أثار المشهد الدموي الذي حصل في الساحل السوري، مخاوف من ردود فعل قد تصدر من جهات عراقية سواء على صعيد تصريحات مناهضة لتعامل الإدارة السورية الجديدة مع العلويين في سوريا، أو "الزجّ بقوات عسكرية"، وسط مخاوف من خلق أجواء "متأزمة" في المنطقة تنعكس سلباً على الوضع الأمني في العراق.
تجاور سوريا والعراق، ووجود مرقد السيدة زينب في دمشق الذي يحظى بقدسية كبيرة لدى العراقيين الشيعة ولا سيما المنضوين تحت راية "الفصائل المسلّحة"، قد يعتبر "مركز القلق" بحسب مراقبين وباحثين في الشأن السياسي والإقليمي، إذ تتضارب الترجيحات بشأن ذهاب قوات من العراق للدفاع عن مرقد السيدة زينب، الخطوة التي تصطدم بمخاوف "اندلاع اقتتال" بين سوريا والعراق.
وبدأ التوتر في سوريا منذ مطلع الأسبوع الأول من شهر آذار الجاري، بقرية ذات غالبية علوية في ريف اللاذقية على خلفية توقيف قوات الأمن لمطلوب، ليتحول الأمر إلى اشتباكات عنيفة أدت إلى سقوط قتلى وجرحى بأعداد كبيرة.
ومع تطور الأحداث في الساحل السوري والذي شهد مجازر بحق الطائفة العلوية القريبة من رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد، تصاعد التوتر في العراق، حتى وصل الأمر بأن تصدر وزارة الخارجية العراقية بياناً تصف فيه ما جرى في الساحل السوري، بأنه "نزاع بين طرفي صراع في سوريا".
وأكد بيان الخارجية العراقية، خلال تصاعد التوترات، أن "موقف العراق ثابت ويدعو إلى ضرورة حماية المدنيين وتجنيبهم ويلات النزاع"، ودعا البيان إلى "أهمية ضبط النفس من جميع الأطراف، وتغليب لغة الحوار واعتماد الحلول السلمية بدلاً من التصعيد العسكري".
أحداث دمشق انعكست على بغداد
انعكست تلك الأحداث التي عصفت بالساحل السوري بشكل واضح على العراق، إذ شهدت البلاد حملات استهداف للاجئين سوريين على يد مجموعات مسلّحة، إضافة إلى اعتقال بعضهم، ما يعكس أجواء متوترة تهدد استقرار تواجدهم في العراق.
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو بينت تعرّض عمّال من الجنسية السورية يقيمون في العراق، لاعتداءات على يد مجموعات تطلق على نفسها اسم "تشكيلات يا علي الشعبية".
في هذه الأثناء، وجّه رئيس مجلس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني بملاحقة عناصر فصيل مسلح، ظهروا بمقطع فيديو مصور اعتدوا فيه على عمّال سوريين، بحجة دعمهم للأمن السوري في الإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع.
وتزامناً مع تصاعد الأحداث الأمنية، وصل وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، يوم الجمعة الماضي، إلى العاصمة بغداد في زيارة لاقت انتقادات كثيرة ي الساحة العراقية.
الشيباني، قال في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره العراقي فؤاد حسين، في بغداد، إن "سوريا جادة في تعزيز الروابط مع بغداد"، مشيراً إلى أن "زيارته للعراق تأتي ضمن الجهود لتأكيد وحدة الصف بين البلدين".
وأضاف الوزير السوري، أن "مصير العراق وسوريا مشترك، والبلدان يجب أن يقفا ضد التهديدات وضد التدخلات الخارجية التي يتعرضان لها، كما أننا مستعدون للتعاون مع العراق في محاربة داعش، فأمن سوريا من أمن العراق".
