واشنطن تخلت مالياً وسط انقسام داخلي حول سوريا.. كيف سيكون مصير المواطنين العراقيين في مخيم الهول؟

11 قراءة دقيقة
واشنطن تخلت مالياً وسط انقسام داخلي حول سوريا.. كيف سيكون مصير المواطنين العراقيين في مخيم الهول؟ مخيم الهول (فيسبوك)

وسط تعقيدات سياسية وأمنية، يعود ملف مخيّم الهول في سوريا إلى الواجهة مجدداً، مع حديث الحكومة العراقية عن استمرار جهودها لإعادة مواطنيها من عائلات تنظيم "داعش"، بالتزامن مع مخاوف من التحديات الأمنية والاجتماعية التي تفرضها هذه العملية.

 

ورغم الخطط الحكومية لإعادة تأهيل هذه العائلات ودمجها مجتمعياً، برزت عقبة مالية كبرى دفعت وزارة الهجرة والمهجرين إلى اقتراح إيقاف عمليات الإعادة، بسبب نقص التخصيصات المالية، لا سيما بعد إيقاف المساعدات الأميركية التي كانت تدعم هذه الجهود.


وقبل أيام قليلة، اقترحت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، على الحكومة، وقف إعادة عوائل تنظيم "داعش" من مخيم الهول في سوريا إلى مخيم الجدعة في نينوى، بسبب "مشاكل في الميزانية"، إذ قال المتحدث باسم الوزارة علي عباس، إنهم قدّموا هذا الاقتراح إلى الجهات المعنية بعد عودة القافلة رقم 21 من عائلات "داعش" السابقين.


ويُعد مخيم الهول الواقع في شمال شرق سوريا (جنوب مدينة الحسكة)، أحد أكثر المخيّمات تعقيداً في المنطقة، إذ يضم عائلات عناصر تنظيم "داعش"، إلى جانب لاجئين ونازحين من دول مختلفة.


ورغم التحذيرات المتكررة من تحوّله إلى بؤرة للتطرف، لا تزال عملية إخلائه وإعادة سكّانه إلى دولهم الأصلية، تواجه عقبات سياسية وأمنية.


واشنطن تخلّت عن القضية

 


ويقول مصدر في الحكومة العراقية، في حديث لمنصّة "الجبال"، إن "ملف مخيّم الهول الذي يضم عائلات من أكثر من 50 جنسية، ليس مسؤولية عراقية فقط، بل يمثّل تحديّاً دولياً يتطلب تعاوناً مشتركاً بين الدول المعنية".


ويضيف المصدر، الذي اشترط عدم الكشف عن أسمه، أن "الحكومة العراقية تواصل التنسيق مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والدول التي ينتمي إليها المحتجزون في المخيم، من أجل إيجاد حلول وسحب رعاياها من المخيم"، مشيراً إلى أن "هناك العديد من العائلات ذات الجنسيات المختلفة ما زالت عالقة، ما يجعل حلّ هذا الملف مسؤولية دولية وليست عراقية فقط".


ووفقاً للمصدر، فإن "الحكومة العراقية وضعت خططاً وبرامج مدروسة لإعادة الأسر العراقية الموجودة في المخيم"، فيما أكد أن "إعادة هذه العائلات تتم وفق إجراءات أمنية وإنسانية متكاملة، لضمان دمجهم في المجتمع بطريقة آمنة ومستدامة".

ويكشف المصدر، خلال حديثه عن "وجود برامج تثقيفية وإرشادية تعمل على إعادة تأهيل هذه الأسر، إضافةً إلى خطط لدمجهم تدريجياً في المجتمع، مع الأخذ بعين الاعتبار التحديات الأمنية والاجتماعية التي قد تنجم عن هذه العملية".


وفيما يخصّ مقترح وزارة الهجرة والمهجرين بإنهاء ملف المخيمات، يوضح المصدر، أن "المقترح جاء نتيجة نقص التخصيصات المالية، لا سيما بعد إيقاف المساعدات الأميركية، مما أثر على إمكانيات الحكومة في إدارة هذا الملف الحساس".

ويشير المصدر، إلى أن "الدعم الدولي لهذه القضية أصبح أقل مما كان عليه في السنوات الماضية، مما يضع عبئاً إضافياً على العراق في التعامل مع هذا الملف المعقد، خاصة مع وجود آلاف العائلات التي تحتاج إلى إعادة تأهيل وإدماج مجتمعي".


وفي 20 كانون الثاني 2025، أمر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بـ"تعليق جميع المساعدات الخارجية للوكالة الأميركية للتنمية الدولية"، والتي كانت تخصص جزءاً كبيراً منها لملف مخيم "الهول" والنازحين من أسر "داعش" هناك".

ووفقاً لرؤية بعض المسؤولون في مجال الإغاثة الدولية فإن التحركات التي اتخذتها إدارة الرئيس دونالد ترامب لخفض تمويل المساعدات الخارجية الأمريكية تهدد بزعزعة استقرار مخيمين في شمال شرق سوريا يحتجز فيهما عشرات الآلاف من الأشخاص المتهمين بالانتماء إلى تنظيم داعش.

