اقتراب الصيف يضع الجميع أمام "أزمة حادة".. ما الذي ينقذ العراق من أزمة الكهرباء؟

10 قراءة دقيقة
اقتراب الصيف يضع الجميع أمام "أزمة حادة".. ما الذي ينقذ العراق من أزمة الكهرباء؟ تعبيرية

مع اقتراب فصل الصيف وارتفاع الحاجة الملحّة للطاقة، يواجه العراق أزمة معقدة في تأمين إمدادات الغاز الإيراني الضروري لتشغيل محطاته الكهربائية، وفي ظل الضغوط الأميركية برزت فكرة شراء الغاز بـ "التقسيط" كمقترح غير رسمي تسعى بغداد لاستكشافه.

 

ووسط تحديات سياسية واقتصادية قد تعرقل التوصل إلى اتفاق، وبينما تتأرجح المفاوضات في الكواليس، يبقى المواطن العراقي مهدداً بصيف ملتهب، حيث تتزايد المخاوف من انقطاعات طويلة في الكهرباء قد تزيد من معاناة الشارع وتفاقم الأوضاع المعيشية.

 

وفي مطلع الشهر الجاري، أكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أن "إدارة الرئيس دونالد ترامب ألغت إعفاء من العقوبات يسمح للعراق منذ عام 2018 بدفع ثمن الكهرباء لإيران".

 

ووفقاً للبيانات الدولية فإن العراق يحصل على نحو 50 مليون متر مكعب من الغاز يومياً من إيران بحسب احتياجاتها بموجب تمديد اتفاق مدته خمس سنوات وُقع في آذار 2024.

 

المختصون العراقيون، قالوا إن حكومة بغداد تدفع ما بين 4 إلى 5 مليارات دولار سنوياً إلى إيران مقابل استيراد الغاز، الذي يعتمد عليه العراق لتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية.

 

رؤية حكومية وخطوات لحل الأزمة

 

ويقول أحد مستشاري رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، خلال حديثه لمنصة "الجبال"، إن "استثناء العراق من العقوبات الأميركية بشأن استيراد الغاز من إيران لا يزال سارياً"، مشيراً إلى أن "الإعفاء الذي تم إلغاؤه يقتصر على استيراد الكهرباء فقط".

 

ورفض المستشار الكشف عن أسمه كونه غير مخوّل بالحديث الإعلامي، لكنه أشار إلى أن "خيار تقسيط مستحقات استيراد الطاقة لم يُطرح في المفاوضات، نظراً لأن أي دولة لا يمكنها الانتظار أربع سنوات لاستلام مستحقاتها عن بيع الغاز أو النفط أو غيرها من الموارد".

 

ويضيف المستشار الحكومي، أن العراق التزم على مدار السنوات الماضية بشروط الإعفاء، وسعت الحكومة إلى وضع استراتيجية طويلة الأمد لتحقيق استقلالية الطاقة، حيث بدأت بتنفيذ مشاريع تهدف إلى تقليل الاعتماد على الاستيراد وتعزيز الإنتاج المحلي".

 

ووفقاً لحديث المستشار فإن الحكومة ومنذ الحديث عن إلغاء الإعفاء الخاص بالكهرباء، كثفت اجتماعاتها ورسمت مسارات متعددة لتجاوز أي أزمة طاقة محتملة، من خلال التنسيق المشترك بين وزارتي الكهرباء والنفط، فضلاً عن جهات أخرى ذات صلة.

 

وتابع المستشار حديثه بقول إن "خطة الحكومة لفصل الصيف المقبل، تتضمن رفع جاهزية المحطات الكهربائية، وتوسيع الخطوط الناقلة، وإنشاء محطات تحويلية جديدة لزيادة مرونة الشبكة الكهربائية وتحسين ساعات التجهيز، كما تشمل الخطة معالجة مشكلات التوزيع عبر استحداث مغذيات ونصب محطات إضافية، إلى جانب الاستمرار في توقيع عقود استيراد الغاز من دول مثل تركمانستان وتركيا، لتعزيز استقرار المنظومة الكهربائية في البلاد".

 

في غضون ذلك، قالت صحيفة "وول ستريت جورنال"، الأميركية، إن "القرار يوضح كيف تتخلى إدارة ترامب الجديدة عن اتفاقيات السياسة الخارجية التي اتبعتها في السنوات السابقة، ما سبب، في بعض الأحيان، قلقَ حلفاء الولايات المتحدة وهي تسعى إلى تحقيق أهدافها الجيوسياسية".

