تصميم "فريد" يُحاكي حضارات العراق القديمة.. كل ما تريد معرفته عن كنيسة إبراهيم الخليل في الناصرية (صور)

8 قراءة دقيقة
تصميم "فريد" يُحاكي حضارات العراق القديمة.. كل ما تريد معرفته عن كنيسة إبراهيم الخليل في الناصرية (صور) كنيسة إبراهيم الخليل في الناصرية - (الجبال)

منذ وضع الطابوقة الأولى في أساسات كنيسة إبراهيم الخليل والتي تم اختيار موقعها في غرب مدينة الناصرية، باتت الأنظار تتجه نحو هذا المشروع الديني، إذ يرى الكثير من الخبراء والمتخصصين في مجال السياحة أن هذا الموقع قد يكون نقطة تحوّل مهمة في زيادة الوفود السياحية إلى المدينة كما يعتبرونه مكاناً مثالياً لإقامة قداس الحجيج المسيحي في مدينة تُعرف بتاريخها في التعايش الديني بين مختلف الأديان.

 

مدينة الناصرية التي يزيد عدد سكانها عن مليونين و300 ألف نسمة، تضم بين طيّاتها تنوعاً دينياً مميزاً، حيث يعتنق سكانها عبر تاريخ هذه المدينة العديد من الديانات المختلفة من بينها الصابئة والمسيحية واليهودية، إلى جانب الغالبية المسلمة، فهذه المدينة تعكس صورة من التآخي والتعايش السلمي بين جميع الأديان، مما يجعلها وجهة مثالية للتبادل الثقافي والديني.

 

زيارة البابا تعزز من أهمية مدينة أور وبيت إبراهيم الخليل عالمياً

وتعود فكرة إنشاء الكنيسة إلى زيارة بابا الفاتيكان في مارس 2021 إلى مدينة أور الأثرية، حيث ترأس الصلاة الإبراهيمية بحضور شخصيات دينية من مختلف الطوائف والديانات وهذه الزيارة التي أُقيمت في قلب التاريخ والدين عند بيت النبي ابراهيم الخليل عليه السلام قرب زقورة أور الآثارية كانت محط أنظار العالم، مما دفع الحكومة المركزية للاستفادة من هذا الحدث بشكل أكبر وتوظيفه في إطار مشاريع اقتصادية وسياسية تهدف إلى جذب السياحة والاستثمار.

 

وتم اختيار موقع الكنيسة على بُعد 1600 متر فقط من المدينة الأثرية لتكون جزءاً من مشروع سياحي متكامل في مدينة أور السياحية ويشمل المشروع مسرحاً سومرياً ومناطق مخصصة لإقامة الفعاليات بالإضافة إلى مساحات واسعة لطرح استثمارات مستقبلية مثل الفنادق والمنتجعات ويُنظر إلى هذا المشروع على أنه مركز حوار الأديان، حيث يتضمن إنشاء كنيسة ومسجد لكن العمل في المسجد لم يبدأ بعد، في حين تم إنشاء الكنيسة بتمويل من متبرع مسيحي عراقي.

 

كنيسة تاريخية بتصميم فريد

الكنيسة، التي سُميت بـ "كنيسة النبي إبراهيم الخليل" تمتد على مساحة 4 دونمات، لتكون بذلك معلماً دينياً جديداً في المنطقة وسط تباين الآراء حول آثارها الاجتماعية والثقافية.

 

 

وقال مدير المشروع، طالب داوود، في حديث لـ"الجبال" عن تفاصيل تصميم الكنيسة، إن "المبنى صُمم ليحاكي حضارات العراق القديمة، حيث جاء تصميمه مستوحى من الزقورة في أور، بينما يعكس جانبه الآخر تصميم حدائق بابل المعلقة وأن الكنيسة صممت بشكل دقيق للغاية بحيث يمكن مشاهدتها من السماء على شكل مدينة بغداد المدورة".

 

تتسع قاعة الكنيسة لـ750 شخصاً، مما يتيح استيعاب الوفود المسيحية التي قد تحضر لزيارة الموقع. وقد تم وضع برج بارتفاع 13 متراً في قلب المبنى، بالإضافة إلى ممرات وحدائق ونقوشات داخلية مميزة تعكس الطابع التاريخي العميق للموقع، بحسب داوود.

 

 

المسيحيون ومعتنقو الديانات الأخرى في تاريخ الناصرية

وفقاً للمؤرخ عبد الحليم الحصيني الذي أشار في حديث لمنصة "الجبال"، إلى أن "المسيحيين في الناصرية كانوا يشغلون عدة مهن رغم أنهم كانوا يشكّلون أقلية صغيرة لا تتجاوز عدد نفوسهم الـ60 فرداً، ومع ذلك، تركوا بصماتهم في تاريخ المدينة، إذ شهدت المدينة افتتاح أول صيدلية عام 1928 على يد الصيدلاني المسيحي يوسف برزيز، كما اشتهرت عائلة طوبيا جرجيس بتجارة ناجحة وكانت من شخصياتهم البارزة يوسف سلمان (المعروف بفهد) الذي أسس خلية الحزب الشيوعي في الشطرة شمال المحافظة ولم يكن لديهم في المدينة كنيسة خاصة بهم للصلاة وإقامة القداس فكانوا يتوجهون إلى محافظة البصرة حيث يقيمون صلواتهم واحتفالاتهم الدينية".

 

وفي نفس الفترة كانت المحافظة تحتضن حوالي 160 شخصاً من الديانة اليهودية إذ كانوا يمارسون طقوسهم الدينية في مكان عبادة خاص بهم يُسمى "التوراة" إلا أن الظروف السياسية والاجتماعية التي مر بها العراق دفعت هؤلاء إلى الهجرة بداية إلى بغداد ثم إلى الخارج بعد عام 1951 ليختفي أثرهم تدريجياً في المدينة، بحسب المؤرخ الحصيني.

