من العباسيين إلى أحدث التقاليد البغدادية.. "سوق الشورجة" مهدد بالنقل لأطراف العاصمة

6 قراءة دقيقة
من العباسيين إلى أحدث التقاليد البغدادية.. "سوق الشورجة" مهدد بالنقل لأطراف العاصمة سورق الشورجة- الجبال

تعتزم السلطات العراقية نقل سوق الشورجة المركز التجاري لبغداد والمحافظات الأخرى إلى أطراف العاصمة العراقية حيث خلق القرار مزيداً من الجدل حول تبعاته والفراغ الذي سيحل محله.

 

ويعد سوق الشورجة من أسواق بغداد القديمة والمشهورة حيث تم إنشاؤه في العهد العباسي، وكان اسمه سوق الرياحين، ثم استبدل بسوق العطارين حتى استقر على تسميته بـ"الشورجة" إذ تتوفر فيه جميع المواد الغذائية والمستلزمات التي يحتاجها الفرد والعائلة العراقية. 

 

أمانة بغداد أعدت دراسة كاملة من قبل دائرة التصاميم لمخطط إنمائي شامل لغاية العام 2030 تم اعتماده والمصادقة عليه، ويشمل 17 سوقاً تجارية تحولت من بيع المفرد خلال الأعوام الـ25 الماضية إلى سوق جملة ومفرد، بحسب مديرية الإعلام والعلاقات العامة في أمانة بغداد.

 

ويشير محمد الصوفي، أحد تجار منطقة الشورجة، أن القرار له تأثيرات إيجابية وسلبية على التجار وسكنة العاصمة بغداد ورواد السوق من المحافظات الأخرى. وأكد أن اللإيجابيات كونها أصبحت مركزاً تجارياً لجميع المحافظات لاسيما أهالي بغداد الذين يستفادون منها كون كل الأشياء قريبة منه إلا أن في السنوات القليلة الأخيرة أصبحت منطقة مكتظة بالازدحام والفوضى التي شكلت ثقلاً كبيراً عليها فضلاً عن سوء المخازن المحيطة بسوق الشورجة وهو ما يعد من السلبيات التي أسهمت في اتخاذ هذا القرار.

 

القرار من منظور اقتصادي

 

ويرى استاذ الاقتصاد الدولي، نوار السعدي، أن قرار نقل سوق الشورجة إلى أطراف بغداد يعكس توجهات الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني نحو تحسين البنية التحتية وتخفيف الازدحامات المرورية، فضلاً عن الحفاظ على الوجه التراثي لمدينة بغداد، مبيناً أنه من منظور اقتصادي يمكن تحليل هذا القرار من عدة زوايا.

 

واستعرض السعدي لـ "الجبال" الأسباب الاقتصادية بالقول، نقل السوق سيؤدي إلى تقليل الازدحام المروري في مركز المدينة، مما يسهم في تحسين نوعية الحياة للسكان المحليين وزوار العاصمة، إذ أن الأسواق المركزية الكبيرة مثل الشورجة غالباً ما تكون مصدراً رئيسياً للازدحام المروري، ونقلها إلى أطراف المدينة قد يكون حلاً فعالاً لتخفيف هذه المشكلة. 

 

وتابع: "ستحقق بغداد بيئة أكثر ملاءمة للسكان، وهو ما قد ينعكس إيجاباً على النشاط الاقتصادي بشكل عام من خلال زيادة جاذبية المدينة للاستثمارات والسياحة، كما أن إعادة هيكلة السوق ونقله يمكن أن يعزز الكفاءة التشغيلية ويؤدي إلى تطوير بنية تحتية حديثة تلبي احتياجات التجار والمستهلكين بشكل أفضل".

 

ورأى أن إنشاء أماكن وأسواق جديدة في مناطق مثل بوب الشام وأبو غريب وجرف النداف وعويريج سيوفر للتجار مساحات حديثة مجهزة بشكل أفضل للتعامل مع متطلبات التجارة بالجملة، هذا التحديث يمكن أن يسهم في تحسين جودة الخدمات وزيادة تنافسية السوق.

