من الفنادق إلى "سوق الاستغلال".. العمالة الأجنبية في العراق بين الإغراء والتهريب

10 قراءة دقيقة
من الفنادق إلى "سوق الاستغلال".. العمالة الأجنبية في العراق بين الإغراء والتهريب تزايدت محاولات تهريب العمّال بطرق غير قانونية إلى العراق (الجبال)

آليات "سماسرة التهريب" وذريعة التوظيف

في ظل ارتفاع نسب الفقر والبطالة في بعض البلدان، يجد آلاف الشباب خصوصاً النساء منهم أنفسهم فريسة لسماسرة التهريب، والتي تقوم بإغرائهم بعروض فرص عمل "وهمية" في بلدان أخرى وتهريبهم إليها، ومنها العراق، الذي بات مشهد العمالة الأجنبية فيه مألوفاً في أغلب المطاعم والمحال التجارية وحتى داخل المنازل بعنوان "مربية أطفال" أو "عاملة خدمة منزل"، ليتم ضبطهم في نهاية المطاف من قبل السلطات الأمنية بتهمة الدخول غير الشرعي إلى البلاد والعمل فيها دون تراخيص عمل رسمية، ومن ثم ترحيلهم إلى بلدانهم، فيما يشير متخصصون وباحثون إلى أن هؤلاء العمّال تم استدراجهم من مطارات بلدانهم بوعود زائفة قبل أن يجدوا أنفسهم في دوامة الاستغلال داخل العراق.

 

ومع تنامي هذه الظاهرة، بدأت السلطات في عدة دول باتخاذ إجراءات لملاحقة المهرّبين وإحباط عمليات التهريب، في محاولة للحد من استغلال الفئات الأكثر ضعفاً، وتحجيم تجارة البشر التي تتخذ من الحاجة مدخلاً لتحقيق مكاسب غير مشروعة.

 

وقبل أسابيع قليلة، أحبطت السلطات النيجيرية محاولة جديدة لتهريب سبع فتيات من العاصمة أبوجا إلى بغداد، في قضية يشتبه بارتباطها بتجارة البشر، وفقاً لموقع "ذا نيشن" النيجيري.

 

وبحسب تقرير للموقع ذاته، فإن "عناصر الوكالة الوطنية النيجيرية لحظر الاتجار بالبشر نجحوا في إنقاذ الضحايا قبل تهريبهن، حيث تم العثور عليهن في أحد الفنادق بالقرب من مطار ننامدي أزيكيوي الدولي في أبوجا".

 

كما أعلنت الوكالة بعد أيام، إحباط محاولة أخرى لتهريب 13 فتاة نيجيرية تتراوح أعمارهن بين 19 و39 عاماً، حيث تعرضن لخداع من جهات غير شرعية تعمل تحت غطاء استقدام الأيدي العاملة، في حين يشتبه في أن هذه الجهات تعمل لصالح "عصابات إجرامية" تنشط في التوظيف غير القانوني بين نيجيريا ودول الشرق الأوسط.

 

إجراءات استقدام العمالة الأجنبية

مع ازدياد الحديث عن هذه الظاهرة، قدّم المتحدث الرسمي باسم وزارة العمل العراقية، حسن خوام، شرحاً مفصلاً عن آلية استقدام العمالة الأجنبية إلى العراق، قائلاً إنها "تخضع لإجراءات قانونية محددة، تبدأ بتقديم طلب عبر (منصة مهن) الإلكترونية الخاصة بالأجانب، ثم دفع الرسوم المقررة، وبعد ذلك تقوم دائرة العمل المهني بإرسال كتاب رسمي إلى دائرة الإقامة في وزارة الداخلية للحصول على إذن دخول لمدة شهرين، يتم خلالها استكمال معاملة الدخول وإصدار بطاقة إجازة العمل".

 

وفي حديث لمنصّة "الجبال"، أضاف خوام، أن "أصحاب العمل الراغبين في استقدام مجموعات من العمالة الأجنبية للعمل في القطاع الخاص، ملزمون بتحقيق نسبة تشغيل لا تقل عن 50% من العمالة العراقية مقابل كل عامل أجنبي، مع تسجيل جميع العاملين في الضمان الاجتماعي وفق القوانين النافذة".

 

وفيما يتعلق بتهريب العمالة الأجنبية إلى العراق، أشار خوام، إلى أن "وزارة الداخلية هي الجهة المختصة بمكافحة هذه الظاهرة واتخاذ الإجراءات القانونية بحق الجهات المتورطة"، مؤكداً أن "وزارة العمل غير معنية بملاحقة شبكات التهريب".

