"الجولان" والتمدد الإسرائيلي الأخير.. ماذا يحدث في الجنوب السوري منذ سقوط الأسد؟

12 قراءة دقيقة
"الجولان" والتمدد الإسرائيلي الأخير.. ماذا يحدث في الجنوب السوري منذ سقوط الأسد؟ آليات إسرائيلية في الجولان

تثير التحركات الإسرائيلية في مناطق الجنوب السوري عقب سقوط نظام البعث برئاسة بشار الأسد في سوريا في 8 كانون الأول 2024، قلقاً ومخاوف كثيرة لدى السوريين ولدى أطراف دولية تندّد النشاط الإسرائيلي على هذه الجبهة وتطالب بإيقافه، حيث يتمركز الجيش الإسرائيلي بآلياته في المنطقة العازلة بين الجانبين ويواصل الحركة مدّاً وجزراً في قرى درعا ومناطق محيطة بجبل الشيخ. 

 

بعد سقوط الأسد بساعات، خرج نتنياهو من أعلى قمّة جبل الشيخ معلناً السيطرة على المنطقة وأن الجولان ستبقى جزءاً من إسرائيل إلى الأبد، ليخرج مرة أخرى ويقول أن هذا التحرك احترازي مؤقت وينتهي حال تشكيل سلطة شرعية بالبلاد، وتبعه تقارير تتحدّث عن "صفقات سرّية" بين إسرائيل وأطراف سورية بما فيها "النظام" سهّلت الحركة الإسرائيلية بالداخل السوري في ظلّ التحوّل السياسي الذي تشهده البلد.

 

والجمعة، أكدت مصادر من داخل سوريا انسحاب القوات الإسرائيلية التي كانت على بعد 25 كيلومتراً من دمشق، من قرى وبلدات درعا بعد تنفيذ عمليات، لكن لم يشمل ذلك الجولان.. فماذا يحدث في الجنوب السوري؟ وما حقيقة الانسحاب الإسرائيلي من بعض المناطق؟ ما مصير الأراضي السورية الواقعة تحت سيطرة القوات الإسرائيلية بالجولان مؤخراً، وهل يمكن لتل أبيب إعادة الكرّة وإعلان ضم هذه الأراضي لتحت سيطرتها كما فعلت في عام 1981؟.

 

يقول المحلل السوري المختص بالشؤون السياسية، معن طلاع، إن طبيعة التحرك الإسرائيلي تنسجم مع استراتيجيتها الجديدة منذ طوفان الأقصى وهي "تأمين المحيط الحيوي للكيان كاملاً" وإن سرعة ووتيرة هذا الأمر زادت بعد الضربة القاسية التي تعرّض لها حزب الله، وأيضاً بعدم قدرة النظام السوري السابق على ضبط مشهده الأمني وفكّ ارتباطه مع إيران، مبيناً أنه "كانت هناك غارات إسرائيلية كثيفة استهدفت شخصيات وبنى عسكرية، واتباع تجهيزات عسكرية أيضاً لضبط الحدود. لكن مع سقوط النظام بدأت إسرائيل ضمن استراتيجيتها التوسع في محيط المنطقة العازلة وصولاً إلى  جبل الشيخ ومناطق عرنة والقنيطرة القديمة". هذا التحرك حسب قول طلاع "يرجع لعاملين، عامل تمشيط وتفحص كل القطع العسكرية المتواجدة بالمنطقة، وعامل يستند إلى وضع قواعد عسكرية في نقاط عالية جغرافياً، ووفقاً للتصريحات الإسرائيلية هذا هو الهدف في غياب الدولة السورية".

 

وعن حركة الانسحاب، أوضح طلاع في حديث لمنصة الجبال أنه "في التحركات الإسرائيلية المرتبطة بالتمشيط تقوم الآليات العسكرية الإسرائيلية بالتوغل ثم مغادرة المنطقة بعد انتهاء العملية، أي ليس لها تواجد دائم في المنطقة. لكن التواجد الإسرائيلي الدائم موجود في خمس قواعد عسكرية وهو في (القنيطرة القديمة وقمّة جبل الشيخ)، ومن الوارد أن يكون الانسحاب من مناطق درعا كون الدخول جرى للتمشيط والتأكد من خلو تلك المناطق من قواعد حزب الله أو خلايا لحزب الله أو أماكن لتصنيع السلاح وما شابه، أي الهدف هو هدف أمني بحت".