القضية تشكل "تحدياً عالمياً"


وكان العراق قد تسلّم في 9 شباط 2025، دفعة جديدة من أُسر تنظيم داعش، تضم 155 أسرة مكونة من 569 شخصاً، من مخيم الهول بالتنسيق مع إدارة المخيم.


ووفقاً لإدارة المخيم، فإن هذه الدفعة هي الرابعة خلال عام 2025 والـ21 منذ بدء عمليات إخراج العراقيين من المخيم بالتنسيق مع الحكومة العراقية.


ويقول الباحث في الشأن السياسي الناصر دريد، إن "العلاقات العراقية - السورية تمرّ بتعقيدات شديدة في الوقت الراهن"، مشيراً إلى أن "العراق يشهد انقساماً داخلياً حاداً بشأن كيفية التعامل مع النظام السوري، حيث تتراوح المواقف بين دعم تطبيع العلاقات، والمطالبة بالمقاطعة، وصولًا إلى المطالبات بالحرب السياسية".


وحول ملف مخيم الهول وإعادة العائلات العراقية منه، يشير دريد، إلى أن "هذه القضية ليست متعلقة بالسياسة بشكل أساسي، بل تعود إلى عاملين رئيسيين أولاً الأزمة المالية التي يعاني منها العراق منذ تأسيس النظام الحالي، والتي تفاقمت نتيجة انعدام الكفاءة وسوء الإدارة وانتشار الفساد في مختلف القطاعات، مما أدى إلى عجز مالي دائم".


العامل الثاني، والكلام لدريد، "العجز السياسي والبرامجي في التعامل مع عوائل عناصر داعش"، إذ يرى دريد أيضاً أن "العراق يفتقر إلى استراتيجية واضحة لاستيعاب وإعادة تأهيل هذه العائلات".

وفي حديث لمنصّة "الجبال"، يضيف دريد، أن "هذه القضية تشكّل تحديّاً عالمياً، حيث تتردد معظم الدول في إعادة مواطنيها المنتمين لتنظيم داعش، نظراً إلى صعوبة إدماجهم مجدداً في المجتمع".


ويتابع الباحث، قائلاً إن "العراق في وضع داخلي غير مستقر، ما يجعله غير قادر على طمأنة حتى مواطنيه العاديين بشأن مستقبلهم داخل البلاد، فكيف يمكنه التعامل مع عودة آلاف العوائل المرتبطة بداعش وإعادة تأهيلهم"، مبيناً أن "العراق يحتضن إحدى أكبر الجاليات المرتبطة بداعش، ما يجعل هذه القضية أكثر تعقيدًا مقارنة بالدول الأخرى".


وبحسب كلام دريد، فإن "الإدارة الأميركية، خاصة في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب، اقتربت من التخلي عن دعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تعد الجهة المسؤولة عن إدارة وحماية مخيم الهول"، مشيراً إلى أن "الولايات المتحدة لعبت دوراً رئيسياً في توفير الدعم المالي والعسكري لقسد، لضمان استمرارية إدارتها للمخيمات وتأمين المنطقة، لكن مع تقليص هذا الدعم أو سحبه بالكامل، ستواجه قسد تحديات كبيرة، قد تؤدي إلى انهيار سيطرتها على المخيم، مما يفتح الباب أمام تهديدات أمنية خطيرة".


ويختم دريد حديثه بالقول: إن "العراق أمام تحديات غير مسبوقة فيما يتعلق بملف مخيم الهول وإعادة تأهيل العائلات العائدة"، مشيراً إلى أن "غياب التخطيط الاستراتيجي والفساد المستشري يزيدان من صعوبة التعامل مع هذه الأزمة".

وعن هذا الملف، قالت مصادر لوكالة "رويترز"، إنه "إذا لم يتم رفع التجميد فإن كل شيء سيتوقف باستثناء حراس المخيم"، مستطردة بالقول "نحن نتوقع أعمال شغب جماعية ومحاولات هروب مع امكانية عودة العائلات في المخيم إلى التنظيم الموجود سواءً في سوريا أو العراق".
 

الملف لا يشكّل أي عبء مالي


السلطات الكوردية في شمال شرق سوريا، قالت الشهر الماضي، إنها "تتوقع محاولات هروب من مراكز الاحتجاز التي تضم عناصر التنظيم، ورفضت تسليم السيطرة عليها للحكومة الانتقالية الجديدة في دمشق".

وتضيف، أن "أعمال العنف المتوقعة تعود إلى التحديات الأمنية المعقدة في سوريا، حيث نصبت المعارضة السورية حكومة انتقالية بعد الإطاحة ببشار الأسد، ويجرون محادثات مع السلطات في شمال شرق البلاد لوضع كل قوات الأمن تحت سيطرة دمشق".


وعلى الصعيد الاقتصادي، يقول قاسم السلطاني، خبير اقتصادي في حديث لمنصّة "الجبال"، إن "ملف إعادة عائلات داعش إلى العراق، لا يشكل أي عبء مالي كبير على الحكومة العراقية"، مشيراً إلى أن "الحكومة تتحجج بقلّة السيولة المالية خلال الفترة الحالية وهي بالأساس تعاني من قضية تأمين رواتب الموظفين".


