كشف رئيس جهاز الأمن الوطني العراقي، عبد الكريم عبد فاضل "أبو علي البصري"، أن المعلومات الاستخبارية للجهاز الأمني العراقي أجهضت عمليات إرهابية عالمية، داعياً القائمين على سجون بشمال غرب سوريا إلى تسليم الإرهابيين المحتجزين لديهم إلى حكومات بلدانهم.
البصري وفي حديث خاص للجريدة الرسمية، اليوم الإثنين، حذّر من أن يصبح هذا "التكتيك" الجديد - الذي لا يمكن التنبؤ بحدوثه - من أقوى التنظيمات الإرهابية الخفية كفاءة فنياً وبشرياً وأكثر بروزاً في المستقبل، وأن يمثّل خطراً أكبر من التنظيمات المعروفة مثل تنظيم "داعش" أو تنظيم "القاعدة" والتنظيمات الإرهابية المتفرّعة عنهما، مبيناً أن "أغلبية العمليات الفتّاكة الكبيرة منذ العام 2014 لغاية الآن، تشكّل أكبر تحد أمني للأجهزة الاستخبارية بالمدن المستهدفة في أوروبا وأميركا وروسيا، إذ لا تستطيع تلك الأجهزة تقدير شخوص ومكان وزمان وأهداف تلك العمليات".
"ذئاب منفردة"
ولفت إلى أن التنظيم "الإرهابي الاتصالي المرموز" يتكأ على الذئاب المنفردة المائعة في مجتمعاتها وتراهن بالأساس على الفعل بالأرض، من خلال استهداف البشر أو الفعاليات الحساسة، وهي تراهن - وبالقدر ذاته - على توظيف الإنترنت والمستجدات التكنولوجية، وشبكات إلكترونية فائقة الدقة، وتوفيرها لكل "ذئب منفرد" لإثبات قدرتها على المواجهة والرد - إن لم يكن لترويع وشلِّ حركة "الأفراد" وزعزعة الأمن - فعلى الأقل لإحراج الحكومات أمام شعوبها.
وحذّر البصري، من توسّع في تحركات هذه العمليات وامتدادها إلى دول ومدن أخرى، وقال إن "خطورة بروز ظاهرة (الذئاب المنفردة) تكمن بأن الأجهزة الأمنية في أي دولة تتدرب عادة على سبل المراقبة وإحباط العمليات التي قد تنفذها قيادة تخطط وعناصر تنفذ، ولها بصمة واضحة تساعد في مراقبتها، كما يمكن ردعها بضرب قواعدها وقيادتها وممتلكاتها، فيما تنفذ العمليات الجديدة (الذئاب) التي غالباً ما يكونوا أفراداً عاديين لا تظهر لهم سلوكيات يمكن للأجهزة الأمنية أن تلاحظ ريبة في حركاتهم وسلوكهم".
"الإرهاب الجديد"
وأضاف أن "التقديرات التقريبية تشير إلى أن أكثر من نصف الحركات المصنفة حركات (إرهابية منفردة أو تنظيمات) لها موطئ قدم بشبكة الإنترنت، وعناوين إلكترونية ثابتة بالإمكان الولوج إليها، على شكل حسابات على الشبكات الاجتماعية ذات الانتشار الجماهيري الواسع، كـ(الفيس بوك والتويتر واليوتيوب وغيرها) لتجنيد الإرهابيين وتحفيز المنفردين عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يتم سحبهم إلى (بيئات افتراضية) عبر الإنترنت ويمكن أن يستغل للتمويل (الطابع العسكري للإرهاب الجديد)، كذلك التواصل بين الجماعات وبداخلها، وتبادل المعلومات والأفكار، والتدريب بشأن كيفية إصابة الأهداف واختراقها، وكيفية صنع المتفجرات، وكيفية التنسيق والتخطيط، واختراق المؤسسات الحساسة، وتعطيل الخدمات الحكومية الإلكترونية والتعرض لبنوك دولية"، مبيناً أن "ما جرى في أميركا وألمانيا مؤخراً وقبلها فرنسا وروسيا من دهس وإطلاق نار، دفع مجدداً لنوع من التحديدات الإرهابية طالما شكّل رمز (الذئاب المنفردة) مصدر تهديد مفاجئ".
أشار رئيس جهاز الأمن الوطني العراقي إلى أن "أحدث البيانات والإحصائيات أظهرت أن عدد الهجمات والهجمات المخطط لها بـ (الذئاب المنفردة) قد زاد بالأضعاف منذ عام 2022 كمعدل سنوي للهجمات الإرهابية المنظمة أو (الموجّهة) المميتة من قطع الرؤوس البشرية والطعن بالسكين والدهس وإطلاق النار على المارة في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وأسبانيا والسويد والنرويج وبلجيكا وروسيا وإيران والنيجر وإندونيسيا، وأخيراً في أميركا".
"سجون سوريا"
من ناحية أخرى، يرى "أبو علي البصري"، أنه "لا مبرر لوجود آلاف الإرهابيين في السجون السورية من جنسيات عراقية وعربية وأجنبية وعوائلهم ممن يصنفون من أخطر الإرهابيين عالمياً"، وقال إن "سجن الهول والصوامع في الرقة، وسجن الثانويَّة الصناعيَّة؛ تأوي آلاف الإرهابيين من جنسيات مختلفة منذ أكثر من عشر سنوات وهي تحت سلطة قوات سوريا الديمقراطية"، محذراً "من انتشارهم عالمياً".
