"مولدات بلا وقود".. هل تنقذ الطاقة الشمسية صيف العاصمة؟

12 قراءة دقيقة
"مولدات بلا وقود".. هل تنقذ الطاقة الشمسية صيف العاصمة؟ تعبيرية

مع اقتراب صيف بغداد اللاهب، ووسط توقعات بانقطاعات كهربائية أشد من الأعوام السابقة خصوصاً عقب الغاء استثناء العراق من شراء الغاز الإيراني، بدأ البغداديون سباقاً محموماً نحو بديل قد ينقذهم من جحيم الصيف وهو "مولدات الطاقة الشمسية".

 

وفي مشهد غير مألوف، تتحول أسطح منازل العاصمة إلى معارض مصغرة لألواح الطاقة، وكأن المدينة تستعد لانقلاب في ثقافتها الكهربائية وهو كخيار اضطراري إلى مشروع وطني طويل الأمد يخفف من أعباء المواطنين ويمنحهم طاقة مستقرة وآمنة.

 

وأقر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، العام الماضي، خطة لإدخال منظومات الطاقة الشمسية إلى المنازل، ضمن جهود تخفيف الأحمال عن شبكة الكهرباء الوطنية، وفقاً لبيان صادر عن مكتبه الإعلامي، الذي أكد فيه إقرار النموذج الاقتصادي الخاص بشراء الطاقة، بالتعاون مع شركة "KBR" الاستشارية، وذلك لضمان كفاءة الإنفاق وتحسين استدامة القطاع.

 

ويعتمد توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بشكل كبير على زاوية سقوط أشعة الشمس، إذ تؤثر هذه الزاوية مباشرة في كفاءة الألواح الشمسية وقدرتها على إنتاج أعلى مستوى من الطاقة، كما أن كمية الطاقة المنتجة تختلف باختلاف فصول السنة ما يستدعي أخذ ذلك بالحسبان عند التخطيط لأنظمة الطاقة الشمسية.

 

قرار حكومي.. وحزمة تسهيلات

ويقول مصدر حكومي مطلع، في حديث لمنصة "الجبال"، إن "الحكومة العراقية قررت اعتماد الطاقة الشمسية كحل بديل لتجاوز أزمة نقص الغاز الإيراني، ذلك في ظل تعذر إيجاد بدائل سريعة لتأمين الوقود اللازم لتشغيل محطات إنتاج الكهرباء، مع اقتراب فصل الصيف وارتفاع معدلات الاستهلاك".

 

ويضيف المصدر الذي اشترط عدم الكشف عن أسمه، أن "القرار جاء عقب إلغاء الاستثناء الأميركي الذي كان يتيح للعراق استيراد الغاز الإيراني، ما شكّل تحدياً كبيراً أمام تأمين إمدادات الطاقة الكهربائية خلال الأشهر المقبلة"، مبيناً أن "الحكومة وجّهت بدعم عمل الشركات المتخصصة في بيع منظومات الطاقة الشمسية من خلال تسريع إجراءات الاستيراد ومنح الموافقات اللازمة لتوسيع انتشار هذه المنظومات في عموم البلاد".

 

وفقاً للمصدر، فإن الحكومة أصدرت توجيهات إلى المصارف الحكومية لتوفير قروض ميسرة للموظفين والمواطنين، بهدف دعمهم في شراء منظومات الطاقة الشمسية كخطوة لتعزيز الاعتماد على الطاقة المتجددة وتقليل الضغط على شبكة الكهرباء الوطنية والمولدات الأهلية.

 

وتأتي هذه الإجراءات في إطار مساعٍ حكومية حثيثة لتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الخارجية، ودعم مشاريع الطاقة النظيفة في العراق، بما ينسجم مع التحديات الاقتصادية والبيئية المتزايدة.

 

وفي (2 تموز 2024)، منحت هيئة الاستثمار في العراق أول رخصة استثمارية لشركة "توتال إنرجي"، الفرنسية لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في حقل "أرطاوي" النفطي في البصرة بقدرة إنتاجية تبلغ 1000 ميغاواط.

 

جدل بين المواطنين

وخصص البنك المركزي العراقي أكثر من تريليوني دينار لتركيب أنظمة توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية في منازلهم، وذلك ضمن مبادرة الحكومة العراقية للطاقة النظيفة، بحسب تصريحات سابقة صدرت عن المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية.

