لم تصل حملات تسجيل الأسلحة إلى المستوى المطلوب وفق العديد من المراقبين، إذ ما تزال "فوضى" السلاح غير مسيطر عليها في مدن وأقضية ونواح عراقية كثيرة، بالرغم من فتح استمارات التقديم لمنح إجازات حمل السلاح.
وانتشرت الأسلحة غير المرخصة بين العراقيين بشكل كبير في أعقاب الغزو الأميركي للبلاد وانهيار نظام صدام حسين عام 2003 وقرار الحاكم الأميركي على العراق بول بريمر، بإلغاء تشكيلات القوات الأمنية، ليستولي الكثير من العراقيين على مخازن ومشاجب السلاح.
وتكررت المطالبات على مدى الحكومات العراقية المتعاقبة بعد عام 2003، بحصر السلاح بيد الدولة، إلا ان تلك المطالبات لم تجنِ ثمارها، بالمقابل قرر مجلس الوزراء في الثالث من كانون الثاني 2024، تخصيص مبلغ 15 مليار دينار (نحو 11.5 مليون دولار) لشراء السلاح من المواطنين، بواقع مليار دينار لكل محافظة وعددها 15 محافظة باستثناء محافظات إقليم كردستان.
وخُصِّص المبلغ من احتياطي الطوارئ، استناداً إلى أحكام قانون الموازنة العامة للسنوات المالية الثلاث من 2023 لغاية 2025، تنفيذاً للبرنامج الحكومي لتنظيم الأسلحة وحصرها بيد الدولة، حسب بيان صدر عن مجلس الوزراء.
كذلك، شكّلت الحكومة العراقية، 14 لجنة متخصصة بحصر السلاح، تضم في عضوياتها ممثلي وزارات الداخلية والعدل والخارجية وجهاز مكافحة الإرهاب والأمن الوطني والمخابرات والوقفين الشيعي والسني وممثلية بعثة الأمم المتحدة في العراق، وانبثقت منها لجان فنية ومالية مهمتها تحديد أسعار شراء السلاح المتوسط والثقيل من المواطنين.
ولم يغلق ملف "السلاح المنفلت" على مدى السنوات السابقة، لكنه يمر بفترة هدوء بين الحين والآخر ومن ثم يعود بقوة. ومؤخراً ارتفعت الأصوات المطالبة بحصر السلاح بيد الدولة، بعد حادثة هزّت العاصمة بغداد، تمثلت بمقتل الصحفي "ليث محمد رضا" في منتصف الشهر الجاري، أمام منزله بمنطقة العرصات بإطلاقات نارية.
ولا توجد إحصاءات رسمية بأعداد الأسلحة المنتشرة خارج إطار الدولة، لكن تقديرات أمنية تشير إلى أنها تتراوح بين 7 – 10 ملايين قطعة سلاح.
وزارة الداخلية وضعت ثلاثة خيارات أمام مالكي السلاح، تتمثل بتسجيل السلاح الخفيف، وبيع المتوسط إلى الدولة، وتسليم الثقيل، فيما توعدت من يضبط بحوزته سلاح غير مسجل بـ"عقوبات قاسية قد تصل إلى الإعدام".
وتشمل الأسلحة الخفيفة المسدسات بأنواعها وكذلك البنادق من نوع كلاشنكوف وما يوازيها، في حين تشمل الأسلحة المتوسطة الرشاشات من أنواع "بي كيه سي"، و"آر بي كيه" وما هو في حجمها والقنابل اليدوية، وتشمل الثقيلة مدافع الهاون والقاذفات من نوع "آر بي جي" والتي تطلق عادة عن بعد لمسافات محدودة.
عقوبات بـ"الإعدام" للمخالفين
وحدد مساعد وكيل وزارة الداخلية لشؤون الشرطة لتنظيم الأسلحة، وسكرتير اللجنة الوطنية الدائمة لحصر السلاح بيد الدولة، اللواء منصور علي سلطان، 31 كانون الأول من العام الجاري موعداً لتسجيل الأسلحة.
ويقول اللواء سلطان في حديث لمنصّة "الجبال"، إن "الفكرة الأساسية لإجازات حمل السلاح هي ترخيص حمل الأسلحة غير المسجلة وغير معروفة البيانات"، مبيناً أن "وزارة الداخلية تمضي بعملية الترخيص وفقا لقانون 51 لسنة 2017 وبتخويل من قبل وزير الداخلية".
وأضاف، أن "حملة ترخيص الأسلحة انطلقت بالتعاون مع الأمانة العامة لمجلس الوزراء وذلك عن طريق التسجيل عبر بوابة (أور) لتسجيل الأسلحة داخل الدور السكنية وليس حملها".
وأشار اللواء سلطان إلى، أن "السلاح سواء كان مرخصاً أو غير مرخص فلا يمكن السماح له بارتكاب الجريمة، أو استخدامه بصفة غير مشروعة"، مؤكداً أن "استخدام السلاح المرخص في الجرائم، مرفوض وسنحاسب الجناة ونقدمهم إلى القضاء".
