جدل "منع المكياج" عن الطالبات في جامعة سامراء.. القصة الكاملة لمساع القدسية ودخول "الإطار التنسيقي"

7 قراءة دقيقة
جدل "منع المكياج" عن الطالبات في جامعة سامراء.. القصة الكاملة لمساع القدسية ودخول "الإطار التنسيقي"

في خطوة تصعيدية أثارت موجة من الاستياء والجدل، بدأت جامعة سامراء بتطبيق إجراءات مشددة لمنع الطالبات من وضع أي مساحيق تجميلية داخل الحرم الجامعي، حيث جاءت هذه الإجراءات بعد موجة من الاحتجاجات على تعميم سابق يمنع الطالبات من وضع المكياج، بحجة "قدسية مدينة سامراء" و"الامتثال للعادات والقيم الاجتماعية". 

 

وبدأت القصة حين شهد صباح يوم الأربعاء الموافق 8 كانون الثاني/يناير 2025، قيام موظفات الاستعلامات بتفتيش الطالبات بشكل مُشدد عند مداخل الجامعة، ومسح وجوههن بمنديل مُرطب (كلينكس) للتأكد من خلوها من أي مساحيق تجميلية، كما شمل التفتيش أيضاً حقائب الطالبات لمصادرة أي مواد تجميلية يتم العثور عليها.

 

منال، وهي طالبة في الجامعة تواصلت معها "الجبال"، اتصلت في ذلك اليوم بزوجها وهي في حالة انفعال شديد بعد أن تعرضت لهذا الإجراء، قائلةً له بصوت متقطع: "الاستعلامات يمسحون وجوه البنات بالكلينكس، أنا لا أقبل أن يفعل بي أحدٌ هذا."

 

هذا الإجراء أثار استياءً واسعاً بين الطالبات واعتُبر تعدياً على حريتهن الشخصية، وتجاوزاً غير مقبول من إدارة الجامعة، بحسب طالبات تواصلت معهن "الجبال"، حول الموضوع. 

 

اتهامات باستغلال رئيس جامعة سامراء لـ"منصبه"

 

أحد أعضاء الكادر التدريسي في جامعة سامراء - رفض الكشف عن اسمه الحقيقي لأسباب تتعلق بوظيفته – رأى في حديث لـ"الجبال"، أن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الجامعة بمنع الطالبات من وضع المكياج، "جاءت بمبادرة من رئيس الجامعة، الدكتور صباح علاوي خلف، كنوع من التملق للقوى السياسية الإسلامية الشيعية"، على حد وصفه.

 

ويعتقد التدريسي أن "هذه الخطوة تأتي في سياق محاولة رئيس الجامعة للتمسك بمنصبه، خاصة بعد فشله في الحصول على موافقة مجلس الوزراء لتثبيته في منصبه بشكل رسمي، حيث يدير الجامعة بالوكالة منذ مدة طويلة"، مشيراً إلى أن "خلفية الدكتور علاوي ذات الأصول الإسلامية المتشددة، وكونه كان عضواً فاعلاً في حركة الإخوان المسلمين قبل عام 2003، مما يجعله عرضة للاستغلال من أي جهة سياسية مقابل ضمان بقائه في منصبه"، وفق حديث التدريسي. 

 

ويتهم التدريسي رئيس الجامعة أيضاً بـ"السعي من خلال هذه الإجراءات إلى إغلاق ملفات قضايا الفساد المالي والإداري المثارة ضده في وزارة التعليم العالي وهيئة النزاهة"، بحسب التدريسي الذي أشار إلى أن "إحدى هذه القضايا، وهي تعاقد رئيس الجامعة مع أبنائه التوأم، على الرغم من كونهما دون سن الثامنة عشرة". 

 

تضييق الحريات في مسار تحويل سامراء إلى مدينة دينية

 

وتشهد مدينة سامراء مساعي متزايدة من قبل جهات دينية مختلفة، تهدف إلى تحويلها إلى مدينة دينية بالكامل على غرار مدينتي كربلاء والنجف، حيث تأتي هذه المساعي بعد أن بدأت الحوزة الدينية، ممثلة بالعتبات، باستملاك الأراضي المحيطة بمرقدي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري.

 

وتتخذ هذه الجهات، التي تشمل دائرة الوقف السني وأئمة المساجد وصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي، خطوات تصعيدية تُثير مخاوف من تضييق الحريات وفرض نمط حياة ديني مُتشدد على سكان المدينة، بحسب ناشط حقوقي رفض الكشف عن اسمه "خوفاً من الميليشيات" على حد تعبيره.