كما أوضح أن "تنظيم داعش الإرهابي يخطط لإخراجهم من تلك السجون، بالتالي هناك فرص كثيرة تتيح لهم الانتقال إلى دول أخرى، إذ تربطهم علاقات متشابكة مع الفصائل المسلحة في سوريا ستساعدهم على هروبهم من سجونهم". وشدّد على أن "جهاز الأمن الوطني والأجهزة الاستخبارية العراقية لديها القدرة والمعلومات والطرق والأساليب النوعية على المتابعة والمعالجة الاستخبارية والعسكرية في حال هروب هؤلاء الإرهابيين أو إخراجهم عنوة من قبل تنظيم داعش وفروعه المنتشرة بالمناطق المحيطة بالسجون، بما يضمن الحفاظ على أمننا والإقليمي والدولي".
أكد البصري أن "هؤلاء الإرهابيين (في سجون سوريا) أهداف مكشوفة ومعرّفة لدى أجهزتنا ونراقبها، وسنتعامل بالتنسيق مع أجهزة استخبارات الدول الصديقة لتقويض أهدافهم الإرهابية".
"أحداث رياضية عالمية"
رئيس جهاز الأمن الوطني، كشف في حديثه، عن "معلومات استخبارية عراقية أسهمت في تأمين أبرز ثلاثة أحداث عالمية رياضية في دول أوروبية وإفريقية وآسيوية".
وقال إن "معلوماتنا مكّنت على مدى السنوات الماضية أجهزة استخبارات عالمية في دول مختلفة من تأمين أهداف كبرى خطط داعش لاستهدافها في أوروبا وجنوب إفريقيا وتركيا وآسيا"، منوّهاً إلى أن "جهاز الأمن الوطني قدّم معلومات وصفت بـ(الدقيقة) بشأن مقيمين في مدن أوروبية كانوا بصدد التحضير لتنفيذ عمليات إرهابية وشيكة كانت تستهدف أبرز حدثيين عالميين، الأول (أولمبياد باريس) في تموز 2024 والثاني (بطولة أوروبا في ألمانيا) في حزيران 2024، كما أسهمت معلوماتنا بإجهاض مخططات مشابهة أثناء بطولة (كأس العالم في جنوب إفريقيا) 2010، كذلك خطط الهجوم على سفارات ألمانيا وبريطانيا في تركيا".
وأكد البصري أن "تلك المعلومات مكّنت الأجهزة الأمنية في تلك الدول (من تحييد مخاطر هذا المشروع الإرهابي) واعتقال مجموعة إرهابية، كانت تنوي استهداف أكبر التجمعات الرياضية عالمياً (أولمبياد باريس).
ولفت إلى أن "عملية تبادل المعلومات بين أجهزتنا الأمنية لفائدة نظيرتها الأوروبية، تمت تحت إشراف ومتابعة رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني، وعبر قنوات حكومية قبيل الافتتاح الرسمي لـ(أولمبياد باريس) بوقت يشبه المعجزة في الإبلاغ والحصول على المعلومة والرسالة التحذيرية للبلدان المستهدفة، حيث ساعدت المعلومات الاستخبارية العراقية على تأمين المدن والمواقع المخصصة لإقامة الأولمبياد من دون إثارة أو تسريب إعلامي يغيّر من مداولات الاستقرار الأمني عالمياً، والحفاظ على عشرات الأرواح والممتلكات والمنشآت السطحية ومنع زعزعة الأمن والاستقرار في تلك المدن"، مبيناً أن "تلك المعلومات لاتزال طي الكتمان".
في السياق، كشف رئيس جهاز الأمن الوطني أنه "بناءً على معلومات عراقية عن استهداف بطولة (كأس العالم عام 2010 في جنوب إفريقيا) من قبل تنظيم إرهابي، تمكنت الأجهزة الاستخبارية من تحييد المجموعة الإرهابية التي كانت خططت لاستهداف البطولة التي استضافتها مدينة جوهانسبورغ في حزيران العام 2010 قبيل تنفيذ العملية الإرهابية داخل المربع الرياضي بوقت ذهبي، وأسلوب استخباري لم يشهده عالم الاستخبارات"، مبيناً أن "تأمين بطولة جنوب إفريقيا قد أنقذ البطولة المصنفة كأبرز حدث عالمي على الإطلاق من أخطر عمل إرهابي، وتأمين مئات الأرواح من الأبرياء، وساعدت بالقضاء على خطر المجموعة الإرهابية التي استوطنت القرن الإفريقي ومنعت تمددها إلى دول أخرى في غرب وشمال إفريقيا".
أهداف في تركيا
كما أشار البصري إلى التصدي لمخططات تستهدف تركيا، قائلاً: "نجحنا أيضاً في عام 2017 من خلال معلوماتنا من تقويض عملية إرهابية كانت تستهدف سفارة بريطانيا في العاصمة التركية أنقرة، والقنصلية الأميركية في إسطنبول"، مضيفاً أنه "من خلال معلوماتنا – التي كالمعتاد تصل للدول المستهدفة عن طريق الاتصالات الحكومية - أطاحت أجهزة مكافحة الإرهاب التركية بالمجموعة الإرهابية التابعة لتنظيم داعش التي كانت قاب قوسين أو أدنى من تنفيذ عملياتها الإرهابية"، لافتاً إلى "اعتقال المجموعة الإرهابية خلال مداهمتها، وفقاً لبيان حكومي تركي".
كما أشار إلى أن "للعراق مبادرات استخبارية عدة أسهمت في إحباط عمليات لتنظيمات إرهابية على علاقة بتنظيم داعش كواجهات في دول أوروبية وإفريقية وآسيوية".