 

وأردف أن "قضية الجولان هي قديمة ومركبة، تتضمن قرارات دولية صادرة من مجلس الأمن، كذلك مسار تفاوضي متعثّر، لكن هذه القضية لا تزال محل نقاش وستبقى محلّ نقاش في ظل الإدارة القائمة حالياً أو الإدارات المقبلة، لكن مع مضي سنوات حكم البعث وإيقاف إطلاق النار وعدم إطلاق أي مسار تفاوضي أو أي حركة عسكرية أو أمنية تجاه الجولان ساهم في تسكين هذا الملف، وقد استغل النظام هذا الملف لتعزيز شرعيته مع قوى مؤثرة في المنطقة على رأسهم إسرائيل التي بإمكانها التأثير على الاستراتيجية الاميركية، بالتالي كان يحاول استخدام هذه القضية في استمراره بالحكم. ولطالما صرحت إسرائيل بوجود نظام منضبط يحافظ على الحدود ويحترم خطوط الفصل وهي كانت تفضله على  سيناريو السقوط".

 

وعلى الرغم من تصريح المسؤولين الإسرائيليين بأن تحركهم هو إجراء مؤقت لضمان الأمن، لكنهم لم يشيروا إلى موعد محدد محتمل لانسحاب القوات، في حين أوعزت وزارة الدفاع الإسرائيلية الجيش بالاستعداد للمكوث في جبل الشيخ خلال فصل الشتاء.

 

نص الاتفاق

 

أمضت سوريا مع إسرائيل "اتفاقية فك اشتباك"، في أيار 1974، بمدينة جنيف السويسرية، أنهى بموجبها الطرفان حرب 6 تشرين 1973وما أعقبها من استنزاف أمني وعسكري. وتنص الاتفاقية على إنشاء خطين فاصلين إسرائيلي وسوري بينهما "منطقة عازلة" تبلغ مساحتها 400 كيلومتر مربع.

 

كما تنص الاتفاقية على وقف إطلاق النار، وعدم السماح للجيشين الإسرائيلي والسوري بالتواجد في المنطقة العازلة. وإرسال قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة "يوندوف" تأخذ على عاتقها مهمة مراقبة تنفيذ الاتفاقية، على أن تكون المنطقة تحت السيادة السورية.

 

وبعد سقوط حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد في 8 كانون الأول 2024 بساعات، تحركت القوات الإسرائيلية لتعميق تواجدها بالأراضي السورية في الجولان وقرى درعا حتى باتت على بعد 25 كيلومتراً من العاصمة دمشق، وعلّل رئيس الحكومة الإسرائيلية بينيامين نتنياهو الخطوة حينها بـ "حماية الحدود الإسرائيلية"، معلناً "انهيار اتفاقية فك الاربتاط  بين تل أبيب ودمشق بترك الجنود السوريين لمواقعهم".

 

إن التحركات الإسرائيلية زادت قلق السوريين ودول إقليمية من التغيير السياسي الحاصل في وسوريا، ومستقبل البلاد، ونوايا إسرائيل فيها. 

 

وفي خضم الأحداث المتسارعة، قرر مجلس الأمن الدولي، في 20 كانون الأول 2024، تمديد مهمة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة "يوندوف" في هضبة الجولان المحتلة من قبل إسرائيل، لستة أشهر، وسط تنديدات دولية واسعة بالسلوك الإسرائيلي، وأعرب المجلس عن قلقه من أن "العمليات العسكرية في المنطقة قد تؤدي إلى تصعيد التوتر"، مؤكداً "ضرورة التزام الطرفين ببنود اتفاق فض الاشتباك بين القوات الموقع عام 1974 ومراعاة وقف إطلاق النار بكل دقة".

 

الجولان في الاستراتيجية الإسرائيلية

 

احتلت إسرائيل أجزاء من منطقة الجولان خلال حرب عام 1967، وأعلنت ضم المنطقة إليها عام 1981 في خطوة لا تعترف بها سوى الولايات المتحدة الأميركية.