ولفت الى، أن "عملية ترخيص الأسلحة تسهّل على الأجهزة الأمنية اعتقال من يخرق القانون ومحاسبتهم"، مشيراً إلى أن "أكثر من 35 ألف سلاح تم تسجيله في عموم العراق، وبتصدر محافظات كركوك والأنبار وبابل في عملية التسجيل".
وبحسب سكرتير اللجنة الوطنية الدائمة لحصر السلاح بيد الدولة، فإن "حملة تسجيل الأسلحة تنتهي في 31 كانون الأول من العام 2025"، متوعداً "من يتخلف عن ذلك بإجراءات قانونية قاسية، تبدأ من الغرامة وتنتهي بالإعدام".
وفي العام الماضي، أكد المرجع الشيعي الأعلى في العراق، علي السيستاني، على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة العراقية، وتحكيم سلطة القانون، ومنع كل صور التدخلات الخارجية، تلك الدعوة لاقت اصداء واسعة ودعوات مؤيدية لكن الدعوات لم تكم ملموسة على ارض الواقع.
معايير الترخيص غير دقيقة
بدوره، حذّر عضو مجلس النواب العراقي مختار الموسوي من خطورة توسّع منح تراخيص حمل السلاح، فيما أشار إلى أن العراق شهد ارتفاعاً غير مسبوق في عدد التراخيص.
ويقول الموسوي في حديث لمنصّة "الجبال"، إن "عمليات منح التراخيص باتت تفتقر إلى الرقابة الحقيقية، حيث أصبح بالإمكان الحصول على الترخيص بمجرد تقديم بعض الأوراق إلى وزارة الداخلية، مما دفع إلى انتشار السلاح بشكل مفرط بين المواطنين".
وأضاف عضو مجلس النواب، أن "المعايير المتبعة في منح تراخيص حمل السلاح غير دقيقة"، مشيراً إلى، أن "العديد ممن حصلوا على التراخيص قد لا يستحقونها، إذ قد يكون بينهم مرضى نفسيون أو أشخاص غير مؤهلين، ما يزيد من مخاطر وقوع الجرائم وانتشار العنف".
من جهته، انتقد الخبير الأمني والعسكري سرمد البياتي ما وصفه بـ"الظاهرة الدخيلة" أسست لانتشار السلاح المنفلت في العراق.
ويقول البياتي في حديث لمنصة "الجبال"، إن "الإجراءات الأمنية تشددت خلال الآونة الأخيرة بشأن حصر السلاح بيد الدولة وتسجيل الأسلحة غير المرخصة، لكن الإقبال على التسجيل ما يزال بالمستوى غير المطلوب".
وأضاف، أن "المشكلة لا تكمن بتسجيل الأسلحة العادية بالرغم من خطورتها، لكن هناك أسلحة منفلتة ثقيلة في الأقضية والنواحي"، مشدداً على "تكثيف الإجراءات لحصر تلك الاسلحة".
وأشار البياتي الى، أن "أي سلاح خارج المنظومة الأمنية هو سلاح خارج عن الدولة ويجب أن يصادر"، لافتاً إلى أن "قانون حيازة الأسلحة غير رادع".
وينص قانون 51 لسنة 2017 الذي ينظم حيازة وتجارة الأسلحة، على عقوبات مشددة على كل من هرّب أو صنع أو تاجر بالأسلحة أو عتادها من دون إجازة، حيث تصل إلى السجن المؤبد والإعدام، أما حمل السلاح وحيازته دون إجازة فالعقاب هو الحبس سنة وغرامة لا تزيد عن مليون دينار.
عمليات التفتيش "صورية"
وأوضح الخبير الأمني، أن "بيوت العراقيين ممتلئ بالسلاح، وعندما يتم إصدار إجازة حمل سلاح من قبل وزارة الداخلية فإن تلك الإجازات ستمنح للأسلحة الصغيرة"، متسائلاً "ماذا عن القاذفات والأحاديات وكيف سيتم التعامل معها؟".
ورأى البياتي، أن "أغلب عمليات التفتيش عن الأسلحة هي صورية، وإلا فمن أين تأتي كل تلك الأسلحة"، منتقداً "ظاهرة دخيلة" إذ قال: "حتى المسؤولين عندما يريدون إهداء هدية، يقومون بإهداء قعطعة سلاح".
ومن أبرز مشكلات العراق الأمنية هي النزاعات العشائرية المسلّحة في مدن وسط وجنوب العراق ، والتي تشتعل من وقت متمثلة بمواجهات مسلحة توقع قتلى وجرحى بين العشائر المتقاتلة وفي صفوف مواطنين آخرين، دون أن تتمكن الأجهزة الأمنية من فضّ النزاعات العشائرية دون وقوع ضحايا.
ويعد العراق من بين أكثر 25 دولة حيازة للسلاح، كما تشير دراسة أعدها "آرون كارب" المحاضر في جامعة دومينيون الأمريكية، والتي نُشرت عام 2018، وهو ما بدى واضحاً في العام 2022، عندما شهدت المنطقة الخضراء أعمال عنف وصراع مسلح بين سرايا السلام التابع للتيار الصدري وفصائل أخرى موالية لأحزاب الإطار التنسيقي المناوئ له على إثر انسداد سياسي طويل.