 

ومن بين هذه الإجراءات ـ والحديث للناشط ـ "قيام الوقف السني بمنع إقامة احتفال في مطعم (في وضي) بالقوة، وهو مطعم يقع ضمن مشروع مسبح سامراء".

 

وقد تسبب هذا المنع في خسائر كبيرة لمستثمري المطعم، الذين كانوا قد حصلوا بالفعل على حجوزات مسبقة من العائلات، فيما تم تبرير المنع بحجة وجود مطرب في الاحتفال، وهو ما "لا يتناسب مع قدسية المدينة". 

 

وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي إطلاق وسم "#سامراء_لاتحتفل_برأس_السنة" من قبل بعض الأفراد والصفحات، في محاولة لمنع الاحتفالات برأس السنة في المدينة، بالإضافة إلى المساعي المذكورة لتحويل سامراء إلى مدينة دينية، بالوقت الذي تظهر بين الحين والآخر أصوات على صفحات التواصل الاجتماعي تُطالب بمنع خروج النساء إلى الأسواق، خاصةً قبيل الأعياد، وتُعلل هذه المطالبات بأن النساء يخرجن "متبرجات" وأن ذلك "لا يجوز"، بحسب الناشط. 

 

وتواصلت "الجبال"، مع أحد الأكاديميين الذي رأى أن "المثير هو أن هذه الصفحات غالباً ما تنشر محتواها بناءً على الدفع والتمويل، أي أنها مدفوعة الأجر، كما يُشاع أيضاً أن هذه الصفحات تتبع في كثير من الأحيان جهات سياسية تسعى لتحقيق أهداف معينة من خلال هذه الحملات".

 

وفي الأثناء، يرى ممثل نقابة الأكاديميين في جامعة سامراء، عباس الحيالي، في تصريحه لـ"الجبال"، أنه "تماشيًا مع ما تحمله مدينة سامراء من قدسية دينية باعتبارها عاصمة الحضارة الإسلامية، وكذلك وجود مرقدي الإمامين العسكريين، فإن هناك ضرورة الالتزام بالحد الأدنى على الأقل من قواعد اللباس المحتشم".

 

وأكد الحيالي أنه "لم يتم التشاور مع النقابة في اتخاذ قرار منع التبرج"، مستدركاً بالقول: "لكن هذا الأمر من واجبات وزارة التربية، وليس وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بمعنى أن الطالب عند دخوله الجامعة يجب أن يكون قد اكتسب التربية الصحيحة في المدارس وتأهل لدخولها".

 

ويعتقد الحيالي أن "هذا يندرج ضمن اختصاص الأسرة، ويمكن للجامعة التواصل مع أسر الطلبة الذين يبالغون في التبرج لتتم التوعية والتوجيه على المستوى الأسري"، مضيفاً: "نحن معنيون بالعلم، لأن جامعتنا ليست جامعة إسلامية".

 

"الإطار" داخل الجامعة

 

وتواصلت "الجبال" مع مصادر عديدة في جامعة سامراء، حيث يتحدثون عن أنها "تشهد منذ عامين ممارسة إشكالية في توزيع المناصب الإدارية، إذ يتم تخصيص حصص إطارية مسبقة لأعضاء هيئة التدريس والموظفين بدعوى أنها حصص شيعية"، مبينين أن "هذه الحصص لا تستند إلى معايير الكفاءة والجدارة العلمية والإدارية، بل تُمنح بناءً على اعتبارات طائفية بحتة، ترتبط بالإطار التنسيقي في المحافظة".

 

وبالنسبة للمصادر، فإن ذلك "يظهر جليًا في تولي بعض الأساتذة والأستاذات مناصب إدارية رفيعة المستوى فور تعيينهم، حتى قبل تثبيتهم في وظائفهم الأصلية، ما يعني أنهم ما زالوا في فترة الاختبار". 

 

وتضرب المصادر أمثلة من هذه المناصب، منها "رئاسة أقسام علمية أو منصب معاون عميد"، معتبرين أن هذه "الممارسة تعد خللًا إدارياً خطيراً، يتم التجاهل فيه وجود أساتذة آخرين يتمتعون بمؤهلات علمية أعلى وخبرة أكاديمية وإدارية أطول، ممّا يُقصيهم عن فرص تولّي المناصب التي يستحقونها بجدارة".

 

وقال أكاديمي من داخل الجامعة، إن "بعض التدريسيين وعندما يسألون رئيس الجامعة عن معايير اختيار المناصب، يُجيب بأن هذه التعيينات تأتي ضمن حصة الشيعة في الجامعة، وهو ما يؤكد الطابع الطائفي لهذه الممارسة الإدارية".

الجبال

نُشرت في الثلاثاء 14 يناير 2025 02:30 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


المزيد من المنشورات

© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.