مشاريع حكومية لم تحل الأزمة.. الازدحامات تكلف بغداد ثروة مليارية ووقت مهدور للمواطن

9 قراءة دقيقة
مشاريع حكومية لم تحل الأزمة.. الازدحامات تكلف بغداد ثروة مليارية ووقت مهدور للمواطن

بغداد تمتلك أسوأ حركة مرور في الشرق الأوسط

رغم المشاريع المستمرة لتشييد المجسرات والتقاطعات، لا تزال بغداد تعاني من اختناقات مرورية خانقة تكلف الاقتصاد العراقي ملياري دولار سنوياً حسب التقديرات غير الحكومية.

 

وتزايد أعداد المركبات، وضعف البنية التحتية، وغياب حلول فعالة للنقل العام، كلها عوامل تفاقم الأزمة، وفقاً للمراقبين، مما يؤدي إلى هدر كبير في الوقت والوقود وتأثير سلبي على الإنتاجية والحياة اليومية للمواطنين.

 

وتشهد شوارع بغداد يومياً، من الساعة السابعة صباحاً حتى السادسة مساءً، اختناقات مرورية خانقة تصل إلى حد الشلل، مما يجعل التنقل داخل المدينة معاناة يومية للمواطنين، ورغم محاولات الجهات المعنية تخفيف الأزمة عن طريق تغيير توقيتات الدوام، إلا أن هذه الإجراءات لم تحقق النتائج المرجوة، في ظل استمرار الازدحام وتزايد أعداد المركبات وضعف البنية التحتية للنقل.

 

مواطنون من قلب الحدث

 

ويعاني المواطنون في بغداد من أزمة مرورية خانقة تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، ما ينعكس سلباً على حياتهم اليومية، سواء من حيث التأخير عن العمل أو الزيادة الكبيرة في استهلاك الوقود، فضلاً عن الخسائر المالية التي تلحق بأصحاب المركبات والقطاعات التجارية.

 

يقول أحمد حسن، وهو سائق تاكسي منذ أكثر من عشر سنوات، لمنصة "الجبال"، إن "مشكلة الزحام المروري باتت تشكل كابوساً حقيقياً له ولزملائه في المهنة، حيث أصبح يقضي ساعات طويلة في الشوارع المزدحمة دون أن يتمكن من نقل عدد كافٍ من الركاب". 

 

ويسرد حسن، قصته قائلاً: "في السابق، كنت أتمكن من إنجاز أكثر من عشر رحلات يومياً، أما الآن فأجد نفسي بالكاد أكمل خمس رحلات بسبب التكدس المروري الذي يشل الحركة في معظم شوارع بغداد، والمشكلة الأكبر هي استهلاك الوقود، فمع طول مدة الانتظار في الطرق، يستهلك المحرك وقوداً أكثر من اللازم، مما يجعل أرباحنا شبه معدومة، خاصة مع ارتفاع أسعار البنزين". 

 

أما علي الكعبي، وهو موظف في إحدى الشركات الخاصة وسط بغداد، فيروي معاناته اليومية بسبب الازدحام الذي يتسبب له بتأخير دائم، يترتب عليه خصومات مالية تؤثر على دخله الشهري.

 

ويضيف الكعبي، خلال حديثه لمنصة "الجبال"، أنه "كل يوم يضطر لمغادرة المنزل قبل ساعتين على الأقل من موعد عمله، ومع ذلك يصل متأخراً أحياناً بسبب الاختناقات المرورية التي لا حل لها، حيث أن شركته تعتمد على نظام الحضور والانصراف الصارم، لذا فإن أي تأخير يعني خصماً من الراتب، وأحيانًا قد يصل الأمر إلى تلقيه إنذارات بسبب تكرار التأخير". 

 

بينما سامر جبار، وهو صاحب محل تجاري في منطقة الكرادة، فيؤكد لمنصة "الجبال"، أن "الازدحام المروري أثر بشكل مباشر على مبيعاته، حيث أصبح الناس يتجنبون الخروج من منازلهم أو التنقل بين المناطق بسبب التكدس المروري المستمر".