 

وحسب وزارة الخارجية السورية، فإن "إسرائيل تحتل مساحة 1150 كيلومتراً مربعاً من الجولان، تشمل 137 قرية و112 مزرعة بالإضافة إلى مدينتي (القنيطرة) و(فيق)، وهي تشير إلى أن عدد المستوطنات في الجولان يبلغ 45 مستوطنة". وهذه البيانات تمثل واقع ما قبل سقوط نظام الأسد، قبل توغل القوات الإسرائيلية للمنطقة العازلة بالجولان وقرى درعا منذ أسابيع.

 

وقال بنيامين نتنياهو، إن "الجولان ستظل جزءاً من إسرائيل إلى الأبد"، مضيفاً في خطاب بلغته بعد سقوط الأسد "أوعزت إلى الجيش بالاستيلاء على المنطقة العازلة والمواقع المجاورة لها، ولن نسمح لأي قوة معادية بالتموضع على حدودنا". وقد تحدّث في بيان آخر باللغة الإنجليزية، عن وجود مؤقت لا احتلال بقوله: "أصدرنا الأوامر للجيش بالاستيلاء على هذه المواقع، لضمان عدم تمركز أي قوة معادية بالقرب من حدود إسرائيل. وهذا موقف دفاعي مؤقت إلى أن يتم التوصل إلى ترتيب مناسب".

 

وفي هذا الخصوص يرى الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، العقيد فايز الأسمر، أن "إسرائيل مهما أخفت، فهي تريد تأمين جغرافيتها على حساب جغرافية الآخرين".

 

وقال في حديث متلفز، تابعته "الجبال": "هي (إسرائيل) تريد رؤية دول الطوق كجمهوريات ضعيفة لا تقدر على حماية أمنها الداخلي"، مضيفاً أن "عملية طوفان الأقصى جاءت فرصة ذهبية لإسرائيل، أنهت حماس، وأنهت حزب الله، وجاء دور سوريا فنفذت ضدها أكثر من 450 غارة جوية دمرت فيها قدرات الجيش السوري المستقبلي البرية والبحرية والجوية".

 

وتابع: "لن تكتفي إسرائيل بذلك بل هي تواصل التوغل البري وهي تسيطر الآن على أكثر من 350 كم من المنطقة العازلة، ووصلت قرى في درعا منها (صيدا) على بعد 25 كم عن مدينة دمشق". 

 

وحسب قول الأسمر "هي تريد تحقيق حلمها بالسيطرة على قمم جبل حرمون (جبل الشيخ)، وهي 4 قمم عالية، تريدها لأنها تكشف 3 دول هي سوريا والأردن ولبنان وتشرف على مكانات واسعة من الأراضي السورية"، مبيناً أن "إسرائيل ستستغل ذلك للسيطرة الأمنية على الأماكن الأشد بعداً، ستكون هناك أجهزة استشعار عن بعد ورادارات ومعدات عسكرية أخرى، وتستطيع أيضاً استخدام المدفعيات في ضرب عمق دمشق.. هي تفكر بتأمين مستوطناتها بحجّة (الأمن القومي المهدّد)، وتريد فرض واقع جديد من خلال إبرام معاهدات لا تتفق مع اتفاق 1974 فهي تسعى لتحسين شروطها الأمنية وستفرض بالمستقبل ما تراه مناسباً لأمنها".

 

وتوضح وزارة الخارجية الإسرائيلية على موقعها الإلكتروني أن "الأهمية الإستراتيجية للمنطقة تنبع من موقعها المطل على منطقة الجليل الإسرائيلية، وأنها تزود بحيرة طبريا - المصدر الرئيس للمياه لإسرائيل - بثلث مياهها".

 

ويرى خبراء ومختصون إسرائيليون أن "سيطرة إسرائيل على إحدى قمم جبل الشيخ في شمال الجولان توفّر لها قدرات مذهلة في جمع المعلومات الاستخبارية، وتمكّن من استخدام المراقبة الإلكترونية في عمق الأراضي السورية، ما يوفر لإسرائيل القدرة على الإنذار المبكر في حالة وقوع هجوم وشيك"، وأن "قرب الجولان من دمشق له قيمة ردع هائلة، لأنه يضع العاصمة - المركز العصبي للنظام السوري - في متناول القوة العسكرية الإسرائيلية".