 

وكان البنك المركزي العراقي قد أعلن في عام 2022 عن تخصيص تريليون دينار (نحو 750 مليون دولار) لتوفير قروض ميسّرة للقطاع الخاص، بهدف دعم استخدام الطاقة الشمسية في المنازل والشركات، إلا أن البنك كشف في 2 تشرين الثاني 2023 عن ضعف الإقبال على هذه المبادرة، مرجعاً السبب إلى ارتفاع أسعار منظومات الطاقة الشمسية.

 

وأعلن وزير الكهرباء زياد علي فاضل، مطلع العام الجاري، تأهيل 8 شركات متخصصة ‏في مجال الطاقة الشمسية ضمن المرحلة الأولى، في إطار مبادرة البنك المركزي العراقي.‏

 

وفي ضوء توجه الحكومة العراقية إلى دعم منظومات الطاقة الشمسية كبديل مستدام لتوفير الكهرباء، انقسمت آراء المواطنين بين من يرى في هذه الخطوة حلاً عملياً وفعالاً، وبين من يعتبرها خياراً مكلفاً ومعقداً لا يناسب ظروف السكن والبنية التحتية السكنية في البلاد، لا سيما في العاصمة بغداد.

 

عدد من المواطنين الذين بادروا بتركيب منظومات الطاقة الشمسية، عبّروا عن ارتياحهم لهذه التجربة، حيث يقول محمد العامري، أحد سكان منطقة السيدية في بغداد، إنه "منذ أكثر من عام، لم أعد أعتمد على المولدات الأهلية، فالمنظومة الشمسية توفر لي كهرباء مستقرة ونظيفة على مدار اليوم، وخاصة في أوقات الذروة التي يعاني فيها الجميع من الانقطاعات".

 

ويضيف العامري، خلال حديثه لمنصة "الجبال"، أن "المفتاح لنجاح المنظومة هو أن يتم تركيبها من قبل فنيين محترفين، مع استخدام بطاريات جيدة ومنشأ موثوق، وهنا فقط يمكن الاستفادة منها بالشكل الصحيح".

 

بالمقابل، يرى عدد من المواطنين أن منظومات الطاقة الشمسية لا تزال بعيدة عن أن تكون بديلاً واقعياً للكهرباء الوطنية أو المولدات الأهلية.

 

ويقول أحمد خليل من حي العامل، في حديث لـ "الجبال"، إن "أسعار المنظومات مرتفعة جداً، ومع ذلك فإن البطاريات تموت خلال عام أو اثنين، ناهيك عن صعوبة الصيانة وقلة الكوادر الفنية المتخصصة".

 

ويشير خليل إلى أن "أغلب المنازل في بغداد مساحاتها صغيرة، ولا تكفي لتركيب عدد كافٍ من الألواح الشمسية، كما أن تثبيتها على السطوح يتطلب عناية كبيرة، وهي عرضة للتلف بسبب الغبار والرياح والرمي العشوائي في المناسبات".

 

الجدل بين المؤيدين والرافضين لمنظومات الطاقة الشمسية يعكس واقعاً مركباً ومعقداً في العراق، حيث تتداخل عوامل البنية التحتية، والظروف المناخية، والقدرة الشرائية، مع غياب التثقيف المجتمعي الكافي حول كيفية الاستخدام السليم لهذه التقنية.

 

ويرى مراقبون أن نجاح هذا التوجه الحكومي مرهون بجملة من العوامل، أبرزها ضمان استيراد أجهزة ومعدات ذات جودة عالية، إطلاق حملات توعية للمواطنين حول الصيانة والتركيب السليم، توفير مراكز خدمة وصيانة في جميع المحافظات ودعم حكومي مستمر لتقليل الأسعار عبر الإعفاءات والضرائب.

 

منظومات الطاقة.. قدرات محدودة وأسعار متفاوتة

وكشفت الهيئة الوطنية للاستثمار العراقية قبل أيام قليلة، عن خطة لإنتاج حوالي 12 ألف ميغاوات من الطاقة الشمسية حتى نهاية 2030، مشيرة إلى أن العراق سيشهد أول تجربة لإنتاج الطاقة الكهربائية من النفايات خلال الأيام القليلة المقبلة.

