اعتقالات واعتداءات.. ماذا يحدث مع اللاجئين السوريين في العراق؟

9 قراءة دقيقة
اعتقالات واعتداءات.. ماذا يحدث مع اللاجئين السوريين في العراق؟ سوريون في العراق (فيسبوك)

هل الترحيل القسري أصبح وشيكاً؟

وسط تصاعد الجدل حول أوضاع اللاجئين السوريين في العراق، تزايدت مؤخراً التقارير التي تتحدث عن حملات تستهدف بعضهم في البلاد، وذلك على شكل اعتداءات على يد مجموعات مسلّحة، أو اعتقالات، ما يعكس أجواء متوترة تهدد استقرارهم في البلاد، فيما يصف بعض المراقبين هذه المستجدات على أنها مهددة لمستقبل السوريين في العراق ومواجهتهم واقعاً يتسم بمزيد من التحديات والمخاطر.

 

وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي، الأسبوع الماضي، مقاطع فيديو تكشف تعرّض عمّال من الجنسية السورية يقيمون في العراق، لاعتداءات على يد مجموعات تطلق على نفسها اسم "تشكيلات يا علي الشعبية"، وهي متخصصة بشنّ حملات استهداف ممنهجة ضد اللاجئين والعمّال السوريين، حسب ما جاء في وسائل إعلام محلية، ووصف بعض المراقبين لهذا الشأن.

 

ويأتي التحرك في العراق بعد أيام قليلة جداً على أعمال العنف المروّعة التي شهدها الساحل السوري والتي راح ضحّيتها العشرات، وفقاً لما أكده المرصد السوري لحقوق الإنسان، والذي أشار إلى سقوط 1383 مدنياً على الأقل معظمهم من الطائفة العلويّة التي تنتمي لها عائلة الأسد.

 

في هذه الأثناء، وجّه رئيس مجلس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني بملاحقة عناصر فصيل مسلح، ظهروا بمقطع فيديو مصور اعتدوا فيه على عمّال سوريين، بحجة دعمهم للأمن السوري في الإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع.

 

"اعتداءات" وحملات اعتقال 

 

وفي هذا الصدد، يقول مصدر في وزارة الداخلية العراقية، خلال حديثه لمنصّة "الجبال"، إن "اللجنة المكلفة بالتحقيق في حادثة الاعتداء على العمّال السوريين مستمرة في عملها، وتسعى للوصول إلى الجناة وتقديمهم للعدالة".

 

ووفقاً للمصدر الأمني، الذي طلب عدم الكشف عن أسمه، فإن "هناك متابعة مباشرة من قبل القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ووزير الداخلية، لضمان محاسبة المسؤولين عن الحادثة"، مشيراً إلى أن "التحقيقات جارية في مختلف مفاصل القضية".

 

وفيما يتعلق بحملات الاعتقال التي طالت بعض السوريين المقيمين في العراق، يشير المصدر، إلى أن "الاعتقالات ليست واسعة النطاق، وإنما تستهدف أفراداً محددين تم رصد تصاعد خطابهم الطائفي والمحرّض على العنف عبر مواقع التواصل الاجتماعي".

 

ويضيف المصدر، أن "أعداد المعتقلين لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، ويتم التعامل معهم وفق القوانين والتشريعات العراقية"، مؤكداً في الوقت نفسه أن "الإجراءات الأمنية تهدف إلى الحفاظ على الاستقرار وعدم السماح بأي أنشطة تحرض على التفرقة والعنف داخل البلاد".

 

يذكر أن الأجهزة الأمنية العراقية شرعت منذ أيام، برصد حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي وتمكنت من اعتقال سوريين قالت إنهم "روّجوا للإرهاب"، لاسيما مع تصاعد أعمال العنف في الساحل السوري.

 

بدوره، دعا الناشط محمد كريم، إلى "التصدي لحملات الكراهية"، قائلاً إن "كل شخص يعيش على أرض العراق يجب أن يكون في مأمن، سواء كان عراقياً أو سورياً أو من أي جنسية أخرى، ولا يمكن أن السماح بتحويل البلد إلى بيئة غير آمنة للاجئين".