 

وعن أعداد العمالة الأجنبية الموجودة في العراق، بيّن خوام، أن "عدد العمّال الأجانب المسجلين رسمياً في العراق يتجاوز 42,000 عامل، وجميعهم خضعوا للإجراءات القانونية المطلوبة"، مؤكداً أن "المستثمرين الذين يستقدمون العمالة الأجنبية مطالبون بالامتثال لقانون العمل رقم 37 لسنة 2015، والذي يلزمهم بتسجيل عامل عراقي مقابل كل عامل أجنبي في دائرة التقاعد والضمان الاجتماعي".

 

وفي سياق متصل، كشفت رئيسة لجنة شؤون النيجيريين في الخارج أبيكي دابيري-إريوا، في 22 كانون الثاني 2025، أن "أكثر من 5 آلاف امرأة نيجيرية عالقات في العراق، بعدما تم استقدامهن للعمل كمقدمات رعاية"، مشيرة إلى أن "العديد منهن يواجهن ظروفاً قاسية مع تسجيل حالة وفاة غامضة لإحدى العاملات النيجيريات في العراق، والتي يجري التحقيق في ملابساتها".

 

حملات أمنية مكثفة 

ويتربع العمال "البنغلاديشيون والنيجيريون"، على رأس قائمة العمالة الأجنبية في العراق خلال السنوات القليلة الماضية، حيث يقدر عددهم بعشرات الآلاف.

 

وفي هذا الصدد، يقول مصدر في مديرية الإقامة بوزارة الداخلية العراقية، إن "القوات الأمنية نفذت حملات مكثفة خلال الشهرين الماضيين لملاحقة العمالة الأجنبية غير الحاصلة على إقامة رسمية في العراق"، مؤكداً أن "هذه الحملات استهدفت جميع الجنسيات دون استثناء".

 

ويشير المصدر، خلال معلومات أدلى بها لمنصّة "الجبال"، إلى أن "الإجراءات الأمنية أسفرت عن ترحيل العشرات من الأجانب المخالفين عبر مطار بغداد الدولي خلال الفترة القليلة الماضية، في إطار الجهود الحكومية الرامية إلى تنظيم سوق العمل والحد من تدفق العمالة غير القانونية".

 

وأضاف المصدر، أن "القوات الأمنية أغلقت عدداً من مكاتب تشغيل العمالة الأجنبية المخالفة لشروط استقدام العمال، كما وجّهت إنذارات رسمية لعدد آخر من المكاتب التي لم تلتزم بالضوابط القانونية"، لافتاً إلى أن "جميع الشركات المتخصصة بهذا المجال تخضع لرقابة دورية عبر لجان أمنية تزور مقراتهم بشكل مستمر وتطلع على كافة الأوراق الخاصة بالعمالة الموجودين عندهم".

 

وعن قضية التقارير التي تحدثت عن عمليات تهريب عمالة من نيجيريا إلى العراق، يؤكد المصدر، أن "وزارة الداخلية تمتلك معلومات حول عمليات تهريب العمالة الأجنبية إلى داخل العراق بطرق غير مشروعة"، مبيناً أن "بعض هذه الحالات قد تندرج ضمن قضايا الاتجار بالبشر، إلا أن التحقيقات الجارية لم تكشف حتى الآن عن وجود شبكات منظمة تعمل في هذا المجال".

 

4 مليارات دولار تحوّل سنوياً للخارج

ووفقاً لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية، فإن هناك مليون عامل أجنبي في البلاد، إلا أن المسجلين رسمياً لديها لا يتجاوزون 71 ألف عامل.

 

وبهذا الشأن، يتحدث رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، فاضل الغراوي، بالقول إن "العمالة الأجنبية المسجلة في العراق تقوم بتحويل 600 مليون دولار سنوياً إلى خارج البلاد، في حين أن العمالة الأجنبية غير المسجلة تحوّل ما يقارب 4 مليارات و200 مليون دولار سنوياً".

 

ووفقاً لحديث الغراوي لمنصة "الجبال"، فإن "دخول العمال الأجانب إلى العراق يتم غالباً بطرق غير قانونية، إما عبر التهريب أو من خلال عصابات الاتجار بالبشر، أو عبر تأشيرات سياحية أو تحت غطاء إجازات الاستثمار بصفة خبراء"، مشيراً إلى أن "معظمهم غير مهرة وينحدرون من دول مثل بنغلاديش، وباكستان، والهند، وسوريا، وبعض البلدان الإفريقية".

 

كما طالب الغراوي، الحكومة والبرلمان، بـ"تعديل قانون العمل وتشديد العقوبات على الشركات والمؤسسات التي تستقطب عمالة أجنبية غير مرخصة"، مؤكداً "ضرورة أن تطلق وزارة العمل ووزارة الداخلية حملة مستمرة لإبعاد العمال غير المرخصين أو الذين لا يحملون سمة دخول رسمية أو الذين انتهت صلاحية تأشيراتهم لأي سبب كان".