ويضيف السلطاني، أن "هذا الملف لا يحتاج إلى أموال كبيرة كون أغلب العائلات لهم أسر في المحافظات وبالتالي لا يترتب عليه أي أموال"، مبيناً أن "ملف إعادة التأهيل فقط هو ما يحتاج إلى تخصيصات مالية وهي ليس كبيرة".

بينما يقول الخبير الاقتصادي، محمد فخري، إن "عمليات التأهيل التي تديرها لجنة مختصة برئاسة وزارة الهجرة والمهجرين مستمرة، وتضم جهات حكومية متعددة، من بينها المستشارية، مع إشراك خبراء في علم النفس والعمليات النفسية لضمان إعادة التأهيل بشكل متكامل".


ويوضح فخري، في حديث لمنصّة "الجبال"، أن "تمويل هذه العمليات يتم عبر ميزانية وزارة الهجرة والمهجرين ورئاسة الوزراء، مع وجود حديث عن مساهمات من منظمات دولية في دعم هذا المشروع"، مضيفاً أن "آليات العمل المتبعة تسمح باستيعاب أي أعداد إضافية بنفس الأسلوب الإداري والتمويلي".


ووفقاً لفخري، فإن "حكومة إقليم كوردستان على اطلاع بمجريات هذا العمل"، مؤكداً أن "البعد الأمني والسياسي يظل حاضراً في هذه العملية، خاصة في ظل التطورات الإقليمية واستمرار المباحثات حول استقرار الرؤية مع سوريا".

وبحسب لوحة معلومات المساعدات الخارجية التابعة للحكومة الأمريكية، فقد "أنفقت الولايات المتحدة 460 مليون دولار على المساعدات الإنسانية في سوريا بحلول العام 2024، لكنها في نفس الوقت لم تحدد حجم هذه المساعدات التي ذهبت إلى الشمال الشرقي (مخيم الهول)".

حيث قالت السفيرة الأميركية بالوكالة لدى الأمم المتحدة ،دوروثي شيا، إن "المساعدات الأميركية لمخيم الهول وروج لا يمكن أن تستمر إلى الأبد".

التحجّج بالتخصيصات "خطأ كبير"
وعلى الصعيد الأمني، تقول مصادر رفيعة في حرس الحدود العراقي، لمنصّة "الجبال"، إن "5 أشخاص في مخيم الهول يحملون الجنسيتين العراقية والسورية تمكنوا من الفرار من المخيم الموجود في ريف الحسكة وذلك ليلة أمس الجمعة وسط تصاعد التحديات الأمنية التي يشهدها المخيم".


وتأتي هذه الحادثة في ظل تزايد المخاوف من تدهور الوضع الأمني داخل المخيم، ما يضع تحديات إضافية أمام الجهات المسؤولة عن إدارته وتأمينه.


وفي نفس السياق، يقول عدنان الكناني، وهو الذي شغل منصباً كبيراً في الجيش العراقي، ويعمل الآن كمحلل أمني، إن "تحجّج الحكومة العراقية بنقص الميزانية المالية لإعادة العراقيين من مخيم الهول، خطأ جسيم، لكن المشكلة الأكبر من التخصيصات المالية هو قضية اثبات عراقية العائدين من المخيم".


وفي حديث لمنصّة "الجبال"، يضيف الكناني، أن "هناك 30 ألف شخص يقال إنهم عراقيون موجودون في المخيم، إلا أن أطفال النساء اللاتي تزوجن ليسوا عراقيين وفقاً للقوانين الإسلامية والقوانين العراقية، والتي نصّت على أن الأطفال ينسبوا إلى الآباء"، مبيناً أن "هؤلاء الأطفال هم تجرعوا أفكار التنظيم الإرهابي وسيكون من الخطر إعادتهم إلى العراق".


ويتحدث الكناني، قائلاً إن "هناك جيوباً إرهابية موجودة في العراق سيعملون على استغلال هؤلاء الأطفال، إضافة إلى إمكانية استغلالهم من قبل بعض السياسيين العراقيين في زعزعة الأمن لتمرير مواضيع معينة".


الحكومة العراقية تجري فحوصات الـ
DNA للأطفال العائدين، والكلام للكناني، الذي تابع قائلاً "بعد التأكد من جنسيتهم، تتم إعادة تأهيلهم نفسياً خارج العراق، وبعدها يسلمون إلى عشائرهم وفقاً لضوابط حكومية بغية منع حدوث أية جرائم مستقبلاً".


بدورها، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إن "هناك عشرات الآلاف من الأشخاص، ما يزالون عالقين في مخيم الهول وروج في شمال شرق سوريا، في ظروف تهدد حياتهم، وسط تجدّد الاشتباكات في المنطقة، إضافة إلى أن تعليق الحكومة الأميركية المساعدات للمنظمات غير الحكومية العاملة في هذه المخيمات، تسبب في تفاقم الظروف المهددة للحياة، وفي زعزعة الحالة الأمنية الهشة".

الجبال

نُشرت في الأحد 23 فبراير 2025 01:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.