 

ومن الناحية البيئية، يشير السعدي إلى نقل الأنشطة التجارية الكبيرة مثل الشورجة إلى أطراف المدينة يقلل من التلوث في المركز ويعزز من جودة البيئة الحضرية، وتقليل الضوضاء والتلوث البيئي في المناطق السكنية يسهم في تحسين الصحة العامة ونوعية الحياة للسكان بغداد.

 

ودعا استاذ الاقتصاد الدولي، صناع القرار إلى مراعاة الناحية التراثية والثقافية، "فإن الوضع الحالي لسوق الشورجة يتميز بالفوضى والاستيلاء على ممشى السوق بواسطة الأكشاك العشوائية، مما أضر بالوجه التراثي للسوق. لذلك السوق بحاجة إلى إزالة هذه الأكشاك العشوائية ورفع النفايات للحفاظ على الطابع التاريخي للسوق"، مشدداً على ضرورة أن تبقى المحلات القديمة وتتم صيانتها بشكل يظهر الأبنية التراثية لبغداد، والتي تعد ضائعة الآن خلف اللافتات التجارية. "يمكن أن يكون الهدف من ذلك جعل الشورجة شبيهة بالبزار الكبير في القاهرة أو سوق الحميدية في دمشق، مما يعزز من قيمتها التاريخية والثقافية".

 

لكن السعدي، أعرب عن قلقه من استحواذ الجهات المتنفذة على السوق بعد انتقال التجار، فإن هذا القلق وارد جداً نظراً لسوابق مشابهة في الاستثمار واستحواذ الجهات المتنفذة على المواقع الذهبية. 

 

وأقر السعدي بأن "هدم الشورجة وبناء عمارات ومكاتب جديدة لصالح جهات سياسية متنفذة يعد احتمالاً كارثياً، وقد يؤدي إلى ضغط هذه الجهات على أمانة بغداد أو المشاركة في المزايدات"، معلّقاً: "للأسف، مثل هذه السيناريوهات تحدث يومياً،  لكن في النهاية على المدى الطويل، يمكن أن يؤدي هذا القرار إلى إعادة توزيع النشاط الاقتصادي في بغداد، مما يسهم في تحقيق تنمية اقتصادية أكثر توازناً".

 

إن نقل الأنشطة التجارية والصناعية إلى الأطراف يمكن أن يخلق فرص عمل جديدة ويعزز من تنمية تلك المناطق وخاصة اطراف بغداد، حسب قول السعدي.

 

لعبت دوراً اجتماعياً

 

في حين، أكد الباحث الاقتصادي، بسام رعد، أن أسواق الشورجة على مدى عقود سابقة لعبت دوراً اجتماعياً كبيراً تجاوز المنظور التجاري لها ورسخت هذه الأسواق الثقافة والتقاليد البغدادية. 

 

وقال رعد في حديثه لـ "الجبال"، أن الشورجة تمثل المركز التجاري والاقتصادي الأكبر في قلب العراق والذي تتم فيه عمليات البيع والشراء للسلع والخدمات باعتبارها نقطة التقاء بين التجار وباعة التجزئة والمستهلكين.

 

وأوضح، أن السنوات الماضية شهدت تحولات اقتصادية واجتماعية كبيرة، رافقها إهمال تنظيم التجارة الداخلية، وانعكست أثار ما سبق على الحياة اليومية للمواطن وتعرضت الفضاءات التي تتواجد فيها الشورجة لزخم بشري وباتت تشكل نقطة تكدس مروري  في قلب العاصمة.

 

نوّه رعد إلى أنه للحد من الزخم المروري الحاصل ينبغي نقل الأسواق العشوائية والمخازن التجارية إلى خارج الكتلة السكانية من سوق الشورجة  بعد أن يتم توفير مكان بديل من خلال إنشاء سوق حديثة تراعى فيها إجراءات السلامة والصحة المهنية وتكون موصولة بخطوط نقل عامة تربطها مع جميع مناطق العاصمة. 

 

أما أسواق الشورجة الحالية، مثل الصفارين والعطارين والخفافين والسراي والهرج الكبير وشارع النهر فينبغي إعادة ترميمها والمحافظة عليها كونها أحد معالم بغداد الحضارية والتي يشرق منها نبض التراث والحضارة وتحويلها إلى مناطق جذب للسياحة التراثية والثقافية، بحسب الباحث الاقتصادي.

جبار الحاج

نُشرت في الأحد 11 أغسطس 2024 02:20 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.