 

ويقول جبار، إن "السنوات السابقة كانت تشهد توافد الزبائن بشكل طبيعي لشراء احتياجاتهم، لكن الآن أصبح العديد منهم يفضلون البقاء في منازلهم أو اللجوء إلى خدمات التوصيل، مما قلل من عدد المتسوقين في الأسواق التقليدية". 

 

وفي ظل اقتراب فصل الصيف، يبقى القلق سيد الموقف، حيث يخشى المواطنون من أن تزداد معاناتهم مع ارتفاع درجات الحرارة، ما يجعل التنقل في شوارع بغداد أمراً أكثر صعوبة ومشقة.

 

وفي (26 آذار مارس 2024)، أصدر مجلس الوزراء جملة من القرارات لمعالجة "الزحامات المرورية"، منها اعتماد توقيتات بدء وانتهاء ساعات الدوام الرسمي في مقر الوزارات ومقار تشكيلاتها والجهات غير المرتبطة بوزارة في العاصمة بغداد في خطوة للتقليل من الازدحامات الخانقة في العاصمة بغداد.

 

مشاريع لها آثار إيجابية على العاصمة

 

وأعلن وزير الإعمار والإسكان والبلديات العامة بنكين ريكاني، في (25 حزيران يونيو 2024)، انطلاق أول مشاريع الحزمة الثانية لفك الاختناقات المرورية في بغداد، مشيراً إلى أن المشروع يشمل مجسرين وجسراً على نهر دجلة بمحاذاة الصرافية.

 

وبهذا الشأن، يقول استبرق صباح، المتحدث باسم وزارة الإعمار والإسكان العراقية، لمنصة "الجبال"، إن "مشاريع فك الاختناقات المرورية التي يجري العمل على إنجازها هذا العام ستسهم بشكل كبير في تحسين واقع النقل داخل العاصمة بغداد، وتسهيل الحركة المرورية ضمن محاور تربطها بالمحافظات الأخرى". 

 

ووفقاً لحديث صباح، فإن الوزارة بصدد إتمام عدد من المشاريع الحيوية التي تشمل إنشاء مجسرات وجسور عابرة لنهر دجلة، فضلاً عن استكمال الحزمة الثانية من المشاريع التي تهدف إلى معالجة الازدحامات وتقليل الوقت المستغرق في التنقل داخل المدينة.

 

وتتضمن خطة الوزارة لهذا العام، بحسب صباح، افتتاح عدد من المجسرات التي ستخفف الضغط على الطرق الرئيسية، ومن أبرزها (مجسر الصرافية، مجسر الطوبجي، مشروع ربط طريق محمد القاسم بطريق بغداد - كركوك، مشروع ساحة النسور (نفق رقم ٤ ونفق رقم ٥). 

 

وفيما يتعلق بالجسور الجديدة التي ستسهم في تعزيز الترابط بين جانبي الكرخ والرصافة، يضيف صباح، أن "العمل مستمر على تنفيذ (جسر الجادرية الثاني، جسر الصرافية الثاني وجسر غزة الزعفرانية)". 

 

ويشير صباح إلى أن "الوزارة باشرت بإطلاق مشاريع الحزمة الثانية تباعاً، حيث تم افتتاح مجسر براثا، فيما سيتم قريباً افتتاح مجسر الصرافية، في حين لا يزال جسر الصرافية الثاني قيد العمل". 

 

ويتابع صباح، قائلاً إن "هذه المشاريع لم تقتصر على بغداد فحسب، بل إنها تسهم أيضاً في تحسين الربط بين العاصمة والمحافظات، مما يسهل حركة التنقل للأفراد والمركبات ويعزز من انسيابية المرور". 

 

مجلة الإيكونومست البريطانية أصدرت تقريراً في (آذار مارس 2024)، وصفت فيه العاصمة  بغداد بأنها واحدة من أسوأ المدن في حركة السير، حيث تشهد ازدحامات مرورية خانقة بسبب تهالك الطرق وانتشار نقاط التفتيش وزيادة أعداد السيارات وتلكؤ وفساد في مشاريع البنى التحتية، مؤكدة أن "بغداد تمتلك أسوأ حركة مرور في الشرق الأوسط."

