مع تحديد مجلس الوزراء العراقي، ليوم 11 تشرين الثاني 2025 موعداً لإجراء الانتخابات التشريعية، أعاد الإعلان الزخم إلى الساحة السياسية، لبناء التحالفات والتفاهمات، وبينما تحشّد القوى التقليدية أدواتها المالية والسياسية والإعلامية، تقول القوى المدنية الناشئة إنها تسعى إلى خلق بدائل واقعية وتحالفات سريعة رغم التحديات الكبرى، في مقدمتها القانون الانتخابي والمال السياسي والسلاح المنفلت.
وأجرت "الجبال" حوارات مع عدد من القياديين في أحزاب ناشئة، لمعرفة مواقفهم الحزبية، واستعداداتهم، وكيف يقيّمون المرحلة المقبلة في ضوء تجاربهم وتجارب سابقة مشابهة.
رغم تجربة "امتداد".. لكنها "أرض خصبة"
ويرى غانم خالد، القيادي في "البيت الوطني"، أن "القوى المدنية تواجه معركة شرسة، لكنها ليست مستحيلة"، إذ قال إن "حزبه يعمل منذ أكثر من خمسة أشهر على بناء تحالف سياسي، لا انتخابي فقط، يضم طيفاً واسعاً من القوى المدنية، تشمل الأحزاب، والمستقلين، والمحتجين".
ويضيف خالد: "سنشارك في الانتخابات القادمة في أربع محافظات، ونعوّل على ما اكتسبناه من دروس سياسية، وعلى إيماننا بضرورة الاستمرار مهما كانت التحديات. تجربة امتداد أثرت على جميع القوى المدنية، فقد أفقدت الناس الثقة بالوجوه الجديدة. لكننا لا نعتبرها نهاية الطريق، بل بداية لتصحيح المسار".
ويشير خالد إلى أن البيت الوطني يعتقد أن"الانتخابات المقبلة تمثل "أرضاً خصبة" للقوى المدنية، لاسيما بعد أن أثبتت القوى الناشئة في ذي قار قدرتها على انتزاع 6 مقاعد برلمانية ومحلية في دورتين انتخابيتين، بالرغم من التحديات المتمثلة بالمال السياسي والسلاح المنفلت.
الحاجة إلى "تحالف مقنع"
من جانبه، يوضح الدكتور قتيبة العيساوي، القيادي في حزب "الشمس"، أن القانون الانتخابي الحالي (سانت ليغو 1.7) يجعل فرص القوائم الصغيرة شبه معدومة إن لم تتحالف ضمن تكتل انتخابي عريض، فيما يؤكد أن "حزبهم يدرس خياراته بشأن التحالفات، ويتواصل مع عدة أطراف سياسية مدنية".
ويتابع العيساوي أن "الجيل الثاني من الأحزاب الناشئة استفاد من أخطاء الجيل الأول، وتمكن من تحقيق حضور جيد في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة. ورغم عبء التجارب السابقة، نحن نعمل على بناء خطاب واقعي ومعني فعلاً بالهم العراقي، لا مجرد تكرار شعارات".
ويرى العيساوي أن الطبقة المتوسطة هي العنصر المغيب في العمل السياسي، رغم "أنها صاحبة المصلحة المباشرة بالتغيير، ويجب العمل على استقطابها". كما يحذر من "المال السياسي الضخم الذي قد يصرفه خصومهم في الحملات، ويعوّل في المقابل على وعي الناخب، ودور الحملات الرقمية الحديثة في توسيع القاعدة الجماهيرية".
المشاركة "ضرورة"
من جهته، يؤكد محمد الشيخ، القيادي في "التيار الاجتماعي"، أن المشاركة في الانتخابات المقبلة ضرورة لا مفر منها إن أراد المدنيون أن يكون لهم تأثير حقيقي. ويقول إن "حزبه يعمل منذ سنوات على خلق تحالفات مدنية ديمقراطية، وهو الآن في حوار مع قوى قريبة فكرياً لتشكيل تكتل واقعي وفاعل داخل البرلمان".
ويستذكر الشيخ التجارب السابقة وتحديدا امتداد، قائلاً إنها "تعرضت لتشويه متعمد، فصحيح أنها تجربة قاسية لكنها ليست الوحيدة التي واجهت صعوبات. فالضرورة اقتضت أن تولد امتداد ما بعد التظاهرات، ولم يجعلوا المهارة السياسية هي معاير أساسي لاختيار مرشيحهم، بل اعتمدوا على معايير أخرى في مقدمتها النشاط الاحتجاجي، وهذا أنتج تجربة فتيّة ليس لها خبرة سياسية".
كما لفت إلى أن "بعض من دخلوا البرلمان تحت يافطة تشرين أصبحوا لاحقاً جزءاً من السلطة أو داعمين لها"، مشيراً إلى أن "المعارضة الحقيقية غابت عن البرلمان، بينما "أدى بعض نواب الإطار التنسيقي أداءً معارضاً أكثر فعالية من نواب مدنيين".
ويختتم الشيخ: "نحن واقعيون، لا نملك المال السياسي، ولا المناصب التنفيذية، ومع ذلك نؤمن بأن التحالف القادم يجب أن يكون صريحاً، واقعياً، ويهدف إلى خلق معارضة برلمانية حقيقية".
تحدي عدم استقرار القانون الانتخابي
في الجنوب، وتحديداً البصرة، تبرز حركة "إنصاف الديمقراطية" كأحد التيارات المدنية الناشئة، حيث يقول عضوها زين العابدين البصري إن "الحركة بدأت بإعادة تنظيم صفوفها استعداداً للانتخابات، وتعمل على دراسة توزيع الأصوات وتوسيع التحالفات".
ويعتبر البصري أن أبرز ما يعوق عملهم هو "عدم وضوح الرؤية السياسية وتغيير قانون الانتخابات باستمرار"، وهو ما يربك الأحزاب الناشئة التي لا تمتلك ممثلين في طاولة الحوار السياسي، كما يلفت إلى أن "هذه القوانين تُفصل غالباً على مقاسات القوى المتنفذة".
وعن آلية المشاركة، يقول: "قد نشارك عبر تحالفات مع قوى مدنية أخرى تشترك معنا في القيم الديمقراطية، ونرفض أي تحالفات مع قوى تمتلك أذرعاً مسلحة أو تسعى للهيمنة".
ويحذر البصري من التحديات المالية والإعلامية التي تُنهك الأحزاب الناشئة، ويؤكد على "صعوبة توجيه الجمهور المدني نحو خيارات مدنية حقيقية في ظل بيئة سياسية متخمة بالتزييف والخطاب الشعبوي. كما يرى أن عودة التيار الصدري أو مشاركة المحافظين في الانتخابات قد تعقد المشهد، لكنه لا يستبعد أن تولد معادلة جديدة من رحم الاستقطاب الحاد بين الإطار التنسيقي ورئيس الحكومة الحالي محمد شياع السوداني".