 

ورغم الإقبال المتزايد على الطاقة الشمسية في العراق، خاصة مع اقتراب فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، إلا أن أصحاب شركات تجهيز المنظومات يؤكدون أن قدرات الأنظمة المتوفرة حالياً في السوق لا تزال محدودة، ولا يمكنها تشغيل مكيفات الهواء الاعتيادية بل تقتصر على تشغيل أجهزة التكييف من نوع "الانفيرتر" التي تستهلك طاقة أقل بكثير.

 

وفي حديث لمنصة "الجبال"، يشير صاحب شركة لبيع هذه المنظومات في منطقة الكرادة وسط العاصمة بغداد، إلى أن "أغلب الأنظمة المتاحة في السوق تولد طاقة تصل إلى 6 كيلو واط، وهو ما يعادل نحو 20 أمبيراً تقريباً، وتختلف أسعار هذه المنظومات باختلاف المكونات والجودة، إذ تتراوح بين 600 ألف دينار عراقي وتصل إلى نحو مليون ونصف المليون دينار".

 

أما بالنسبة للألواح الشمسية، والحديث لنفس صاحب الشركة، فإن كل لوح منها يولد ما بين 6 إلى 7 أمبير، وتُعرض في السوق بأسعار تتراوح بين 130 ألفاً إلى 150 ألف دينار للواحد، حيث تعتمد كفاءة النظام كلياً على عدد الألواح المستخدمة ونوع البطاريات الموصولة بها، والتي تُعد من المكونات الرئيسية في تحديد قدرة النظام على تخزين الطاقة وتوفيرها خلال فترات غياب الشمس.

 

ووفقاً لصاحب الشركة، فإن البطاريات المتوفرة في السوق العراقية تنقسم إلى ثلاث فئات رئيسة بحسب سعتها، تبدأ من بطاريات بقدرة 5 كيلو واط وتمنح طاقة بمقدار 8 أمبيرات لمدة ساعتين، وصولًا إلى بطاريات بقدرة 15 كيلو واط قادرة على توفير 12 أمبيراً لمدة تصل إلى 8 ساعات متواصلة، اذ تتفاوت أسعارها من مليون و250 ألف دينار إلى ما يزيد عن ثلاثة ملايين دينار، تبعاً لسعتها وكفاءتها.

 

ويتابع قائلاً إن تكاليف المنظومة لا تتوقف عند هذا الحد، إذ يبلغ سعر الأسلاك الخاصة بهذه الأنظمة ما بين 300 إلى 350 ألف دينار، فيما تتراوح أجور التركيب الكامل بين 400 إلى 500 ألف دينار، اعتماداً على حجم المشروع وموقعه.

 

ويؤكد صاحب الشركة، أن "ما يقارب 80% من منظومات الطاقة الشمسية المتوفرة في السوق العراقية هي من منشأ صيني"، موضحاً أن "الإقبال الكبير على هذا النوع يعود إلى انخفاض سعره وتوفره في الأسواق، رغم وجود تفاوت واضح في الجودة والأداء بين منتج وآخر".

 

ووفقاً لوزارة التخطيط فإن عدد المولدات الإجمالي (محرك وراس توليد) بلغ (48533) مولداً، في حين سجل عدد العاملين الكلي في قطاع المولدات (44640) عاملاً، مشيراً إلى أن عدد المستفيدين الكلي بلغ (6,700,665) مشتركاً. أما عدد الأمبيرات المجهزة خلال الشهر الواحد فوصلت إلى (25,875,722) أمبيراً.

 

العراق ليس من أفضل الدول في الصيف

وفي وقت سابق من العام الجاري، كشفت الهيئة الوطنية للاستثمار العراقية، عن خطة لإنتاج نحو 12 ألف ميغاوات من الطاقة الشمسية بحلول عام 2030، بعد مصادقة مجلس الوزراء عليها.

