بعد أن خالته ميّتاً، ووضعته في عداد الغائبين، سُعدت عائلة سيف الله حسين، بعودته لحضنهم بعد غياب دام لثمانية وعشرين عاماً كاملة.
سيف الله حسين، مواطن كوردي من قضاء رانية بمحافظة السليمانية، رحل عن أهله قبل 28 عاماً بقصد الهجرة والعمل، لكن الأقدار حطّت به في إفريقيا واحتجزته هناك، ليصل فجر اليوم إلى مطار السليمانية الدولي عائداً إلى أحبائه حاملاً معه قصص شتى؛ فما قصته؟
قالت والدة سيف الله، لدى مقابلتها في مطار السليمانية والفرحة تغمر روحها: "كنت قد وضعته في عداد الأموات"، فيما كشف الابن في حديث خاص لمنصة "الجبال"، عن أسرار وتفاصيل خاصة عصفته ذهاباً وإياباً طوال تلك السنوات.
وقال حسين، المفقود العائد، لـ"الجبال": "أشعر بأقصى درجات السعادة، لعودتي ولقائي بأهلي وأخوتي ووطني، كما أشعر بحرية، فأنا لم أكن حراً طوال تلك السنوات بل مسجوناً، شعوري مماثل لشعور أي شخص يخرج من السجن إلى الحرية".
وعن رحلته الطويلة، ذكر حسين أن "كل ما حصل وما واجهته كان جزء من القدر، في بعض الأحيان يضع الإنسان خطة محدّدة، ويقدّر الله شيئاً مغايراً".
وبحسب قول حسين، فقد غادر منزله في رانية قبل 28 عاماً، كان حينها يبلغ 21 عاماً، ولم تكن هذه رحلته الأولى، بل الثالثة، غادر قبلها مرتين لبلاد مختلفة بقصد العمل ومساعدة العائلة في تأمين قوت العيش، وفي المرة الثالثة توجّه إلى جزيرة "قشم" في إيران وبقي هناك لفترة، حتى صدر قرار من رئيس دولة الإمارات الشيخ زايد آل نهيان بمنح كورد العراق إقامات دائمة للعمل في البلد، استجابة للأوضاع الصعبة والاضطهاد الذي كانوا يتعرضون له على يد نظام البعث.
قال حسين: "كنا مجموعة كورد في جزيرة قشم خلال عامي 1997- 1998، انتقلنا إلى الإمارات، وبعد وصولنا كانت الأمور مختلفة عمّا كان يشاع في الصحف، لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات موجودة بعد وكنا نتتبع الأخبار عبر الجرائد. لقد ألقوا القبض علينا فور وصولنا، وحولونا إلى سجن الصدر هناك، كان ذلك عام 2000، بقينا هناك لنحو عام، بعدها طلبوا منا العودة إلى العراق"، مضيفاً: "لقد رفضنا العودة، فأوقفونا هناك لفترة. قرّر شابان صغيران بيننا العودة إلى كوردستان، فطلبنا منهم التواصل معنا فور وصولهم للإطمئنان عليهم والعودة، لكنهم لم يتصلوا وعلمنا بعد فترة بإعدامهم من قبل النظام. ولما عرفت الإمارات بذلك، لم تعدنا بل قررت تسفيرنا عبر طائرة روسية إلى إفريقيا (إلى الصومال)".
وفقاً لحديث حسين، فقد كان بين 135 عراقياً من القوميتين الكوردية والعربية، أرسلتهم الإمارات إلى الصومال، ومن هناك تفرّقوا كل لدولة مختلفة.
زواج شرعي
خرج حسين من السجن منذ سنتين ونصف بكفالة قانونية، وهو متزوج الآن من أوغندية، رافقته إلى كوردستان مع طفليهما، أحدهما ما يزال رضيعاً.
وقال حسين بهذا الخصوص: "لم أكن أعرف أحداً في البلد لدى خروجي من السجن، وكمسلم كنت اتردّد إلى مسجد موجود في المنطقة، نشأت صداقة بيني وبين إمام الجامع وكان شاباً مهذباً خلوقاً، وتوطدت علاقتنا وحدثت زيارات بيننا، وعندما تعرفت على عائلة الشاب قررت الزواج من أخته فتقدمت لخطبتها وهم وافقوا على ذلك".
كانت زوجة حسين وطفليهما في الغربة، والمنقذين كما سيتبيّن في نهاية المطاف من وحشة السجون والملاحقات.
رحلة شاقة
أكد حسين أنه تواصل مع عائلته خلال الأعوام الماضية عبر منظمة الهلال الأحمر، آخرها كان عام 2004 تواصل فيها مع اشقائه وهم أرسلوا له مجموعة أرقام هواتف بعضها كان لأقارب في لندن للاتصال بهم.
انتقل حسين من الصومال إلى كينيا ومن كينيا إلى أوغندا، ومن بعد إلى لندن البريطانية، لكن تم ترحيله من بريطانيا في وقت قصير إلى كينيا، حينها كانت الأوضاع غير مواتية حيث اعتقل زعيم حزب العمال الكوردستاني عبدالله أوجلان في كينيا وقتها وكانوا يفتشون عن الكورد كل نقطة وزاوية، وذكر المواطن العائد أنه "لم يفرقوا بيننا ككورد، لقد اعتقلوا زعيماً كوردياً، وجمعونا نحن 17 كوردياً وزجونا في السجن مع نحو 37 عربياً، بعضهم توفي هناك".
وفقاً لقول حسين، كان بين المعتقلين شخص كوردي يدعى قاسم، اعتقل في بلد إفريقي آخر مسلم وعاد قبله إلى السليمانية، وآخر يدعى آزاد لكنه فقد صوابه وهو في السليمانية الآن، وآخر يدعى مؤيد وهو مواطن عراقي أيضاً عاد لمحافظته البصرة، فيما قضى شابان آخران من البصرة أيضاً كانا يبلغان 17 و18 عاماً لم يلحقا العودة إلى أرضهم. فضلاً عن 4 آخرين من الكورد من قضاء خانقين.
وذكر حسين أنه حاول التواصل مع أهله من خلال خمسة أشخاص في أعوام 2007، و2009، و2014، كذلك في 2017، عبر الهاتف ليخبرهم بأنه معتقل في سجن بأوغندا، لكن الوسطاء لم يوصلوا رسالته إلى العائلة في السليمانية. وقال: "إنهم فاقدون للإنسانية"، لافتاً إلى "محاولات عديدة للتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي جميعها باءت بالفشل".
وقبل أربعة أشهر، واجه حسين محاكمة قضائية، كانت الأخيرة، حضر إلى المحكمة حاملاً معه وثائق تثبت زواجه وإنجابه من مواطنة إفريقية أوغندية، ما يدفع لاعتباره مواطناً أوغندياًُ ورفع الحكم عنه، لكنه تفاجأ خلال مغادرته مطار أوغندا بعكس ذلك، فقال: "رفضوا الختم لمغادرتي من المطار، كانوا يعتبرونني هارباً، فاضطررت إلى المغادرة بطريقة غير رسمية وفعلت ذلك بواسطة المال".