معركة رئاسة البرلمان تكشف الصراع حول المشهد الانتخابي القادم في العراق.. الخوف يجمع الحلفاء والأضداد

8 قراءة دقيقة
معركة رئاسة البرلمان تكشف الصراع حول المشهد الانتخابي القادم في العراق.. الخوف يجمع الحلفاء والأضداد

السوداني والعيساوي وقوى الإطار التنسيقي

 

في 18 أيار/مايو، اقترب سالم العيساوي مرشح كتلتي السيادة وعزم من منصب رئيس مجلس النواب، حيث حصل على 158 صوتاً في الجولة الأولى من التصويت، مقابل 137 صوتاً، لأقرب منافسيه محمود المشهداني مرشح "تقدم"، أكبر كتلة برلمانية سنية بزعامة محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان السابق.

 

لكن الفوضى الكبيرة التي أحدثها نواب الحلبوسي داخل الجلسة آنذاك لعرقلة الجولة الثانية من التصويت ربما أبعدت العيساوي عن منصب رئيس مجلس النواب، حتى نهاية الدورة البرلمانية الحالية.

 

وظل منصب رئيس مجلس النواب شاغراً منذ تشرين الثاني/نوفمبر، بعد إقالة الحلبوسي بتهمة التزوير، ومنذ ذلك الحين، كان المنصب الشاغر يثير شهية الكتل البرلمانية السنية، فبدأت تستثمر علاقاتها بالقوى الشيعية والكوردية، ونفوذها، وأموالها، وعلاقاتها الإقليمية والدولية، لإنجاح مسعاها.

 

كان من الممكن أن يتم انتخاب بديل الحلبوسي بسلاسة، لو أدرك معارضو الحلبوسي أن قواعد اللعبة السياسية في المشهد السياسي العراقي تغيّرت منذ إقالة الحلبوسي، وأن لاعبين جدداً وقواعد جديدة للعبة، قد وضعت موضع التنفيذ.

 

وقال سياسيون عراقيون إن أزمة اختيار رئيس مجلس النواب تبدو في ظاهرها سنية - سنية، باعتبار أن المنصب من نصيب الكتل البرلمانية السنية، لكنها في حقيقتها أزمة شيعية - شيعية تتعلق بالتنافس بين القوى السياسية الشيعية على صدارة المشهد السياسي الشيعي.

 

وقال حيدر الملا أحد قيادات تحالف العزم لـ"الجبال"، إنه "يبدو أن الصراع على منصب رئيس مجلس النواب صراع سني- سني، لكنه في الحقيقة صراع شيعي- شيعي في جوهره".

 

وتخشى القوى الشيعية أن تتولى شخصية سنية قوية رئاسة مجلس النواب، وتخشى أن تتحد هذه الشخصية مع السوداني (رئيس الوزراء) لتشكيل تحالف انتخابي قوي يهدد بإزاحتهم.

 

وقد دقت هذه الفكرة ناقوس الخطر لديهم، لذلك سعوا إلى إسقاط العيساوي.

 

فيتو الحلبوسي و"شرط شيعي"

 

الأنبار، المنطقة الصحراوية الشاسعة في غرب العراق، هي مسقط رأس الحلبوسي ومعقله. إنها المحفز الذي جلبه إلى المشهد السياسي العراقي كزعيم لأكبر كتلة برلمانية لدورتين.

 

في الانتخابات البرلمانية لعام 2021، فاز ائتلاف الحلبوسي بـ 11 من أصل 15 مقعداً في الأنبار وحدها وتسعة من أصل 15 مقعداً في انتخابات المجالس الإقليمية لعام 2023، تاركاً سبعة مقاعد فقط لمنافسيه، مجتمعين.

 

كان للحلبوسي قبضة قوية على المشهد السياسي والحكومة المحلية في الأنبار منذ عام 2014. إن السماح لأي سياسي سني من الأنبار بخلافة الحلبوسي كرئيس للبرلمان، سواء كان خصماً أو حليفاً، من شأنه أن يخاطر بخسارة الحلبوسي لأكبر مستودع له من الأصوات الانتخابية.

 

ومع ذلك، فإن العيساوي، 1972، هو أحد مواطني الحلبوسي وله نفس الخلفية تقريباً مثله. بدأ العيساوي كمقاول صغير في الأنبار في تسعينيات القرن الماضي، ثم أصبح مالكاً لشركة مقاولات بعد عام 2003، وانتخب لمجلس محافظة الأنبار في عام 2010، ثم إلى البرلمان في عام 2014، حيث أعيد انتخابه لثلاث دورات متتالية.

 

ومن المفارقات، أن التحالف السياسي الذي سبق أن رشح الحلبوسي كمرشح لمنصب رئيس البرلمان هو نفسه الذي يرشح الآن العيساوي خلفاً للحلبوسي.

 

وقال زعيم سني مقرب من الخنجر، أبرز منافسي الحلبوسي، لـ "الجبال": إن "اختيار العيساوي لم يكن عشوائياً أو مصادفة. إن الزعماء (السُنّة) الذين رشحوه يدركون تماماً الحاجة إلى مرشح يضاهي الحلبوسي في الأنبار".

 

"يعلم جميع الزعماء (السُنّة) أن أعظم قوة لدى الحلبوسي هي سيطرته على الأنبار. لقد حان الوقت لتجريده من هذه السلطة". إن "ترشيح العيساوي محسوب ومخطط له لتقويض نفوذ الحلبوسي هناك واستعادة السيطرة على المحافظة".

