في العاشرة من مساء كل يوم، ينتشر متطوعون بلباس مدني مع سلاح خفيف في أحياء دمشق، لبدء نوبات حراسة في وقت لا تزال السلطات الجديدة تنظّم نفسها بعد الإطاحة ببشار الأسد.
في سوق "مدحت باشا" وحتى امتداد "باب شرقي" في دمشق القديمة، ينتشر المتطوعون لحماية المحال التجارية والمطاعم خصوصاً من السرقات، بالتعاون مع السلطات الجديدة التي قدّمت لهم السلاح الفردي.
فادي رسلان، تاجر الأقمشة، ذو 42 عاماً، يتجوّل مع صديق له في الأزقة الضيقة، في حالة تأهب، للتجاوب مع أي نداء بعد تسجيل عدد من السرقات التي استهدفت منازل.
ويقول الرجل إن "سوريا بحاجة لنا في هذا الوقت، وعلينا أن نقف يداً واحدة"، مضيفاً: "في منازلنا نساء وكبار في السن.. نحاول من خلال هذه المبادرات التطوعية حماية أهلنا".
مع ساعات الصباح الأولى في الثامن من كانون الأول 2024، وبعد فرار بشار الأسد تحت ضغط هجوم مباغت شنّته فصائل مسلحة على رأسها هيئة تحرير الشام في أنحاء مختلفة من سوريا، خلع آلاف الجنود بزاتهم العسكرية وهجروا مقراتهم، وفرّ مئات من عناصر شرطة المرور وشرطة النجدة تاركين وراءهم سياراتهم ودراجتهم النارية.
وخلت البلاد لساعات من أي حاجز أمني أو نقطة تفتيش ما أدخل الكثير من المناطق في حالة فوضى وحصلت عمليات سرقة. ما دفع العديد من الأهالي في دمشق إلى الانتشار في أحيائهم بشكل عفوي لحمايتها، على غرار رسلان.
دورات تدريبية وسلاح
وعلى عكس الأيام الأولى، بات عمل لجان الحماية هذه أكثر تنظيماً اليوم، ويحصل بالتنسيق مع السلطات الجديدة التي سلّحت المتطوعين من السكان، وأخضعتهم لدورات تدريبية سريعة وتنظّم عملهم.
وفي هذا الإطار، يقول المسؤول في الشرطة الجديدة العميد أحمد لطوف: "تشكّلت لجان الحماية المحلية بهدف تسيير الدوريات الليلية في الأحياء السكنية لمنع الوقوع الجرائم"، إلى حين يتمّ سدّ الفجوة في عدد رجال الشرطة الموجودين حالياً.
ويشرح لطوف "عدد (رجال الشرطة) لا يكفي حالياً، لكن ما زلنا مستمرين في استقبال الدورات لزيادة العدد حتى نصل إلى العدد المطلوب لتحقيق الأمن والأمان".
وانضمّ حسام يحيى ذو الـ 49 عاماً، في حيّ الشاغور إلى لجان الحماية منذ البداية. ويقول إنه في بادئ الأمر "خرجنا لحماية حاراتنا ومحلاتنا والممتلكات العامة بشكل طوعي وبدون أي مقابل"، لكن بعد ذلك، "وزّعت هيئة تحرير الشام علينا سلاحاً فردياً، وبطاقات تعرّف عن هويتنا"، مضيفاً: "أنا أعرف كيفية استخدام السلاح من أيام الخدمة الإلزامية".
وتبدأ نوبات الحراسة في الساعة العاشرة مساء وتستمر حتى السادسة صباحاً.
ويقوم المتطوعون بعمليات تفتيش للسيارات والمارة، ويقفون على حواجز القوات الأمنية السابقة التي طليت الآن بالعلم الجديد ذي النجوم الثلاث.
وأفاد سكّان في مدن كبرى أخرى مثل حلب وحمص أيضاً عن وجود لجان محلية مماثلة في مناطقهم.
في ريف دمشق، نشرت صفحة المحافظة الرسمية على منصّة "تلغرام" صوراً لشبّان يشاركون بشكل "تطوعي" في حماية بلدتهم "تحت إشراف إدارة العمليات العسكرية وبالتنسيق مع الأمن العام"، بالإضافة إلى تطوّع سكان آخرين في قرى في شرطة المرور.
تحديات أمنية
بالإضافة إلى لجان الحماية المحلية الليلية، ينتشر أيضاً بشكل محدود عدد من عناصر الشرطة التابعين للحكومة السورية الموقتة، في نقاط رئيسة بدمشق، إضافة لعناصر شرطة مرور قادمين من إدلب (معقل هيئة تحرير الشام) التي قادت الهجوم لإسقاط الأسد، بالإضافة إلى مسلحين من الهيئة.
وفرضت الهيئة حراسة على بعض المقار الحكومية والمباني الرسمية مثل القصر الرئاسي ومبنى رئاسة الحكومة وقيادة الشرطة.
وفتحت وزارة الداخلية باب الانتساب ضمن صفوف الشرطة، عبر الالتحاق بكلية الشرطة.
بالإضافة إلى إعادة بناء جهاز الشرطة، تواجه السلطات الجديدة تحديات أمنية كبيرة. ومنذ وصولها إلى السلطة، تجري عمليات تمشيط أمنية في مدن مختلفة كان آخرها في حمص تستهدف "فلول ميليشيات الأسد"، وهي تعلن مراراً عن عمليات اعتقال "متورطين بأعمال إجرامية ضد الشعب السوري".
وأطلقت في الوقت نفسه عمليات "تسوية" للعناصر الذين كانوا منضوين في الجيش والقوى الأمنية خلال حكم بشار الأسد، طالبة منهم تسليم سلاحهم.
في ساحة "باب توما" التي تزدحم يومياً في أوقات المساء، انتشر أربعة متطوعين محليين عند مداخل الحي الدمشقي، يشرفون على تنظيم مرور السيارات والأفراد.
ويقول مسؤول اللجان المحلية في المنطقة، فؤاد فرحة، معلقاً على الموضوع: "نحمي منطقتنا من ضعاف النفوس الذين يلجأون الى السرقة، ونتكاتف لإعادة سوريا الجميلة المليئة بالمحبة".
وتواصل فرحة ممثلاً عن لجنة حيّه مع إدارة الأمن العام التابعة لهيئة تحرير الشام، وأبلغها أنه يرغب مع آخرين بالتطوّع "لإرساء الامن".
تراجعت حوادث السرقة وعمليات السلب في الأحياء التي انتشرت فيها اللجان المحلية، وفق ما يقول سكان.
ويُضيف فرحة "على كلّ منا أن يتحمل مسؤوليته تجاه منطقته وشارعه وبلده... بهذه الطريقة فقط، نستطيع إعادة إعمار بلدنا".