انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية قد يتحول إلى أزمة مالية خانقة في العراق.. كيف ذلك؟

15 قراءة دقيقة
انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية قد يتحول إلى أزمة مالية خانقة في العراق.. كيف ذلك؟

قد يتخذ العراق 4 إجراءات صارمة

منذ اندلاع الحرب الروسية ـ الأوكرانية في عام 2022، شهد العالم موجات متلاحقة من الأزمات الاقتصادية، حيث تسببت العقوبات الغربية على موسكو والاضطرابات في إمدادات الطاقة بارتفاع أسعار النفط لمستويات قياسية، وكان العراق باعتباره أحد كبار المصدرين للنفط، أحد المستفيدين الرئيسيين من هذه الطفرة السعرية، إذ عززت العوائد النفطية موازنته وأبقت على استقرار رواتب الموظفين والإنفاق الحكومي.

 

ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فإن الحديث عن صلح محتمل بين روسيا وأوكرانيا يفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة، أبرزها انخفاض أسعار النفط عالمياً مع عودة الإمدادات الروسية إلى الأسواق بشكل طبيعي ورفع القيود المفروضة عليها، وفي ظل هذا الواقع، يواجه العراق تحدياً اقتصادياً قد يكون الأشد منذ سنوات، إذ يعتمد اقتصاده بشكل شبه كلي على العائدات النفطية، ما يجعله عرضة لتقلبات الأسواق العالمية.

 

وفي خطوة مفاجئة، عرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال الشهر الحالي، تقديم الوساطة بين روسيا وأوكرانيا في مسعى لإنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين، فيما أثار هذا المفترح "مخاوف كبيرة في أوروبا"، التي عبرت عن قلقها من احتمال إقصائها من عملية المفاوضات أو من تهميش مصالحها في أي تسوية محتملة.

 

وقبل أيام قليلة، دعت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة دوروثي شي إلى دعم خطة الولايات المتحدة الأميركية لإنهاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا، وسط استعداد الجمعية العامة للأمم المتحدة للتصويت على مشروع قرار أميركي بمناسبة مرور ثلاث سنوات على بدء النزاع.

 

توازن الأسعار مرهون بعاملين

 

وفي هذا الشأن، يقول المتخصص في الشؤون المالية والاقتصادية، عامر الجواهري، إن "تأثير انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية على أسعار النفط لن يكون فورياً أو مباشراً، إذ قد يرتبط بشروط معينة تتعلق بالعقوبات المفروضة على روسيا".

 

ويضيف الجواهري، في حديث لمنصة "الجبال"، أن "الاتحاد الأوروبي فرض مؤخراً عقوبات جديدة على موسكو بسبب التنافس والقلق المتبادل بين القوى الكبرى، في حين أن بعض الدول لا تزال تشتري الغاز الروسي، ما يعكس تعقيد المشهد الاقتصادي والسياسي"، مبيناً أن "الولايات المتحدة تسعى، في المقام الأول إلى كسب الحرب التجارية مع الصين، نظراً للعلاقات التجارية الكبيرة بين الصين وأوروبا وأمريكا الشمالية، ما قد يكون له تأثير على اتجاهات أسعار الطاقة".

 

ووفقاً للجواهري، فإن "هناك عوامل قد تدفع لانخفاض أسعار النفط للانخفاض، وأخرى قد تساهم في ارتفاعها، إذ إن الاستقرار السياسي والأمني يعزز التنمية والاستثمار، مما يزيد الطلب على الطاقة"، متوقعاً أن "تظل الأسعار متوازنة في نطاق يتراوح بين 73 و75 دولاراً للبرميل، وهو مستوى قد يكون مريحاً لمختلف الأطراف في السوق النفطية".

 

وحول تأثير أسعار النفط على الاقتصاد العراقي، يوضح الجواهري، أن "الاقتصاد العراقي يعتمد بشكل شبه كامل على الإيرادات النفطية، حيث تشكل أكثر من 91 إلى 92% من إجمالي الموازنة العامة، وأي انخفاض في أسعار النفط لن يؤثر فقط على الاقتصاد، بل سيمتد تأثيره إلى مستوى المعيشة العامة، إذ أن المصاريف التشغيلية بالكاد يتم تغطيتها في ظل الأسعار الحالية".