 

وبناء على الأعراف السياسية التي تبنتها القوى السياسية العراقية منذ عام 2005، فإن الحلبوسي، بصفته زعيم أكبر كتلة برلمانية سنية، لديه حق النقض على أي مرشح لأي منصب سيادي.

وقال سياسيون شيعة وسنة لـ "الجبال" إن "الحلبوسي استخدم هذا الحق لقطع الطريق على العيساوي في الوصول إلى رئاسة مجلس النواب".

 

ويقول حلفاء الحلبوسي ومعارضوه إنه لن يعارض أي مرشح لتولي المنصب، بشرط ألا يكون من مواطنيه في الأنبار.

وقال سياسي سني بارز لـ "الجبال" إن "لا عداوة حقيقية بين الحلبوسي والعيساوي. مشكلة العيساوي الوحيدة (من وجهة نظر الحلبوسي) أنه من الأنبار".

 

"لا يمكن للحلبوسي أن يسمح لسياسي من الأنبار بخلافته، حتى لو كان هذا يعني إبقاء المنصب في أيدي القوى الشيعية حتى نهاية الدورة البرلمانية".

 

إن "ظهور زعيم سني جديد في الأنبار يعني أنه (الحلبوسي) سيخسر قاعدته الشعبية هناك ويهدد مستقبله السياسي".

 

التقاء المصالح

 

​ورغم أن القوى الشيعية واصلت إعلان عدم اهتمامها بالصراع الدائر في المشهد السياسي السني، والذي يبدو أنه يدور حول منصب رئيس مجلس النواب، إلا أن الاصطفافات المعلنة وغير المعلنة بين القوى الشيعية والقوى السنية والتداخل بين المعسكرين تشير إلى شيء آخر.

 

ويكشف اصطفاف قيس الخزعلي، زعيم "عصائب أهل الحق"، إحدى أقوى الفصائل الشيعية المسلحة المدعومة من إيران، وأحد أقطاب الإطار التنسيقي، أكبر تحالف سياسي شيعي، مع الحلبوسي، واصطفاف محمد شياع السوداني، رئيس الوزراء العراقي، مع العيساوي، عن جوهر ومدى الصراع بين القوى السياسية الشيعية هذه المرة.

 

​ويعتقد الخزعلي الذي يطمح للهيمنة على المشهد السياسي الشيعي وهو الراعي الرئيسي لحكومة السوداني أن الأخير بدأ "يوسع ويوسع دائرة نفوذه وحلفائه بعيداً عنه"، وهو ما يجعل من المرجح أن ينقلب عليه قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة المقررة في أكتوبر/تشرين الأول 2025، بحسب ما قاله زعماء شيعة مقربون من الرجلين لـ"الجبال".

 

لكن السوداني الذي قدم نفسه للعراقيين طيلة الفترة الماضية كرجل خدمات وشارك في إنشاء وإحياء مئات المشاريع الاستراتيجية للبنية التحتية في بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية وتعيين مئات الآلاف من العاطلين عن العمل وزيادة عدد المشمولين بشبكة الرعاية الاجتماعية، يسعى بحماس لتأمين ولايته الثانية كرئيس للوزراء.

 

​ويسعى السوداني بشكل دؤوب لتشكيل قائمة انتخابية تحت مسمى "الإعمار" تضم عدة وزراء وعشرات النواب وثلاثة محافظين على الأقل ومسؤولين كبار ورجال أعمال ورؤساء عشائر في المناطق السنية والشيعية وهم ثلاثة من الزعماء الذين اتصل بهم السوداني للانضمام لقائمته، حسب تصريح لـ"الجبال".

 

فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي وأحمد الأسدي وزير العمل والشؤون الاجتماعية وأسعد العيداني محافظ البصرة ومحمد المياحي محافظ واسط ونصيف الخطابي محافظ كربلاء من بين الشخصيات الشيعية التي عرض السوداني عليها الانضمام لمشروعه الانتخابي.

 

العيساوي والخنجر والسامرائي والعباسي من بين الزعماء السنة الذين عقد السوداني معهم تفاهمات اولية لتشكيل تحالفات سياسية مستقبلية قبل الانتخابات البرلمانية او بعدها.

"إن تحركات السوداني والتي كانت واضحة خلال جلسة انتخاب العيساوي والتي تجسدت من خلال الرسائل النصية التي أرسلها إلى النواب الذين استمالهم وحثهم على التصويت لصالح العيساوي، أثارت غضب حلفائه الشيعة وخاصة الخزعلي ونوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون وأحد زعماء الإطار التنسيقي، فقرروا كبح جماحه"، هذا ما قاله زعماء شيعة لـ "الجبال".

 

"يسعى السوداني إلى تأمين ولاية ثانية من خلال دمج الساحتين السنية والشيعية، ويحاول تقديم نفسه كزعيم شيعي جديد وقوي ومقبول لدى السنة والكورد والمجتمع الدولي"، هذا ما قاله حليف محتمل للسوداني لـ "الجبال".

 

"بدأ هذا الجهد يثير غضب زعماء الشيعة الذين لا يريدون له أن ينمو ويتوسع إلى الحد الذي يمكن أن ينقلب عليهم".

"لم ينقلبوا عليه فعليا بعد، لكنهم تواصلوا مع عدد من القادة والمسؤولين والمحافظين وحذروهم من التحالف مع السوداني".

"إن إحباط مساعي السوداني لدعم العيساوي كان يهدف إلى كبح السوداني أكثر منه إلى دعم الحلبوسي".

 

 

سؤدد الصالحي صحفية

نُشرت في الثلاثاء 20 أغسطس 2024 05:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.