 

واتفق وزير الكهرباء العراقي زياد علي فاضل، (الأحد 16 آذار 2025)، مع وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، في بغداد، على استكمال جميع الاستعدادات لرفع طاقة التجهيز عبر خط الربط العراقي - التركي إلى 600 ميغاواط، في المقابل أعلن الوزير التركي أن الأشهر المقبلة ستشهد مضاعفة الإمدادات عبر الخط المشترك.

 

يُذكر أن خط الربط الكهربائي المشترك (كسك - جزرة 400 ك.ف) بدأ التشغيل في تموز الماضي في العام 2024، ويزود العراق حالياً بـ 300 ميغاواط.

 

العراق في مواجهة "أزمة حادة"

 

وكشف المدير التنفيذي لشركة توانير إيران "الشركة العامة للكهرباء"، مصطفى رجبی مشهدى في تصريح لوكالة أنباء "إرنا" الإيرانية، وتابعته منصة "الجبال"، يوم الجمعة الماضي، عن استمرار بلاده بتصدير الكهرباء إلى العراق نظراً لوجود عقد بهذا الأمر وهناك مدة متبقية منه، مشيراً إلى مناقشة تسوية المطالبات المتعلقة بصادرات الكهرباء إلى العراق، حيث تم الاتفاق على سداد الديون المتأخرة عن الأشهر القليلة الماضية، وتم تحويل جزء منها خلال الشهر الماضي.

 

وفي هذا الصدد، يقول مدير مركز العراق للطاقة، فرات الموسوي، إن "العراق مقبل على أزمة طاقة خطيرة مع توقف استيراد الغاز الإيراني اعتباراً من الثامن من آذار الجاري بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على الاقتصاد الإيراني والتي أدت إلى إلغاء الإعفاءات الممنوحة للعراق لاستيراد الغاز والكهرباء من إيران".

 

وأضاف في حديث لمنصة "الجبال"، أن "إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وجهت رسائل مباشرة للحكومة العراقية بضرورة التوقف عن أي تعامل مالي مع إيران إلى جانب التأكيد على ضرورة تحقيق استقلالية العراق في قطاع الطاقة".

 

 وبحسب الموسوي، فإن الحكومة العراقية لم تطرح أي فكرة لشراء الغاز من إيران بأي شكل من الأشكال مما يجعلها مضطرة إلى البحث عن بدائل سريعة لتعويض النقص في إمدادات الغاز والكهرباء، في إشارة إلى إمكانية الشراء بالآجل (الأقساط).

 

منع استيراد الغاز الإيراني، والكلام للموسوي، يشكل تهديداً مباشراً لأمن الطاقة في البلاد ويضعف الأمن الوطني خاصة مع عدم اكتمال مشاريع استثمار ومعالجة الغاز المحلي لسد حاجة العراق من الكهرباء، مبيناً أن الحكومة تعمل على تنفيذ حلول استراتيجية عاجلة لمواجهة الأزمة ومن بينها إنشاء منصات عائمة لمعالجة الغاز السائل وربطها بمنظومة الكهرباء مع استكمال منظومة الأنابيب الناقلة للغاز من ميناء خور الزبير بطول 40 كيلومتراً إضافة إلى شراء محطات طاقة متنقلة تعمل بمشتقات النفط الخام والتي يمكن أن توفر ما بين خمسمائة إلى 800 ميغاواط لحين اكتمال مشاريع استثمار الغاز المحلي.

 

وتابع الموسوي قائلاً إن "هناك جهوداً حكومية لدعم استخدام منظومات الطاقة الشمسية حيث يجري العمل على تركيب أنظمة طاقة شمسية على الأبنية الحكومية والمشاريع التجارية في بغداد خلال فترة الصيف كما قامت وزارة النفط باستيراد كميات إضافية من زيت الغاز لتعويض نقص الغاز المستورد وضمان استمرارية إمدادات الكهرباء.

 

واختتم الموسوي، حديثه بالتأكيد على أن "العراق أمام اختبار صعب في تأمين احتياجاته من الطاقة خلال الأشهر المقبلة حيث تعتمد قدرة الحكومة على تجاوز الأزمة على سرعة تنفيذ هذه الحلول الاستراتيجية"، محذراً في الوقت نفسه من أن "التأخير في تطبيقها قد يؤدي إلى أزمة كهرباء خانقة خلال فصل الصيف".

 

بالمقابل، أوضح الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، في منشور على صفحته بـ "الفيسبوك"، تابعته منصة "الجبال"، أن "الإنتاج الحالي من الغاز الوطني لا يمكن أن يكون بديلاً للغاز الإيراني في الوقت الراهن، إذ يتطلب تحقيق ذلك سنوات عدة من التطوير والاستثمار"، مبيناً أن "مشاريع الطاقة الشمسية، التي من المتوقع أن تسهم في تعزيز الإنتاج الكهربائي، لن يتم إنجازها قبل أقل من ثلاث سنوات وفقاً لأفضل التقديرات".