 

ويتابع الخبير العراقي، حديثه قائلاً إن "المشكلة الأساسية ليست فقط في المصاريف التشغيلية، وإنما في الموازنة الاستثمارية، التي تشمل تمويل المشاريع الكبرى القادرة على تحقيق الإيرادات وتنويع الاقتصاد"، موضحاً أن "هذه المشاريع لم تُنفَّذ بالشكل المطلوب حتى الآن، مما يجعل العراق أكثر عرضة للتأثر بتقلبات السوق النفطية".

 

ويختتم الجواهري، كلامه بالحديث أن "الحكومة الحالية وربما اللاحقة، ستواجه صعوبات كبيرة في توفير التمويل اللازم للخدمات الأساسية والبنى التحتية، مما يعكس التأثير السلبي المحتمل لانخفاض أسعار النفط على الاقتصاد العراقي".

 

وفي (25 شباط 2025)، قال ترامب في تصريحات للصحفيين في البيت الأبيض عقب اجتماع ثنائي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن قادة مجموعة السبع يتفقون على ضرورة إنهاء الحرب في أوكرانيا، مشيرا إلى أنه "يمكن لقوات أوروبية أن تذهب إلى أوكرانيا كقوات حفظ سلام".

 

وقال ماكرون، إن "أوروبا مستعدة لتعزيز دفاعها، فهدفنا المشترك هو بناء سلام متين ودائم في أوكرانيا"، معربا عن "أمله في مشاركة أميركية قوية لضمان ذلك"، مؤكدا أن "أوكرانيا "يجب أن تشارك" في المحادثات لإنهاء الحرب".

 

وشهدت أسعار النفط العالمية خلال الفترة القليلة الماضية حالة من التذبذب الحاد، مما أثار تساؤلات واسعة حول مستقبل أسواق الطاقة وتأثير ذلك على الاقتصاد العالمي، اذ تأرجحت الأسعار بين ارتفاعات قياسية وانخفاضات مفاجئة مدفوعة بمجموعة متنوعة من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية.

 

تهديد مباشر لاقتصاد العراق

 

في غضون ذلك، يكشف الخبير في مجال النفط والطاقة، بلال خليفة، خلال حديثه لمنصة "الجبال"، أن "الأزمة الأوكرانية كانت عاملاً رئيساً في انتعاش الإيرادات النفطية للدول المنتجة، ومن بينها العراق، حيث تعتمد بغداد على النفط كمصدر رئيس للإيرادات بنسبة تصل إلى 90% من إجمالي الإيرادات العامة".

 

وبحسب خليفة، فإن أسعار النفط ارتفعت في الأسابيع الأولى من الأزمة إلى 120 دولاراً للبرميل، بسبب المخاوف من نقص الإمدادات، فيما أشارت بعض التوقعات إلى إمكانية وصول الأسعار إلى 300 دولار في حال حدوث انقطاع كلي للإمدادات الروسية.

 

لكن سرعان ما استقرت الأسواق عند مستوى 80 دولاراً للبرميل، والكلام لخليفة، وذلك "بعدما وجدت روسيا منافذ جديدة لبيع نفطها بأسعار أقل، لا سيما للصين، مؤكداً أن "الأزمة الأوكرانية كان لها تأثير مزدوج على الاقتصاد العالمي، حيث استفادت الدول المنتجة من ارتفاع الأسعار، بينما تحملت الدول المستهلكة عبئًاً إضافياً، كما أدى ارتفاع أسعار الطاقة إلى زيادة تكاليف الإنتاج والنقل، مما ساهم في رفع معدلات التضخم العالمي إلى نحو 8%".

 

ويشير خليفة إلى أن "الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي تعهد خلال حملته الانتخابية بإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، يبدو عازماً على تنفيذ وعوده بعد فوزه بالانتخابات، إذ أرسل العديد من الإشارات الإيجابية لموسكو، في إطار استراتيجية تهدف إلى استمالة روسيا بدلًا من استعدائها، ونتيجة لذلك، من المتوقع أن تنخفض أسعار النفط بشكل كبير مع انتهاء الحرب وزوال المخاوف المتعلقة بإمدادات الطاقة".

 

ووفقاً لخليفة فإن "هناك عامل آخر يهدد أسعار النفط، وهو سياسات ترامب النفطية، إذ أكد في برنامجه الانتخابي التزامه بالعمل على خفض أسعار الطاقة، وأمام هذا التوجه، يُتوقع أن تنخفض أسعار النفط إلى 60 دولارًا للبرميل".

