب الأميركي الذي يؤكد دائماً أنه "لا يوجد اتفاق أو حديث عن انسحاب القوات".

 

لكن بتتبع بيانات الموقف العراقي الرسمي، يتضح أن الحديث دائماً يركز على عبارة "إنهاء المهمة العسكرية للتحالف الدولي"، ما يعني حتى الحكومة العراقية لم تتحدث بالفعل عن انسحاب، باستثناء "تطلعات" بعض الأشخاص والمستشارين الذين يذهبون إلى إمكانية الانسحاب، لكن الاتفاقات والمباحثات مع الجانب الأميركي الحقيقي يركز على "إنهاء المهمة العسكرية للتحالف الدولي"، وهذه العبارة تشير بشكل واضح إلى أنها مرحلة انتقالية لإنهاء المهمة العسكرية والبحث عن مهمة أخرى، فإنهاء المهام العسكرية وفق اتفاقية العزم الصلب، يتطلب إيجاد علاقة من نوع آخر وصفتها الحكومة العراقية وكذلك الجانب الأميركي بأنها مرحلة "الشراكة الأمنية".

 

 

تصعيد الفصائل ما يزال "محدوداً"

 

منذ 3 أشهر، تتصاعد الهجمات التي تنفذها ما تعرف بفصائل "المقاومة الإسلامية في العراق" بشكل مستمر منذ وصولها لأدنى مستوى في آذار الماضي، إلا أن الهجمات ما تزال أقل بكثير من أدنى مستوى مسجل في الأشهر الأخيرة من عام 2023 والرقم القياسي المسجل في يناير 2024، ما يعني أنّ تصعيد فصائل المقاومة في العراق "ما يزال في حدود المعقول" بحسب عديدين.

 

وبتتبع بيانات متخصصة لمؤشر الصراع العالمي، أظهرت أن أقوى معدل هجمات لـ "المقاومة الإسلامية في العراق" منذ بدء طوفان الأقصى، قد تحقق في شهر كانون الثاني/يناير 2024 وبلغ عدد الهجمات أكثر من 40 هجمة.

أما في المرتبة الثانية كانت هجمات شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023 بأكثر من 33 هجمة، وكانون الأول/ديسمبر 2023 في المرتبة الرابعة، وتشرين الأول/كتوبر 2023 بالمرتبة الخامسة بحوالي 22 هجمة.

 

لكن من أعلى مستوى في كانون الثاني/يناير 2024 والذي بلغ أكثر من 40 هجمة، انخفضت الهجمات لأدنى مستوى في شباط/فبراير 2024 وبلغت حينها 5 هجمات فقط، ثم في آذار/مارس 2024 انخفضت إلى هجمة واحدة فقط، وذلك بعد الضربة القوية التي وجهتها القوات الأميركية لقيادات كبيرة في "كتائب حزب الله" وحركة النجباء ببغداد، من بينهما "أبو تقوى" و"أبو باقر الساعدي"، خلال شهري كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير 2024.

 

ومنذ آذار/مارس 2024، بدأت الهجمات تتصاعد تدريجياً لكنها تبقى في أدنى مستوى منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 حيث أن الهجمات في تشرين الأول 2023 ما تزال أعلى من عدد الهجمات في نيسان/أبريل وأيار/مايو وحزيران/يونيو وتموز/يوليو.

 

هجمات الفصائل العراقية من تشرين الأول 2023 إلى تموز 2024

 

 

وبلغ عدد الهجمات في نيسان 3 هجمات ارتفاعاً من هجمة واحدة في آذار/مارس، وفي أيار/مايو ارتفعت إلى 8 هجمات، وفي حزيران/يونيو ارتفعت إلى 14 هجمة، وفي تموز/يوليو ارتفعت إلى 15 هجمة، وما تزال جميعها أقل من هجمات تشرين الأول/أكتوبر حيث موعد انطلاق طوفان الأقصى، والتي بلغت أكثر من 20 هجمة.

 

هذه الأرقام تظهر أيضاً، إشارة جديدة على الشكوك في المبرر الذي أوردته وزارة الخارجية بأن التطورات الأخيرة تسببت بتأجيل إعلان إنهاء مهمة التحالف الدولي، فالمعلومة خرجت منذ 8 تموز/يوليو، في حين أن هجمات شهر حزيران/يونيو لم تقفز بشكل كبير مقارنة وكانت ضمن المعدل المتوسط بين 10 إلى 15 هجمة شهرياً.

 

 

 

 

نشاط "محور المقاومة".. فصائل العراق 5% فقط و95% للحوثيين وحزب الله

 

وبينما تتصاعد هجمات "المقاومة الإسلامية في العراق" تدريجياً دون تحقيق رقم قياسي، حقق حزب الله اللبناني رقماً قياسياً بعدد الهجمات في تموز/يوليو الماضي بأكثر من 250 هجمة، منذ بدء الطوفان في تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحتى الآن.

وبينما كانت هجمات حزب الله اللبناني بين ارتفاع وانخفاض، لكنها سجلت في شهر تموز الماضي رقماً قياسياً منذ بدء الطوفان في تشرين الأول/أكتوبر وبلغت الهجمات حوالي 250 هجمة، مقارنة بـ90 هجمة في تشرين الأول/أكتوبر 2023.

 

أما هجمات الحوثيين، فانخفضت في تموز/يوليو الماضي إلى 25 هجمة مقارنة بأعلى مستوى مسجل والذي جاء في حزيران/يونيو الماضي والذي بلغ حينها أكثر من 60 هجمة.

وفي الخلاصة، من بين 300 هجمة نفذها "محور المقاومة الإسلامية" بالكامل في شهر تموز والذي يعد رقماً قياسياً لعدد الهجمات لمحور المقاومة منذ بدء الطوفان، تعادل هجمات محور المقاومة في العراق 5% فقط من اجمالي الهجمات.

 

هجمات محور المقاومة بالكامل بين تشرين الأول 2023 وتموز 2024

علي الأعرجي صحفي عراقي

نُشرت في الأربعاء 21 أغسطس 2024 11:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.