 

يؤكد البيان الذي نشره وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس مؤخراً تلك الرؤى، وجاء فيه "سنبقى هنا طالما كان ذلك ضرورياً، إن وجودنا هنا في قمة جبل الشيخ يعزّز الأمن ويعطي بعداً إضافيا للمراقبة والردع لمعاقل حزب الله في سهل البقاع اللبناني، فضلاً عن الردع ضد المعارضين في دمشق، الذين يدّعون أنهم يمثلون وجهاً معتدلاً ويظهرون وجهاً معتدلاً".

 

ويذكر محرر الشؤون العربية في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، جاك خوري، أن "التواجد العسكري الإسرائيلي الآن في القنيطرة ومحيطها من جبل الشيخ وصولاً إلى الحدود السورية الأردنية الإسرائيلية هو دافع أمني لاقتراب مجموعات مسلحة من خط وقف إطلاق النار وأن تكون قريبة من التجمعات السكانية"، وأن "الأمر سيكون على طاولة النقاش ستستغلّه إسرائيل كورقة ضغط في أي مفاوضات مستقبلية مع الحكومة الجديدة بدمشق، أي: إذا طُلب الانسحاب الإسرائيلي من هذه المناطق والعودة إلى خط وقف إطلاق النار لا أحد سيتحدث عن الانسحاب من الجولان وما كان بعد حرب 1967، وإنما الانسحاب مما هو عليه منذ الأسبوعين الأخيرين".

 

تحدّيات معقّدة بدمشق

 

في نفس السياق، وعن مستقبل الوجود الإسرائيلي على الأراضي السورية وموقف دمشق من التحرك الإسرائيلي، أوضح معن طلّاع في حديثه للجبال، أن "قضية الجولان والتوغلات الجديدة أو أي تدخل إسرائيلي يجب أن تكون على رأس أولوية أي حكم في دمشق"، منوّهاً في وقت ذاته إلى أنه "بحكم التحديات الداخلية وكثرتها وتعقيدها الآن، يمكن أن يخضع هذا الملف إلى إجراءات دبلوماسية عبر قنوات سياسية وعبر مجلس الأمن الدولي والحلفاء للتأكيد على موضوع الانسحاب الإسرائيلي وإحياء ملفات التفاوض مرة أخرى".

 

واستدرك بأن "الإقليم يدرك وإسرائيل إيضاً تدرك أن سوريا هي بلد، بحكم سنوات الصراع، ستكون محل استقرار وليس محل صراع وهذا قد يكون له تبعات على الدور الإقليمي لسوريا. وتبقى قضية الجولان ومسألة التوغل الإسرائيلي انتهاك للسيادة السورية ولا يمكن لأي حكم في دمشق التفريط في هذا الأمر".

 

وفيما يتعلق بالموقف السوري من السلوك الإسرائيلي، وخيارات دمشق بهذا الشأن، أوضح أن "هذا الأمر مرتبط بما ستؤول إليه تطورات المشهد السوري"، لافتاً أن "المشهد السوري اليوم في إرهاصاته الأولى بعد سقوط النظام يواجه تحديات معقدة، والسناريوهات ترتبط بطيف من الاتجاهات المستقبلية، تبدأ بموضوع التشظّي والاقتتال الداخلي أو دوامة عنف جديدة أو قد يكون هناك جزء من الاستقرار نتيجة تحكم مركزي أو نتيجة تشاركية موسعة، وفي نتيجة كل هذه التقاطعات يمكن فهم مواقف الدول عموماً وإسرائيل من خلفها، والكل يتجهّز لهذه السيناريوهات".

 

استرسل المحلل السوري بحديثه قائلاً: "في حال غياب الضبط المركزي وسيادة المشهد العسكري فذلك يعني تفسّخ الدولة السورية. لكن في حال نجاح سيناريو الاستقرار، فلا يمكن لإسرائيل الإعلان عن ضم هذه الأراضي وهذه القواعد أو أن تحتل الأراضي بمعنى الاحتلال، وسيكون للمشهد قراءة مختلفة تجاه إسرائيل. أما في حال انتقال المشهد إلى فقدان سيطرة المركز على أطرافه وسيطرة الدول على الأطراف فنحن سنكون أمام تقسيم سوريا، بالتالي سيكون للفاعلين الدوليين الجزء الأكبر بالتحكم في سوريا، لكن وفق مدخلات المشهد حالياً هذا السيناريو مستبعد".

لافا عثمان

نُشرت في الاثنين 30 ديسمبر 2024 01:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.