مثل كل عام ها هو حلّ من جديد بطقوسه ونفحاته المبهجة، عيد الفطر المبارك، يوسع بيوت أكثر من ملياري مسلم احتفالاً بإتمام ثلاثين يوماً من الصيام والمناسك الروحية والطاعات.
وفي إقليم كوردستان، لعيد الفطر مباهجه وسماته وتقاليده الخاصة، يشابه في بعضها باقي الأماكن ويتفرد في بعض منها عن باقي المناطق الإسلامية. ثلاثة أيام استثنائية، خارجة عن النمط اليومي، يلونها الفرح والتواصل والإحسان.
مائدة العيد
لمظاهر العيد سمات خاصة في إقليم كوردستان، تبدأ بمائدة الصباح المنقوشة بأطباق تقليدية مختلفة، حيث يعتاد غالبية أهالي الإقليم تناول الطبخ صباح أول أيام العيد إيذانا بالفطر بعد صيام 30 يوماً، إذ يعدّ الأرز واللحم، وطبق الدولمة التقليدي الشهير، والبرياني من أبرز المفردات على قائمة المأكولات إلى جانب مأكولات أخرى.
وتعتبر "الطرشانة - (حساء المشمش المجفف)" طبق رئيس وأساس على تلك الموائد التي تجتمع حولها العائلة الكبيرة، لما له من قيمة غذائية وفوائد في تهدئة الجهاز الهضمي خلال الفطر.
وكما في باقي المجتمعات الإسلامية، تشكل "العيدية"، والزيارات، والاجتماعات العائلية، أركان رئيسة في المناسبة الدينية، كسبل لتوطيد الروابط الاجتماعية وإبداء الوديّة وتقديم الدعم والمساعدة في أحيان كثيرة، في الأمس وحتى اليوم.
الحاجة "أم آزاد"، إحدى نساء أربيل العريقات، سيدة في العقد الثامن من عمرها، وعايشت تبدّلات كثيرة حدثت في مدينتها القديمة والعراق، انعكست على طقوس العيد وممارساته.
داخل منزل دافئ في أحد أحياء مدينة أربيل، تعيش "أم آزاد" مع مساعدتها الشخصية، وفي زاوية صغيرة خصصتها السيدة للجلوس في مطبخها، شاركت منصة الجبال أجزاء من صورة العيد المحفوظة في ذاكرة طفولتها، مشيرة إلى التغيير الذي شهدته عبر الزمن.
قالت أم آزاد: "كنا صغاراً، وكانت للعيد أجواء مختلفة عن الآن، كانت الحياة أكثر بساطة. وكان العيد مناسبة لتجمّع العائلة والخروج وقضاء أوقات ممتعة، كنّا نتحضّر لاستقباله بشكل جماعي، نجهز ثياب العيد بأيدينا والحلوى في لقاءات جماعية". وأضافت السيدة التي عاشت جزءاً من حياتها في أحياء القلعة القديمة: "كانت العيدية لا تتجاوز درهمين وكل ما نجمعه من أجداد وأعمام وأخوال ربما لا يتجاوز نصف دينار، وأحياناً كانت تُقدّم خلال مواد مثل قطعة قماش أو ربما سوار"، مبينة أن "الآن بات كل شيء مختلفاً، كل شيء جاهز ومصنّع وكل يوم أصبح يشبه الآخر، لقد فقد العيد خاصيته التي كان عليها".
ولزيارات العيد تقاليد خاصة في أربيل وإقليم كوردستان عموماً، تبدأ بزيارة الأهل من ناحية الأب في اليوم الأول، وزيارة الأهل من ناحية الأم في اليوم الثاني، ولقاء الأقارب وباقي المعارف والأصدقاء في ثالث الأيام، وهذه عادة شابت عليها أم آزاد ولا تزال قائمة حتى اليوم.
وتقول السيدة الأربيلية عن اليوم: "طعم العيد يختلف لديّ عما سبق، وفرحتي تكمن في جلوسي هنا واستقبال أولادي وأحفادي ورؤيتهم فرحين ومجتمعين من حولي".
على اختلاف الزمان والمكان والأعمار والأجيال، يختلف معنى المانسبة في مخيلة الأشخاص، وتبقى "العيدية" الميّزة المشتركة لدى الجميع، كمظهر من مظاهر العيد، خصوصاً لدى الأطفال.