 

أما الصابئة، فقد أشار الحصيني إلى أنهم "لا يزالون يشكّلون جزءاً من المجتمع في محافظة ذي قار، حيث يقدر عددهم اليوم بحوالي 1000 نسمة ويمتهنون مهنة صياغة الذهب ولديهم أماكن خاصة للعبادة تُسمى (المندي) وتوجد منها في مركز الناصرية وقضاء سوق الشيوخ، حيث يواصلون ممارسة طقوسهم الدينية التي تمثل جزءاً من التراث الثقافي والديني في المنطقة".

 

ويظهر هذا التعدد في التقاليد الدينية مستوى التنوع الديني والذي يميّز المدينة على مرّ العصور، مما يعكس روح التعايش والاحترام المتبادل بين الأديان.

 

مدينة أور مركزاً للحوار بين الأديان

يرى ماهر طوبيا عميد الأسرة المسيحية الوحيدة في الناصرية، أن "إنشاء الكنيسة ومركز حوار الأديان يعد تجسيداً حقيقياً للتنوع الديني الذي شهدته المدينة على مرّ العشرات من السنين".

 

 

ويعبر طوبيا عن "اعتزازه بهذا التطور"، لافتاً إلى أن "الناصرية كانت ولا تزال تجمع مختلف الطوائف والمذاهب بروح من التآلف والتعايش السلمي فالمدينة يوجد فيها المسجد للمسلم والمندي للصابئي واليوم ستكون كنيسة لإقامة القداس، خاصة في زياراتنا لبيت النبي إبراهيم الخليل".

 

مستشار محافظ ذي قار حيدر سعدي، لفت في حديثه لمنصة "الجبال"، إلى أن "إقامة مشاريع مثل الكنيسة بالقرب من موقع مدينة أور الاثارية تحمل أبعاداً اقتصادية وثقافية ودينية هامة للمحافظة. إذ أنها ستساهم بشكل إيجابي في زيادة الإيرادات الاقتصادية للمحافظة، فضلاً عن تعزيز مستوى التبادل الثقافي بين الزوار والوافدين".

 

وأشار سعدي إلى أن "زيارة الحبر الأعظم إلى مدينة أور الأثرية، وإقامته الصلاة قرب بيت النبي إبراهيم الخليل، كانت نقطة تحوّل مهمة في توظيف هذا الحدث التاريخي لتعزيز السياحة الدينية والثقافية في المنطقة ونتيجة لهذه الزيارة كان من الضروري توفير أماكن مناسبة لإقامة القداس بالقرب من هذا الموقع الأثري، الأمر الذي سيسهم في جذب السياح من مختلف أنحاء العالم".

 

توقعات بنمو السياحة وتعزيز الاقتصاد المحلي

وتوقع مستشار المحافظ أن "يسهم المشروع في تعزيز الحركة السياحية في ذي قار ويجعل من المدينة وجهة دينية وثقافية مميزة، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على الاقتصاد المحلي، ويضيف قيمة جديدة إلى منطقة أور الأثرية، بما يعزز من مكانتها على الخارطة السياحية العالمية".

 

من جانبه، كشف مدير مفتشية آثار ذي قار شامل الرميض في تصريح لمنصّة "الجبال"، عن "إقبال كبير من السياح الأجانب على زيارة مدينة أور الأثرية وبيت ابراهيم الخليل خلال عام 2024، حيث بلغ عددهم نحو 1000 سائح من مختلف الجنسيات".

 

 

وأشار الرميض إلى أن "الوفود المسيحية كانت تلتقي في الماضي لإقامة قداسها بالقرب من بيت النبي إبراهيم الخليل في أور؛ ولكنها اليوم تقيم صلواتها داخل الكنيسة التي تم إنشاؤها حديثاً، رغم أنها لم تفتتح بشكل رسمي بعد".

 

وأضاف أن "عدد الوفود المسيحية التي زارت المدينة لأداء قداسها خلال العام الماضي تجاوز الـ 70 وفداً، مما يعكس أهمية المدينة كوجهة دينية وثقافية".

 

التعايش بين الأديان في الناصرية

وفي مقابل ذلك، يرى رجل الدين الشيخ حيدر عبد السادة أن "المخاوف التي يبديها البعض عن تاثيرات الكنيسة على واقع المجتمع والتوجه الديني هي مجرد هواجس مستقبلية وأنه من غير الممكن أن يتخلى شخص عن ديانته بسهولة خاصة في الأجيال القادمة التي تتمتع بتفكير مختلف عن أجيالنا الحالية. وقال إن "إنشاء الكنيسة لأغراض دينية لا يتعارض مع القيم الإنسانية بل يعكس مستوى من التفاهم والاحترام بين الأديان".

 

إلى ذلك، بيّن الباحث الأثري عامر عبد الرزاق، أن "أرض مدينة أور تحتضن موطن النبي إبراهيم الخليل، فهي مهد الأديان وأول منبع لها وأن زيارة بابا الفاتيكان تمثل فرصة يمكن أن تُسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني، إذ يمكن أن تكون مصدراً مهماً للوفود والحجيج المسيحي".

 

كما رأى عبدالرزاق، أن "هذه الزيارة قد تفتح الباب أمام المنطقة لتكون مركزاً رئيسياً للحوار بين الأديان مما يسلط الضوء على تاريخها العريق وأهميتها الدينية".

 

 

الجبال

نُشرت في الأحد 2 فبراير 2025 10:30 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.