 

خسائر ملايين الدولارات

 

ويقول رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق فاضل الغراوي، إن الازدحامات المرورية في العاصمة بغداد تتسبب بخسائر كبيرة تصل إلى 2 مليار دولار سنوياً بسبب الوقت المهدور، واستهلاك الوقود، وصيانة البنية التحتية.

 

كما يوضح الغراوي، في بيان أن "الدراسات تشير إلى أن العمال يقضون جزءاً كبيراً من وقتهم عالقين في الازدحامات بدلاً من أن يكونوا منتجين في أماكن عملهم، وفقاً لتقرير صادر عن (غلوبل ترافيك سكور كارد) لعام 2023، حيث يخسر الموظفون في المدن الكبرى حوالي 100-150 ساعة سنوياً بسبب الازدحامات المرورية، وهذا يعادل خسائر اقتصادية تتراوح بين 2% إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي في بعض الدول".

 

ويشير الغراوي إلى أن "التقديرات تشير إلى أن التكلفة الاقتصادية للازدحام المروري في المدن الكبرى قد تصل إلى 1-2 مليار دولار سنوياً بسبب الوقت المهدور، واستهلاك الوقود، وصيانة البنية التحتية". 

 

ووفقاً لتقرير صدر في وقت سابق، عن مؤسسة عراق المستقبل للدراسات والاستشارات الاقتصادية، فإن العراق يتكبد خسائر سنوية تصل إلى نحو 500 مليار دينار جراء الاختناقات المرورية التي تعاني منها العاصمة العراقية بغداد وحدها جراء عمليات الهدر اليومي بالوقود.

 

أنواع الخسائر الاقتصادية

 

وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن أعداد السيارات في بغداد خلال العام 2024، وصلت نحو 7 ملايين و27 ألف سيارة بارتفاع 6% مقارنة بـ 2023، الأمر الذي أدى إلى تفاقم مشكلة الازدحام المروري والتلوث البيئي.

 

وبخصوص الخسائر الاقتصادية التي يتعرض لها المواطن البغدادي، يقول الخبير الاقتصادي خطاب الضامن، إن "العاصمة تحتوي على 25% من سكان العراق وبالتالي من الطبيعي أن يكون هناك زخم مروري بحركة السيارات في بغداد مقارنة بباقي المحافظات"، مبيناً أن "تأخر العاملين والموظفين عن أعمالهم يترتب عليه خسائر مالية كبيرة". 

 

وفي حديث لمنصة "الجبال"، يتحدث الضامن عن هذه الخسائر بالقول إن "المواطن العراقي يقضي وقتاً طويلاً في الزحامات المرورية الأمر الذي يكلفه وقود بكميات أكبر خصوصاً أصحاب سيارات الأجزة سواءً الصغير أو الكبيرة الأمر الذي بدوره ينعكس على الراكب الذي يتحمل من جانبه ارتفاع تسعيرة (التوصيلة)". 

 

الجانب الآخر الذي يسبب الخسائر المالية، والكلام للضامن، هو تأخر وصول البضائع التجارية خصوصاً للسيارات الكبيرة القادمة من المحافظات الأخرى والتي أحياناً يضطر سائقيها للمبيت على بوابة بغداد والأمر الذي يكلف احياناً خسائر من ناحية تلف المواد أو تأخر إيصالها للمستهلك، فضلاً عن دفع التجار تكاليف اضافية لأصحاب السيارات الأمر الذي ينعكس على رفع الأسعار في الأسواق.

 

ويضيف الضامن، أن "العراقي دائماً ما يلاحظ وجود فروقات في أسعار جميع المواد بين بغداد والمحافظات الأخرى، حيث الأمر الرئيس يعود لما ذكر أعلاه وهو قلة الزحامات المرورية في هذه المحافظات مقارنة بالعاصمة".

 

ووفقاً للبيانات الصادرة عن مراكز البحث المحلية فإن معدلات النمو لعدد السكان في العراق وكثافة السيارات تذهب نحو ارتفاع أعداد السيارات إلى أكثر من 9 ملايين سيارة بحدود الـ 2030.

رامي الصالحي صحفي

نُشرت في الأربعاء 12 فبراير 2025 11:30 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.