 

وقال مستشار الهيئة رحيم الجعفري، في تصريحات صحفية، إن "الشركات ستتولى إنتاج 7500 ميغاوات منها، وتعمل الهيئة حالياً على استكمال الموافقات الاستثمارية"، مشيراً إلى قرب انطلاق أول تجربة لإنتاج الكهرباء من النفايات في أمانة بغداد، باستخدام نحو 3 آلاف طن من المخلفات ضمن مشروع في قضاء النهروان".

 

في غضون ذلك، يرى الخبير في مجال الطاقة المتجددة علي البكري، أن "العراق يمتلك أحد أعلى معدلات الإشعاع الشمسي في المنطقة، حيث تصل شدة الإشعاع الشمسي الساقط إلى نحو 1200 واط لكل متر مربع"، مضيفاً أن "هذه الكثافة كافية نظرياً لتشغيل مكيف هواء منزلي باستخدام متر مربع واحد فقط، في حال توفرت كفاءة تحويل بنسبة 100%، إلا أن الكفاءة الفعلية للخلايا الشمسية لا تتجاوز عموماً نسبة 20%".

 

وبحسب حديث البكري، لمنصة "الجبال"، تُستخدم ثلاث أنواع رئيسة من الألواح الشمسية في العراق، وهي :

 

أولاً: Thin Film "الأغشية الرقيقة" وهي ذات كفاءة منخفضة تتراوح بين 7 إلى 8% وتُعد الأرخص لكنها الأقل إنتاجية.

 

ثانياً: Polycrystalline "متعددة البلورات" وهي بكفاءة تتراوح بين 16 إلى 18%، وهذا النوع يستخدم على نطاق واسع بسبب توازنها بين الكلفة والكفاءة.

 

ثالثاً: Monocrystalline "أحادية البلورة" وهي الأعلى كفاءة، إذ تتراوح كفاءتها ما بين 19 إلى 22%.

 

ويوضح البكري إن "الأنظمة الشمسية الثابتة (Fixed Systems) تُعد الأنسب للبيئة العراقية مقارنة بالأنظمة المتحركة التي تتبع الشمس (Tracking Systems)، ورغم أن الأنظمة المتحركة توفر زيادة في الكفاءة تتراوح بين 4 إلى 5%، فإن كلفة تركيبها العالية وصيانتها الدورية تجعل الأنظمة الثابتة الخيار الأفضل اقتصادياً وعملياً، خاصة في ظل طبيعة المناخ المحلي".

 

يشير البكري إلى أن "العراق يُعد من بين أفضل دول العالم من حيث شدة الإشعاع الشمسي الساقط، حيث يتفوق حتى على دول أوروبية مثل إنجلترا التي لا تتجاوز فيها شدة الإشعاع 600 واط/م²، لكن هذا التفوق يُقابله تحديان رئيسيان (ارتفاع درجات الحرارة المفرط وكثرة العواصف الترابية)، وهما عاملان يؤثران على كفاءة أداء الألواح ويزيدان من حاجتها إلى الصيانة والتنظيف".

 

ويعتمد نجاح أي نظام شمسي على زاوية ميل الألواح، والكلام أيضاً للبكري، والتي يُفترض أن تُضبط وفق خط العرض لكل مدينة، ففي بغداد مثلًا تتراوح زاوية الميل المثالية بين 30 و32 درجة، ويُفضل تثبيت الألواح باتجاه الجنوب لضمان استقبال أقصى كمية ممكنة من الإشعاع خلال النهار.

 

وبختام حديثه، أكد البكري أن "تجهيز 50% من المنازل العراقية بأنظمة طاقة شمسية يمكن أن يساهم في تخفيف لا يقل عن 10% من إجمالي الحمل على الشبكة الوطنية، ما يمثّل حلاً استراتيجياً طويل الأمد لأزمة الكهرباء في العراق".

 

وفي الشهر الماضي، أعلنت وزارة الكهرباء انطلاق مشروع "شمس البصرة"، أكبر محطة للطاقة الشمسية في العراق، بالتعاون مع شركة "توتال إنرجي" الفرنسية، مؤكدة في بيان رسمي أن المشروع، الذي يُقام في صحراء البصرة على مساحة 9000 دونم، يضم مليوني لوح شمسي موزعة على أربع وحدات، بقدرة إنتاجية تبلغ 1000 ميغاواط.

رامي الصالحي صحفي

نُشرت في الأحد 13 أبريل 2025 12:50 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.