 

وأضاف خلال حديثه لمنصّة "الجبال"، أن "الحكومة يجب أن تتخذ إجراءات حاسمة ضد من يحاول تأجيج الأوضاع واستغلال هذه القضايا لأغراض مشبوهة."

 

وأدانت وزارة الخارجية السورية، ما يتعرض له السوريون من "انتهاكات" في العراق، فيما أشارت عبر بيان رسمي إلى أن "هذه الأفعال تشكّل انتهاكاً لحقوق الإنسان والقانون الدولي"، بينما طالبت الحكومة العراقية بـ "محاسبة مرتكبي هذه الجرائم، واتخاذ التدابير اللازمة كافة لضمان أمن وسلامة السوريين المقيمين في العراق".

 

ملف المخالفين الأجانب والرؤية العادلة

 

وعلى صعيد متصل، يقول المحلل الأمني مخلد حازم، إن "ملف المخالفين الأجانب في العراق يتطلب إجراءات حازمة وعادلة لضبط أوضاعهم وفق القانون"، مشيراً إلى أن "العديد من الجنسيات من بينهم السوريون والمصريون والأفغان والبنغاليون والباكستانيون، دخلوا إلى العراق بتأشيرات سياحية دينية، إلا أن نسبة كبيرة منهم لا تمتلك حق الإقامة القانونية".

 

وفي حديث لمنصة "الجبال"، يوضح حازم، أن "وزارة الداخلية العراقية قامت بمحاولات لمتابعة هذه الحالات، لكنها لم تصل إلى مستوى الإجراءات الفاعلة التي تضمن ضبط المخالفين بشكل كامل"، مبيناً أن "ما حدث مؤخراً من توتّرات يحمل أبعاداً عاطفية ودينية مرتبطة بالأحداث في سوريا، إلا أن التعامل مع هذه القضية يجب أن يكون ضمن إطار القانون بعيداً عن ردود الفعل غير المدروسة".

 

وبحسب حازم، فإن "العديد من الأجانب الموجودين في العراق منذ سنوات فرّوا من بطش الأنظمة السابقة أو لجأوا لأسباب مختلفة، ما يعني أن التعامل معهم يجب أن يكون وفق رؤية عادلة تشمل جميع المخالفين دون استثناء"، مشدداً على أن "القانون يجب أن يكون فوق الجميع، وأن أي إجراءات لمحاسبة المخالفين يجب أن تكون شاملة ومتوازنة لضمان عدم استغلال القضية سياسياً أو طائفياً".

 

ويضيف الخبير الأمني، أن "الاستقرار الأمني في العراق لا يحتمل تصعيداً جديداً"، لافتاً إلى أن "أي تصرفات فردية أو أفعال انتقامية قد تؤدي إلى مزيد من التعقيد، وهو أمر لا يخدم الأمن الوطني".

 

وختم حازم حديثه قائلاً، إن "الحكومة العراقية سارعت في اتخاذ إجراءات ضد الجهات التي قامت بتصرفات غير قانونية مؤخراً، في محاولة لمنع الفوضى وضبط الوضع الأمني"، داعياً السلطات الأمنية العراقية، إلى "تكثيف الجهود لملاحقة المخالفين وفق إطار قانوني واضح، بعيداً عن الانتقائية أو ردود الفعل العاطفية، لضمان حماية الأمن الداخلي ومنع أي تداعيات سلبية على استقرار البلاد".

 

إلى ذلك، علقت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي"، يوم الخميس 13 آذار 2025، بشأن التقارير التي تحدثت عن وقوع "اعتداءات" ضد عمّال سوريين في العراق.

 

ودعت البعثة في بيان، إلى "الالتزام بالقانون، والتحلي بالحكمة، والابتعاد عن خطاب الكراهية، والمحافظة على الاستقرار ضمن عراق آمن متصالح مع ذاته ومحيطه".

