مخطط 2003

4 قراءة دقيقة
مخطط 2003 تعبيرية

حين غادر الأميركان العراق في أواخر عام 2011، كانوا يعتقدون أنهم يسلّمون البلد إلى سلطة يتزّعمها الشيعة المعتدلون، ويشارك فيها الكورد والسنّة وبقيّة المكونات بفاعلية وكفاءة.

 

كان الأميركان ينظرون بريبة إلى التيّار الصدري، الذي يوصف بأنه راديكالي متشدّد، ظل يناوئ الأميركان العداء حتى بعد خروجهم من العراق، وعلى الجانب الآخر قوى شيعية تميل إلى إيران، بل ولا تخفي أنها تمثل مصالح الدولة الجارة في العراق. وكان الاستثمار في حزب الدعوة لقيادة البلد، مناسباً ـ أو لا مفرّ منه ـ خصوصاً بعد عمليات صولة الفرسان، والجرأة التي أبداها المالكي للإطاحة بجماعات شيعية مسلّحة خارجة على القانون.

 

لكن هبوب رياح "الربيع العربي" في السنة ذاتها، قلبت الموازين، وشعر المالكي والمقرّبين منه بالخوف من اندلاع التظاهرات والاحتجاجات في سوريا في آذار ومايس 2011، والتي تطوّرت سريعاً لتتحوّل إلى مواجهات مسلّحة، أو ما يشبه الحرب الأهلية الطائفية.

 

قبلها بعامين، في صيف 2009، احتج المالكي ضد النظام السوري، متهماً إياه بالمسؤولية وراء تفجيرات وزارة الخارجية في وقتها. لكنه أضطر لإعادة النظر في حساباته، ليتحوّل ذات النظام المتهم بدعم الإرهاب، إلى حليف ستراتيجي.

 

في مطلع عام 2012 أصدر المالكي مذكرة إلقاء قبض بحقّ أهم شخصية سنيّة في البلاد، طارق الهاشمي، متهماً إياه بدعم الإرهاب في العراق، وفرّ الهاشمي لاحقاً، ثم ليلحقه بعدها ببضعة أشهر بمذكرة اعتقال بحقّ موظفي وحمايات رافع العيساوي، لتبدأ صفحة مشتعلة من التوتر مع القيادات السنّية في العراق، وبدا المالكي في كلّ هذه المحطّات حتى دخول داعش للبلاد في حزيران 2014، وكأنه يذكي النيران ولا يطفئها.

 

وأياً كان حجم مسؤوليته عن توفير الظروف لاحتلال داعش ثلاث محافظات عراقية، فإنه، عن سبق إصرار، أو غفلة منه، كان يدفع باتجاه انتحار النظام السياسي العراقي برمّته.

 

خرج المالكي من رئاسة الوزراء لاحقاً وقد اكتملت مهمّة شيطنة السنّة في العراق، ولم يعد للمعتدلين الشيعة أي فرص في المواجهة، أو هذا ربما ما كان يخطّط له المالكي، الاعتماد على المتشدّدين الشيعة وفرض سلطته على البلاد بالقوّة. ويحتاج حضور المتشدّدين إلى قصّة مناسبة عن الآخر العدو، السنّي الذي إما هو بعثي أو إرهابي، ولا يوجد بينهما خيار ثالث.

 

من منتصف 2014 وإلى اليوم، لم تعد الرؤوس متساوية، ويهيمن الشيعة المتشدّدون على كلّ المفاصل الحسّاسة بالبلد، ولم تعد فكرة الشراكة، التي بدأ بها نظام 2003 تعني شيئاً، سوى أن يقبل الشركاء بما تمليه إرادة الشيعة المتشدّدين.

 

يتكئ هؤلاء المتشدّدون على إيران، ويسعون إلى المطابقة والمشابهة بين البلدين، وتجسير الفجوات بين النظامين السياسيّين، و"تخفيف" الديمقراطية في العراق، أو إعادة صياغتها، كي تناسب الشكل الاستبدادي للنظام الايراني.

 

إنهم يحتاجون للإبقاء على شكل النظام الديمقراطي في العراق حتى يناسب ذلك انفتاح العراق على العالم، وعدم اغضاب أميركا، ولولا ذلك لربما عملوا استفتاء للانضمام إلى الجمهورية الإسلامية في إيران.

 

ولكن، ماذا لو أن قبضة النظام الايراني ارتخت، وأفلت العراق من أيدي قادة إيران؟ لا يشير الهدوء الحذر الذي بدا على إدارة ترامب حتى الآن تجاه إيران، أنها بصدد اتخاذ إجراء عسكري، ولم يصرّح ترامب ولا المقرّبين منه أن لديهم مشروعاً لإخراج إيران من العراق، حتى الآن على الأقل.

 

لكن، إن حدث شيء من هذا في المستقبل، فإن داعمي سلطة المتشدّدين الشيعة في العراق أقليّة، حتى من بين الشيعة أنفسهم، وسيحاول السنّة استثمار هذا الضعف لبناء كيان سياسي وإداري مستقل، ربما على على وفق أنموذج إقليم كوردستان. وربما لن يمنعهم عن ذلك سوى الصراعات البينية وضعف الكفاءة والإخلاص لهذا المشروع.

 

إن الذي ينقذ النظام العراقي الحالي من الاحتمالات السيئة، هو أن يعود الجميع إلى مخطّط 2003، ويتم التخلّص من المتشدّدين، لأنهم يسحبون الجميع معهم إلى الهاوية.

أحمد سعداوي كاتب وروائي

نُشرت في السبت 25 يناير 2025 01:50 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.