تطبيق نموذج سوريا بالعراق
وتعليقاً على ما يجري في سوريا ومدى إمكانية تأثر العراق بتلك الأحداث، رأى عضو مجلس النواب السابق، عضو تحالف الفتح، محمد الشبكي، أن "هناك أياد دولية تحاول تقسيم سوريا وتطبيق ذلك النموذج في العراق".
وقال الشبكي في حديث لمنصّة "الجبال"، إن "ما يحدث في سوريا من مجازر وأحداث قد يكون بعيد التأثير على العراق"، مبيناً أن "هناك أياد دولية تسعى وتحاول تقسيم سوريا وتطبيق ذلك النموذج في الأراضي العراقية".
واستبعد عضو التحالف الذي يتزعمه هادي العامري، وجود تأثيرات أمنية على العراق، وإنما "ستكون هناك تداعيات أمنية واجتماعية قد تذهب نحو الفدرالية ونموذج الأقاليم".
وحذّر الشبكي من "تطبيق النموذج السوري في العراق"، مشيراً إلى أن "الموارد الطبيعية التي يضمها العراق قد تكون لعنة يتحمل البلد تبعاتها".
وأشار عضو البرلمان السابق إلى أن "العراق يتأثر بأزمة كل 10 سنوات، لكن العدو واحد، وهذا ما جرى بعد سقوط نظام صدام حسين، إذ بدأ الإرهاب بتنظيم القاعدة ثم أعقبته عصابات داعش، والآن على أعقاب نموذج فيدرالي".
وفيما يخص زيارة وزير الخارجية السوري إلى العراق، انتقد الشبكي الزيارة قائلاً: "كان يفترض بالحكومة العراقية التريّث في استقبال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، لا سيما بعد المجازر الكبيرة التي حدثت في الساحل السوري".
ورأى الشبكي، أن "الشيباني كان يجب عليه المجيء برسالة اعتذار إلى العراقيين؛ نتيجة ما فعله الإرهاب في العراق خلال أيام إرهاب القاعدة ودعمهم لتلك المجاميع".
ولفت البرلماني السابق إلى أن "وزير خارجية سوريا لم يستطع تضميد جراحات العراقيين بل طلب من العراق قطع علاقاته بالدول"، مشيراً إلى أن "الزيارة كانت غير موفقة، والحكومة لم تكن موفقة في توقيتها".
وعلى الرغم من انتقاده لزيارة الشيباني إلى بغداد، إلا أن الشبكي دعا إلى "استثمارها"، و"دعوة الشرع إلى القمة العربية؛ ليكون هناك مساراً دبلوماسيا واضحاً ومتفق عليه، لحفظ المقدسات في سوريا".
وتابع بالقول، إن "مقدسات الشيعة في سوريا يجب أن تكون محمية، وأن لا يضطر العراقيون إلى الذهاب لدمشق للدفاع عن مقام السيدة زينب"، مشيراً إلى أن "مسألة ذهاب الفصائل العراقية الى سوريا في الوقت الحالي ما تزال غير واردة".
عقوبات وهجمات قد تطال العراق
من جانبه، يحذر المستشار العسكري السابق اللواء المتقاعد صفاء الأعسم، من "عقوبات وهجمات أميركية - إسرائيلية على العراق في حال مشاركة الفصائل العراقية بالدفاع عن مرقد السيدة زينب من دون موافقات رسمية".
وذكر الأعسم في حديث لمنصّة "الجبال"، أن "سوريا دولة جارة للعراق وما يحدث فيها يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على البلد، لذلك استنفرت القوات الامنية لتحكيم الحدود بشكل آمن".
وأضاف، أن "المؤسسة العراقية العسكرية في حالة تأهب قصوى، في جميع مفاصلها المتمثلة بالتجهيزات والغذاء والحركة والتنقل".