 

أما بالنسبة لمنظمة أوبك+، يؤكد خليفة أنها "تسعى دائماً للحفاظ على الأسعار عند مستويات مقبولة، تقارب 80 دولاراً للبرميل، وقد تلجأ إلى خفض الإنتاج في محاولة لدعم الأسعار، ومع ذلك تواجه المنظمة عقبة كبيرة، وهي تهديدات ترامب بتشريع قانون "نوبك"، الذي يستهدف معاقبة الدول المنتجة للنفط في حال اتخاذ قرارات تضر بالمستهلكين".

 

ويهدف قانون "نوبك"، الذي ناقشه مجلس النواب الأميركي السابق في مرات عديدة إلى رفع الحصانة عن "أوبك" وشركات النفط الوطنية وكسر احتكارها السوق، بحجة تآمر دول "أوبك" على رفع الأسعار في السوق العالمي.

 

ويعطي مشروع قانون "نوبك" وزارة العدل الأميركية سلطات مطلقة بتطبيق بنوده القانونية، وتقدير طبيعة الدعوى إن كانت جنائية أو مدنية، أو عدم رفع دعوى على الإطلاق، ودون أن يخضع القرار لأي مراجعة قانونية، كما يدعو مشروعه إلى حرمان دول منظمة "أوبك" من أي هامش مناورة في حالة حدوث اضطراب يتعلق بأسعار النفط.

 

وفيما يتعلق بتأثير انخفاض أسعار النفط على العراق، يضيف خليفة، أن موازنة العراق تعتمد على سعر 75 دولاراً للبرميل، ومع ذلك تعاني الحكومة من عجز مالي يصل إلى 60 تريليون دينار، وبالتالي فإن أي انخفاض في الأسعار سيؤدي إلى زيادة العجز المالي، مما قد يدفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات اقتصادية صارمة، تشمل:

 

أولاً: خفض قيمة الدينار العراقي لتعويض النقص في الإيرادات.

 

ثانياً: اللجوء إلى الاستدانة الداخلية والخارجية عبر إصدار السندات.

 

ثالثاً: تخفيض الإنفاق الاستثماري إلى الحد الأدنى.

 

رابعاً: زيادة الضرائب والرسوم والجبايات لتعزيز الإيرادات غير النفطية.

 

وبحسب خليفة، فإن العراق يواجه تحديات اقتصادية خطيرة في ظل السيناريوهات المحتملة لانخفاض أسعار النفط، ما يستوجب البحث عن بدائل اقتصادية مستدامة لضمان استقرار الأوضاع المالية.

 

ويعتمد الاقتصاد في العراق بشكل كامل تقريباً بعد العام 2003 على النفط حيث يكون 95% من إجمالي الدخل من الدولار، مما يجعل "متأرجحاً" كونه يتأثر في أسعار النفط العالمية.

 

مستويات تاريخية لأسعار النفط

 

ومع دخول عام 2025، تواصل أسعار النفط العالمية تقلبها، متأثرة بعوامل اقتصادية وجيوسياسية متعددة، ووفقاً لتقرير إدارة معلومات الطاقة الأميركية الصادر في فبراير 2025، من المتوقع أن يبلغ متوسط سعر خام برنت 74.50 دولاراً للبرميل خلال هذا العام، بينما يُتوقع أن يصل متوسط سعر خام غرب تكساس الوسيط إلى 70.62 دولاراً للبرميل.

 

وهذه التوقعات تأتي في ظل تراجع الطلب العالمي على النفط، خاصة من الصين، بالإضافة إلى زيادة الإمدادات من دول خارج منظمة أوبك، مما يساهم في استمرار الضغوط على الأسعار.

 

وفي هذا السياق، قررت دول تحالف أوبك+ تأجيل خطط زيادة الإنتاج التي كانت مقررة بدءًا من يناير 2025 إلى أبريل 2025، بهدف دعم استقرار السوق .

 

على الجانب الآخر، تعهد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بزيادة إنتاج النفط المحلي، مما قد يؤدي إلى زيادة المعروض في الأسواق العالمية ويؤثر على مستويات الأسعار، ومع هذه التطورات، يبقى مستقبل أسعار النفط في 2025 رهيناً بتوازن دقيق بين العرض والطلب، وتأثير السياسات الاقتصادية والجيوسياسية على أسواق الطاقة العالمية أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية.

 

وهنا يحذر الخبير الاقتصادي همام الشماع، من تداعيات انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية على أسواق النفط العالمية، متوقعاً أن "يؤدي هذا التطور، إلى جانب الضغوط الأميركية، إلى انخفاض كبير في أسعار النفط قد يصل إلى ما دون 50 دولاراً للبرميل، وربما إلى 30 دولاراً في أسوأ السيناريوهات".