"بريار أحمد" طفل يبلغ من العمر 13 عاماً، له نظرة مماثلة لنظرة أقرانه من أبناء جيله حول العيد، تتمحور حول "العيدية" والتمتع بثلاثة أيام مفتوحة دون قيود يقضيها في التنزّه والتجوال واللقاءات. قال بريار: "أحلى شيء بالعيد هو الحصول على نقود كثيرة، والخروج للتنزّه والتمتع لأوقات طويلة".
انتعاش السياحة
ووفي الجانب العملي، يعدّ انتعاش السياحة مظهراً آخر من مظاهر العيد في إقليم كوردستان، حيث يستقبل الإقليم بمحافظاته أربيل، السليمانية، دهوك، وحلبجة مئات آلاف السائحين المقبلين من الداخل والخارج، سنوياً، بهذه المناسبة.
وأشارت مصادر رسمية حكومية إلى أن أكثر من 200 ألف سائح من وسط وجنوب العراق، جاءوا إلى إقليم كوردستان خلال عطلة عيد الفطر في العام الماضي. وبهذا الشأن، قال المتحدث باسم هيئة سياحة إقليم كوردستان إبراهيم عبد المجيد إن "أكثر من 200 ألف سائح زاروا إقليم كوردستان خلال الفترة من 8 إلى 13 نيسان 2024، في عطلة عيد الفطر"، لافتاً إلى أن "معظم السياح هم من وسط وجنوب العراق وإيران وتركيا ودول أخرى، وأن عدداً كبيراً من المقيمين في الإقليم، الذين يصل عددهم إلى نحو 150 ألف شخص، زاروا المنتجعات والمناطق السياحية المختلفة خلال أيام العيد".
وقد ارتفع العدد إلى 358 ألفاً و331 سائحاً، خلال عطلة عيد الأضحى بنفس العام، وفقاً للمتحدث باسم هيئة السياحة بالإقليم.
ويوجد 1075 موقعاً سياحياً في عموم إقليم كوردستان، منها 625 فندقاً و370 موتيلًا و80 قرية سياحية، فضلاً عن نحو 800 مطعم ومقهى، علماً أن نحو 1.7 مليون سائح زاروا إقليم كوردستان خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري 2024، بحسب إحصائية رسمية حكومية.
وقال رئيس جمعية المطاعم والفنادق في أربيل، شكر عزيز، في تصريح صحفي، إن هناك 445 فندقاً وموتيلاً، و47 قرية سياحية، ومئات المخيمات السياحية في مدينة أربيل. فيما تشير بيانات تابعة لجمعية المطاعم والفنادق إلى وجود 375 فندقاً وموتيلاً سياحياً في محافظة السليمانية، و210 أخرى في دهوك، و4 فنادق في مناطق حلبجة. وتبقى جميع تلك المرافق مفتوحة بشكل متواصل خلال أيام العيد.
ومن المنتظر أن تستقبل مدن الإقليم العدد المذكور من السائحين هذا العام أيضا، إن لم يزد عن ذلك.
إجراءات رسمية
وأكد محافظ أربيل، أوميد خوشناو، أن المحافظة باشرت قبل أيام من العيد بالتحضيرات واتخاذ الإجراءات لتنفيذ خطط خاصة باستقبال عيد الفطر.
وقال خوشناو لمنصة الجبال: "وضعنا جميع الخطط والبرامج، الخاصة في المجالات الأمنية والإدارية والسياحية والدينية".
يرافق ذلك توجيهات خاصة صدرتها الجهات الأمنية إلى المفارز ونقاط التفتيش بخصوص استقبال المقبلين من خارج حدود الإقليم، تضمن سلاسة حركة المرور وسلامة المارّة.
وصرح المتحدث باسم دائرة مرور أربيل، هيمن حمد أمين، للجبال بأنه "سيتم حظر مرور الشاحنات والدراجات النارية في الأماكن والطرق المؤدية إلى المصايف والمنتجعات والمواقع السياحية، خاصة على طريق أربيل - شقلاوة، من الساعة 7:00 صباحاً وحتى الساعة 12:00 ليلاً، وعلى مجار ثلاثة أيام"، محذراً سائقي الشاحنات والدراجات من أنه "لن يسمح لهم بالمرور من نقاط التفتيش، وستتم إعادتهم، لذا يفضل عدم استخدامهم للطرق السياحية".