تحذير من اقتتال.. والفصائل "تتحجج" بـ"السيدة"
وفيما يخص ما يجري حول مرقد السيدة زينب، أوضح الخبير العسكري، أن "الفصائل العراقية لا تستطيع الذهاب دون موافقة السوريين، وعلى أن تكون عملية الدفاع من دون سلاح؛ لكي لا يحدث اقتتال داخلي".
"لا توجد موافقة حكومية لغاية الآن تسمح بإشراك الفصائل المسلحة في الدفاع عن مرقد السيدة زينب"، يقول الأعسم الذي أشار إلى أنه "لو حدث ذلك فسيكون من دون موافقة الحكومة وقد يحمّل العراق مسؤوليات كبيرة تكبده عقوبات كبيرة وتعرض البلد للضربات الجوية الأميركية والإسرائيلية".
من جهته، يشخّص عقيل عباس، أستاذ الإعلام والباحث بالتحول الديمقراطي في الشرق الأوسط، "استغلالاً" للأحداث والمجازر التي تحصل بحق العلويين لإثارة النعرات الطائفية.
ويقول عباس في حديث لمنصّة "الجبال"، إن "سوريا لم تؤثر على العراق في حربها الأهلية السابقة، ومن المستبعد ان تؤثر في الوقت الحالي".
وأضاف، أن "الفصائل المسلّحة السورية لم تستهدف العراق"، مشيراً إلى أن "هناك استغلالاً للأحداث والمجازر التي تحصل بحق العلويين لإثارة النعرات وخلق فوضى من خلال محاولات تفجير مرقد السيدة زينب".
وأشار عباس إلى، أن "هناك جهوداً أميركية وسورية لحماية مرقد السيدة زينب، إلا أن فصائل عراقية مقربة من إيران تحاول استخدام مقر السيدة زينب في سوريا لتبرير ذهابها للدفاع عن الضريح".
ولفت أستاذ الإعلام الى أن "سوريا ترفض قدوم أي فصائل عراقية لحماية المرقد"، مشيراً إلى "وجود سياسة تجييش طائفي تجاه ما يجري من أحدث في سوريا وارتداداتها في العراق".
ويجد عباس، أن "الفصائل العراقية وإيران تحاولان تقويض الأوضاع في سوريا ومنع انتقال السلطة بشكل سلس إلى وضع دستوري رسمي".
دخول العراقيين سوريا "إعلان حرب"
بدوره، حذّر الباحث بالشأن السياسي علي البيدر من ذهاب "فصائل المقاومة العراقية" إلى سوريا، فيما اعتبر ذلك "إعلان حرب".
ويشير البيدر في حديث لمنصّة "الجبال" إلى، أن "ما يجري في سوريا قد يخلق أزمة في العراق، لكن تلك الأزمة لا ترقى لأن تصل إلى مرحلة الصراع".
ورجح، حدوث "ردود فعل سياسية وأمنية أو (بلبلة مسيطر عليها)، لكنها من المستبعد أن تسبب فجوة في المؤسسات الأمنية والمجتمعية"، مؤكداً أن "هناك تفاهماً سياسياً لفصل المشهد العراقي عن الواقع السياسي".
واستبعد البيدر، "ذهاب فصائل مسلحة من العراق إلى سوريا للدفاع عن مرقد السيدة زينب"، معتبراً "ذهاب الفصائل إلى سوريا بمثابة إعلان حرب على سوريا".
كذلك استبعد الباحث بالشأن الأمني، "تكرار سيناريو العام 2014 في العراق، إذ أن المقومات التي كانت في العام 2014 غير متوفرة الآن، لا سيما غياب البيئة الحاضنة للعصابات الإرهابية في الأراضي العراقية".
ولفت البيدر إلى أن "سوريا ذاهبة إلى الحكم الذاتي والتقسيم، إذ سيكون هناك إقليماً للدروز والعلويين في الجنوب الغربي، أما في الوسط والشمال سيسيطر العرب السنة، والكورد سيكونون مسيطرين على حكم شمال شرق سوريا".