 

ويرى المرسومي، أن "مشاريع الربط الكهربائي مع الدول المجاورة لن تسهم في تحسين وضع الكهرباء خلال هذا العام، حيث إن الربط مع السعودية يحتاج إلى ثلاث سنوات، بينما الربط مع الكويت بطاقة 500 ميغاواط لن يتم على الأرجح خلال 2025، أما مضاعفة استيراد الكهرباء من تركيا من 300 إلى 600 ميغاواط، فذلك مرهون بالحصول على موافقة الاتحاد الأوروبي، مما يجعل فرص تحقيقه غير مؤكدة في الوقت الحالي".

 

الأزمة في الدولار وليس الغاز الإيراني

 

وكان العراق، قد وقع في (كانون الأول 2024)، اتفاقاً مع تركمانستان، لاستيراد الغاز بكميات تصل إلى 20 مليون متر مكعب من يومياً، عبر شبكة خطوط الأنابيب الإيرانية باستخدام آلية المبادلة لتيسير النقل، لكن لم يبدأ العمل به الآن بسبب مشاكل فنية، وفقاً للتصريحات الحكومية العراقية.

 

إلى ذلك، يقول الباحث في الشأن السياسي والاقتصادي، رمضان البدران، في حديث لمنصة "الجبال"، إن "العراق يواجه تحديات كبيرة في تأمين احتياجاته من الغاز الإيراني بعد انتهاء الاستثناء الأميركي الذي كان يسمح له بالاستيراد دون التعرض للعقوبات".

 

ويضيف البدران الذي يسكن في الولايات المتحدة الأميركية، أن "إيران ليست مقيدة في تصدير الغاز، إذ لا توجد عقوبات دولية تمنع ذلك، لكن المشكلة الأساسية تكمن في منع التعاملات المالية بالدولار مع طهران"، مشيراً إلى أن "العراق كان يتمتع بامتياز خاص مكّنه من استيراد الغاز من إيران رغم العقوبات، إلا أن هذا الاستثناء انتهى ما يفرض البحث عن آليات دفع بديلة لمواصلة استيراد الغاز دون خرق العقوبات".

 

يشير البدران إلى أن "العراق يمتلك عدة خيارات بديلة عن الدولار، منها استخدام الدينار العراقي أو التومان الإيراني أو حتى اليورو، كما يعد اليوان الصيني أحد الحلول المطروحة، خاصة أن العراق يصدر النفط إلى الصين، مما يسمح له بترتيب آلية يتم بموجبها تسديد الصين قيمة النفط العراقي لإيران مقابل الغاز الذي تحصل عليه بغداد".

 

ويتابع البدران أن "هناك أيضاً خياراً آخر يتمثل في البحث عن مصادر بديلة للغاز بعيداً عن إيران، مثل قطر وتركمانستان، بالإضافة إلى ضرورة العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز على المدى المتوسط والبعيد لتقليل الاعتماد على أي مورد خارجي".

 

ويحذر الباحث من أن أي اتفاق بين العراق وإيران يشترط الدفع بالدولار قد يكون بمثابة مخاطرة كبيرة، حيث لن تقدم الولايات المتحدة أي ضمانات بعدم فرض عقوبات مستقبلية، مؤكداً أن تعثر العراق في السداد قد يؤدي إلى اعتبار إيران هذه المبالغ ديوناً مستحقة، مع فرض غرامات تأخير قد تضاعف الأعباء المالية على بغداد، مما يضع العراق في أزمة مالية غير محسوبة العواقب.

 

وفي خضام الأزمة، قال نائب رئيس لجنة الكهرباء في البرلمان العراقي، وليد السهلاني، إن انقطاع الغاز الإيراني سيسبب خسارة 8 آلاف ميغاواط من منظومة الكهرباء في البلاد، فيما أكد أن العراق يحتاج إلى 1800 مقمق من الغاز الإيراني، وانقطاع هذه الكمية من المحطات الغازية.

 

وكتب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، منشوراً على منصة "اكس"، عبر فيه عن استعداد بلاده للوقوف مع العراق في صد إجراءات الولايات المتحدة الأميركية "غير القانونية" المتمثلة بإنهاء الإعفاءات الممنوحة لاستيراد العراق الغاز من إيران، مؤكداً تضامنه مع الشعب العراقي.

رامي الصالحي صحفي

نُشرت في الاثنين 17 مارس 2025 12:34 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.