 

ويقول الشماع، خلال حديثه لمنصة "الجبال"، إن "انتهاء الحرب سيسمح لروسيا بتصدير نفطها دون قيود، ما يدفعها إلى زيادة الإنتاج لتعويض خسائرها الاقتصادية الهائلة، وهو ما قد يتم خارج إطار اتفاقيات (أوبك بلس)، من ناحية أخرى، تسعى الولايات المتحدة إلى خفض أسعار النفط من خلال زيادة الإنتاج المحلي واستخدام الاحتياطي الاستراتيجي، مما يضاعف الضغوط على السوق العالمية".

 

ويشير الخبير الاقتصادي، إلى أن "هذا التراجع المحتمل في أسعار النفط يأتي في ظرف اقتصادي حساس، مختلف تمامًا عن فترة جائحة كورونا، حيث يواجه العديد من الدول، ومنها العراق، تحديات مالية كبرى"، مضيفاً أن "هناك أكثر من 4 إلى 5 ملايين موظف يتلقون رواتب من الدولة، إضافة إلى نحو 3 ملايين متقاعد، فضلًا عن الأعداد الكبيرة المشمولة ببرامج الرعاية الاجتماعية لأسباب سياسية وانتخابية".

 

كما يتوقع الشماع، أن "هذه الكتلة الكبيرة من المستفيدين من الرواتب الحكومية قد تواجه تأخيرات في صرف المستحقات، وقد تضطر الدولة إلى صرف 6 أو 7 رواتب سنوياً بدلًا من 12، ما قد يدفع الحكومة إلى إجراءات تقشفية صارمة لمواجهة العجز المالي المتوقع.

 

وفي ختام كلامه، تحدث الشماع، قائلاً إن "استمرار الضغوط على سوق النفط، إلى جانب السياسات المالية الداخلية، قد يؤثر بشكل مباشر على قدرة الحكومات على تمويل التزاماتها، ما يستدعي خططًا استباقية لمواجهة هذه التحديات المحتملة".

 

ترجيحات بتراجع أسعار النفط

 

في هذه الاثناء، توقع الباحث في الشأن الاقتصادي، أحمد عبد ربه، أن يؤدي انتهاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا إلى تغييرات ملحوظة في أسواق الطاقة العالمية، قد تشمل رفع العقوبات عن روسيا وزيادة المعروض النفطي، مما سينعكس على الأسعار العالمية.

 

ويشير عبد ربه، في حديث لمنصة "الجبال"، إلى أن "التقديرات تشير إلى احتمال استقرار سعر النفط عند حدود 60 دولاراً للبرميل، وهو ما يشكل تحدياً كبيراً لاقتصاد العراق، الذي يعتمد بنسبة 90% على عائدات النفط، في حين أن الموازنة العامة مبنية على أساس 70 دولاراً للبرميل، مما سيؤدي إلى عجز إضافي في الموازنة".

 

ويتابع عبد ربه، قائلاً إن "انخفاض الإيرادات النفطية قد يؤثر على قدرة الحكومة العراقية في تمويل مشاريعها المختلفة"، مشيراً إلى أن "الأولوية ستُعطى لتأمين رواتب الموظفين وتوفير السلة الغذائية، في حين ستتوقف المشاريع الاستثمارية والخدمية غير الضرورية بشكل كامل".

 

ويلفت الباحث الاقتصادي، إلى "ضرورة تبنّي رؤية استراتيجية تقلل من الاعتماد على النفط، على غرار بعض الدول العربية مثل السعودية، التي وضعت خططًا لتعزيز الإيرادات غير النفطية"، كما شدد على "أهمية مراجعة النفقات الحكومية، تحديد الأولويات في الإنفاق العام، والحد من الهدر المالي، الذي لا يزال يمثل مشكلة كبيرة".

 

ووفقاً عبد ربه، فإن "إنشاء صندوق سيادي لاستثمار الفوائض المالية يعد من الحلول الضرورية لدعم الموازنة في أوقات الأزمات، إلا أن هذا الإجراء لم يُنفَّذ حتى الآن"، مشيراً إلى "غياب التشجيع الكافي للاستثمار الأجنبي والمحلي".

 

ويحتل العراق المركز الثاني كأكبر منتج للنفط الخام في منظمة "أوبك" بمتوسط إنتاج يومي يبلغ 4.6 ملايين برميل يومياً في الظروف الطبيعية بعيدا عن اتفاقيات خفض الإنتاج.

رامي الصالحي صحفي

نُشرت في الأربعاء 26 فبراير 2025 02:10 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.