منذ ما يزيد على شهرين، يشهد مجلس محافظة ديالى تعطيلاً لجلساته بفعل تفاقم الصراع السياسي والانقسام الداخلي بين الكتل السياسية على منصب رئيس المجلس، في أزمة تجددت بعد أشهر قليلة من أخرى سبقتها وانتهت بتوافق سياسي نتج عنه تشكيل الحكومة المحلية في المحافظة مطلع آب 2024.
تعطيل مجلس ديالى بدأ بعد تصويت الكتل السياسية على إقالة رئيسه عمر الكروي التابع لتحالف السيادة في 29 تشرين الأول 2024 من منصبه واختيار نزار اللهيبي مرشح رجل الأعمال سلمان اللهيبي والمنضوي تحت مظلّة حزب تقدم، ومن ثم إصدار القضاء لأمر ولائي بإيقاف قرار إقالة الكروي وإعادته لمنصبه نتيجة عقد جلسة الإقالة بلا استجواب.
معظم أعضاء مجلس ديالى يرفضون دخول أي جلسة برئاسة عمر الكروي منذ عودته لمنصبه وحتى ساعة إعداد التقرير، فيما تتفاقم الخلافات بين الكتل السياسية بين مؤيد لإقالة الكروي ومعارض لها.
التغيير ومشكلة الرئيس
في هذا الصدد يقول عضو مجلس محافظة ديالى، فارس الجبوري، في تصريح لمنصة "الجبال"، إن "مشكلة تعطيل المجلس وعدم عقد أي جلسة تكمن في رئاسة المجلس، فهناك شبه إجماع ورغبة حقيقية بعدم بقاء رئيس المجلس الحالي بمنصبه".
وأضاف الجبوري أن" 11 عضواً لا يريدون رئيس المجلس الحالي، وهناك اتفاقاً حدث يوم أمس على التغيير في قادم الأيام"، لافتاً إلى أنه "لو عقدت جلسة برئاسة نائب رئيس المجلس سالم التميمي لدخلها الجميع".
وفي السياق أكدت عضو مجلس ديالى، دريا خير الله، وجود اتفاق على تغيير في المجلس من خلال تدوينه على حسابها في موقع "فيسبوك"، لافتة إلى أن "ديالى لن تبقى رهينة الفوضى، والتغيير قادم وباتفاق الأغلبية".
ذكرت خير الله في تدوينتها، أن "التخبط السياسي وضعف الإدارة وتعطيل الجلسات بسبب الفشل في احتواء الأعضاء أوصل مجلس المحافظة إلى طريق مسدود"، مبينة أن "الأغلبية قررت ولن يكون هناك تراجع والتغيير أصبح ضرورة حتمية، ولن نسمح باستمرار الفشل على حساب مصلحة ديالى وأهلها".
الهيمنة على السلطة وعلاقتها بالانتخابات
وفي وقت سابق قال رئيس مجلس ديالى، عمر الكروي، في مؤتمر صحفي حضره مراسل منصة الجبال، إن "هناك جهة سياسية تحاول الاستحواذ على منصب رئيس المجلس وتتخذه معبراً للوصول إلى منصب المحافظ والسيطرة عليه".
وأضاف الكروي أن "إقالة رئيس المجلس أو أي عضو أو حتى المحافظ يحب أن تكون وفق القانون، وإن كانت هناك إقالة ثانية فأهلا"، مؤكداً أن "بعض الجهات تحاول الهيمنة على السلطة في ديالى واستغلالها مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية لتحقيق مصالحها الخاصة".
وفي ظل بقاء مجلس ديالى معطلاً دون عقد جلسات، تأثرت قطاعات مختلفة في المحافظة نتيجة غياب دور أعلى سلطة تشريعية رقابية فيها، إذ أدى تعطيل المجلس إلى عدم إقرار أي قانون أو إصدار أي قرار، فضلاً عن ضعف الرقابة على عمل الدوائر الحكومية أو حتى تطبيق قراراته السابقة من بينها قرار خفض أجور ساحات وقوف العجلات من 3000 دينار الى 1000 دينار للحكومي و1500 دينار للأهلي، فهي ماتزال على حالها الى اليوم.
سلسلة بحماية المالكي
أوضح الكاتب والمحلل السياسي يونس البياتي في حديث لمنصة الجبال، أن "صراع الكتل السياسية وتغليب مصالحها الخاصة وتقاسمها للمناصب وإهمال المصلحة العامة ومطالب المواطنين أثار استياء الشارع، فمعظم السكان نراهم ممتعضون من أداء مجلس المحافظة والكتل والأحزاب في ديالى".
وتابع البياتي أن "انشغال الكتل وأعضاء المجلس بالصراعات ستكون له عواقب وخيمة بالمتقبل لاسيما على نتائج أي انتخابات مستقبلية، حيث سينتج عنه عزوف عن التصويت".