 

وزير العمل العراقي، أحمد الأسدي، هو أيضاً علق على هذا الملف قائلاً إن "ملف العمالة الأجنبية يمثل إحدى القضايا المهمة التي تتطلب حلولًا جذرية"، مؤكداً أن "الحكومة ليس لديها إحصائيات دقيقة بشأن أعدادهم في العراق".

 

وأضاف الأسدي في تصريحات صحفية، أن "قانون العمل العراقية ينص على (يجب أن يقابل كل عامل أجنبي عامل عراقي)، مبيناً أن "المسجلين ضمن الضمان الاجتماعي من العمال الأجانب يبلغون 43 ألفاً فقط".

  

العراق بحاجة إلى تشريع جديد

ومن الزاوية القانونية، يقول الخبير القانوني علي التميمي، خلال حديثه لمنصّة "الجبال"، إن "العراق يفتقر إلى قانون خاص ينظم العمالة الأجنبية"، موضحاً أن "القوانين المعمول بها حالياً هي قانون العمل رقم 37 لسنة 2015 وقانون إقامة الأجانب رقم 76 لسنة 2017، حيث تشترط هذه القوانين حصول العامل الأجنبي على إجازة عمل، وجواز سفر، وسمة دخول، واستيفاء شروط أمنية أخرى".

 

ويضيف الخبير القانوني، أن "المخالفين يواجهون غرامة لا تتجاوز 500 دولار قبل ترحيلهم، وفق قرارات محكمة التحقيق"، مبيناً أن "عدد العمال الأجانب في العراق يُقدر بمليون عامل تقريباً".

 

ووفقاً لحديث التميمي، فإن "وجود العمالة الأجنبية في العراق بهذا العدد الكبير دون خطط واضحة يشبه ظاهرة الاستيراد العشوائي للسيارات، وهو ما يؤثر على الاقتصاد، والبطالة، وخروج العملة الأجنبية، والأمن الجنائي"، داعياً إلى "ضرورة تشريع قانون خاص ينظم وجود العمالة الأجنبية، ويفصل الجوانب المتعلقة بهم، من حيث الإقامة، وأطر العمل، وآليات الترحيل".

 

ويشير التميمي، إلى أن "عدداً كبيراً من العمّال الأجانب يعملون في العراق دون إقامة رسمية، مما يجعل القضاء العراقي أمام خيار وحيد وهو ترحيلهم"، مؤكداً في الوقت نفسه "الحاجة إلى خطط رقابية محكمة تحدد الطلب على العمالة الأجنبية وتجعلها بديلة فقط للعامل العراقي عند الحاجة".

 

العمالة الأجنبية والاقتصاد العراقي

وعلى الجانب الاقتصادي، يحذر الخبير الاقتصادي دريد العنزي، خلال حديثه لمنصّة "الجبال"، من التأثيرات السلبية للعمالة الأجنبية على الاقتصاد العراقي، مشيراً إلى أن "وجودها في البلاد يؤدي إلى تفاقم البطالة بين الشباب العراقيين ويؤثر على معيشة العائلات العراقية، حيث تحل هذه العمالة محل الأيدي العاملة المحلية في مختلف القطاعات، لا سيما في الأعمال الخدمية".

 

ويقول العنزي، إن "العراق لا يمتلك قاعدة صناعية قوية تستدعي استقدام العمالة الفنية المتخصصة، بل أن معظم العمالة الوافدة تعمل في قطاع الخدمات، وهو ما يزيد من المنافسة غير العادلة مع العمال العراقيين الباحثين عن فرص عمل"، مضيفاً أن "بعض العمال الأجانب يدخلون البلاد عبر تأشيرات استثمارية، في ظل عدم وجود رقابة صارمة على آليات التوظيف وتحديد نسبة العمالة الأجنبية المسموح بها".

 

تدفق العمالة الأجنبية أسهم في انتعاش اقتصادات دولها الأصلية، حيث يتم تحويل جزء كبير من أرباحها إلى الخارج، والكلام للعنزي، الذي أكد أن "الاقتصاد العراقي يعاني من تراجع مستمر، خاصة بعد أزمة الدولار، كما أن استمرار هذه الظاهرة دون تدخل حكومي فعال من قبل الجهات المعنية، مثل وزارة الداخلية ووزارة الخارجية ومجلس الوزراء، قد يؤدي إلى مزيد من التدهور الاقتصادي وزيادة معدلات البطالة بين الشباب العراقي".

 

 

رامي الصالحي صحفي

نُشرت في الخميس 27 مارس 2025 11:25 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.