 

وأشادت البعثة في بيانها، بـ"قرار الحكومة العراقية تشكيل فريق أمني متخصّصٍ لملاحقة مرتكبي هذه الاعتداءات التي تمس كرامة الإنسان وتنتهك حقوقه، وما يمثله ذلك من مخالفة للقوانين العراقية النافذة".

 

"حملة إعلامية" و"أجندات خفية"

 

ودخلت كتائب حزب الله، على خط الأزمة بالقول إن "تاريخ العراق وسوريا حافل بالروابط الأخوية والعلاقات الشعبية والاجتماعية، وهي روابط لا يمكن أن تمحوها الظروف الطارئة لعصابات الجولاني، فالإساءة للسوريين في بلدهم الثاني هي إساءة للشعب العراقي نفسه".

 

وبحسب بيان صادر عن "الكتائب" فإنهم "يدركون أن بعض المخالفات التي صدرت من بعض السوريين المقيمين في العراق هي حالات فردية، ومعالجتها هي من صلاحيات الحكومة العراقية حصراً، وفقاً للقوانين والأنظمة التي تحفظ حقوق الجميع".

 

وعلى الصعيد السياسي، يرى الباحث سعد الزبيدي خلال حديثه لمنصّة "الجبال"، أن "ما يتم تداوله عبر بعض وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بشأن استهداف السوريين في العراق هو مبالغة تهدف إلى تضخيم الأمور لأغراض مشبوهة"، مبيناً أن "العراقيين بطبيعتهم أهل ضمير وإنسانية ولا يؤذون من لا يؤذيهم".

 

ويشير الباحث في الشأن السياسي، إلى، أنه "يسكن في منطقة يقطنها العديد من السوريين، ولم يلحظ أي مضايقات أو استهداف لهم"، مستشهداً بتجربته بمطعم في زيونة، حيث يعمل أكثر من 75 عاملاً سورياً من الرجال والنساء دون أن يتعرضوا لأي نوع من الاستفزاز أو التهديد".

 

ويضيف الزبيدي، أن "بعض الجهات تحاول تأجيج الموقف وزعزعة الثقة بين العراقيين والسوريين"، معتبراً أن "هناك أجندات خفية وراء هذه الادعاءات، خاصة أن القوات الأمنية العراقية تعاملت سابقاً مع بعض المؤيدين لداعش والتنظيمات الإرهابية دون استهداف أي فئة بعينها".

 

ويشدد الزبيدي، على أهمية قيام الأجهزة الأمنية بمتابعة جميع الوافدين إلى العراق، سواء كانوا سوريين أو مصريين أو بنغاليين أو باكستانيين، لضمان عدم استغلال بعض العناصر المشبوهة للأوضاع الأمنية"، داعياً إلى "إنشاء قاعدة بيانات شاملة لتتبع المطلوبين وتسليمهم إلى دولهم وفق القانون".

 

كما تطرق إلى الأحداث الأخيرة في سوريا، حيث قال إن "ما جرى من استهداف للطائفة العلوية من قبل بعض الفصائل المسلحة التابعة للنظام السوري الجديد قد يكون أحد الأسباب المحتملة لردود الفعل في العراق".

 

استمرار الحديث عن مساع الحكومة بإخراج السوريين من العراق، دفع الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة صباح النعمان الخروج بالحديث عن الموضوع، قائلاً إن "هذه التصرفات هي أفعال فردية لا تحمل أي طابع أيديولوجي أو انتماء تنظيمي، بل هي تصرفات خارجة عن القانون، يرفضها المجتمع العراقي بكافة أطيافه، وتتنافى مع الأعراف والتقاليد والقيم التي يتحلى بها الشعب العراقي المعروف بكرم الضيافة والتعايش السلمي واحترام واستقبال الأشقاء والأصدقاء".

 

 

رامي الصالحي صحفي

نُشرت في السبت 15 مارس 2025 08:45 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.