وأشار الى أن "معظم الكتل لا يمكنها الاستحواذ على حكومة ديالى بالوقت الراهن كما يشاع، لأنها حصة زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي وهي شكلت باتفاق شمل عدد من المحافظات"، مؤكداً أن "المجلس قد يشهد تغييرات لكن أي تغيير يحدث في حكومة ديالى ربما ينعكس على محافظات أخرى ولذلك فهو أمر مستبعد بالوقت الراهن".
الثقة تأثرت
من جانبها أشارت الناشطة المدنية زينب الخزرجي إلى أن" الأزمة التي تعاني منها محافظة ديالى ليست سوى نتيجة مباشرة للصراع الحزبي الذي حول عمل المجلس إلى مسرح للمنافسات الشخصية على حساب المصلحة العامة وبات كل شيء معطلاً مع المجلس، في ظل حاجة الكثير من القطاعات الحيوية إلى اهتمام حكومي عاجل، وكان من الأجدر بالكتل السياسية أن تضع مصالح السكان في المقام الأول بدلاً من الانخراط في الاقتتال على المكاسب.
وقالت الخزرجي لمنصة الجبال إن "ما يحدث في المجلس الآن يخلق حديثاً في الشارع حول عدم الحاجة للمجالس وتحولها إلى حلقات زائدة مما يضعف ثقة الجمهور بالأحزاب والكتل المحلية"، داعية الجهات السياسية إلى تجاوز الخلافات الحزبية والتركيز على الحلول الفعلية التي تضمن تفعيل الرقابة وإقرار القوانين التي لها علاقة بحياة السكان والتنمية الحقيقية.
وبدأت الأزمة السياسية في مجلس ديالى عقب اختيار رؤساء الوحدات الإدارية التي فجرت صراعات حزبية بين عدة جهات بضمنها رئيس المجلس عمر الكروي حول منصب مدير ناحية "جلولاء" ونواحي أخرى بينها "قرة تبة" و"جبارة".
ولاقت عملية اختيار رؤساء الوحدات الإدارية في ديالى انتقادات شعبية كبيرة حينها، حيث وصفها الشارع بحكم العوائل نتيجة اختيار عدد من القائمّقامين ومدراء النواحي من أقارب وعوائل أعضاء المجلس ونواب البرلمان عن المحافظة.
وصوت مجلس ديالى، في 23 تشرين الأول 2024، على اختيار عدد من رؤساء الوحدات الإدارية في حين استكمل التصويت على بقية رؤساء الوحدات الإدارية في جلسات لاحقة.
وتبلغ الوحدات الإدارية في ديالى أكثر من 20 قضاء وناحية.
وبدأ مجلس ديالى أولى أعماله فعلياً في ليلة 1 آب 2024 بعد التصويت على عمر الكروي رئيساً له، وعدنان محمد عباس الشمري محافظاً لديالى، في جلسة وصفت بالمثيرة نتيجة عقدها بعيداً عن وسائل الإعلام في فندق الرشيد بالعاصمة بغداد.
وجاء تشكيل حكومة ديالى بعد صراع دام أكثر من 6 أشهر نتيجة الانقسام الحزبي بين الكتل على اختيار المحافظ ورئيس المجلس، الذي بدأ أثناء محاولة المجلس عقد أول جلسة له في 5 شباط 2024 لتشكيل الحكومة المحلية، والتي رفعت نتيجة عدم التوصل لاتفاق وتمسك المحافظ السابق مثنى التميمي عن كتلة بدر بالمنصب.
وحاول المحافظ السابق قيادة تحرك سياسي يجدد له منصبه، لكنه لم يحظ بإجماع المجلس على اختيار نزار اللهيبي رئيساً للمجلس في الجلسة الأولى التي عقدت 5 شباط 2024 والتجديد له، جراء رفض كتلة العصائب وعدد من الكتل المتحالفة معها.
وانقسم المجلس في الجلسة الأولى حينها إلى فريقين الأول من 8 أعضاء وهو مؤيد لاختيار نزار اللهيبي رئيساً للمجلس والتجديد للمحافظ السابق مثنى التميمي، فيما يتألف الفريق الآخر الرافض لفكرة التجديد للتميمي من 7 أعضاء.
بقيت الجلسة الأولى مفتوحة منذ 5 شباط وحتى جلسة تشكيل الحكومة الحالية في 1 آب 2024، فيما شهدت الفترة بين تاريخ عقد الجلسة الأولى وتاريخ استكمالها في فندق الرشيد عدة محاولات للتجديد للتميمي، لكنها لم تنجح جراء عدم اكتمال النصاب القانوني.
وخرج العشرات من عشائر "بني تميم" قبل جلسة اختيار عدنان محمد عباس الشمري محافظاً لديالى، للمطالبة بالتجديد للمحافظ السابق مثنى التميمي وابقاءه في منصبه.
وتبوّأ مثنى التميمي، منصب محافظ ديالى لنحو 9 سنوات، منذ منتصف عام 2015 وحتى العام الماضي 2024.