السماح بدخولها من المنافذ ثم ملاحقتها داخلياً.. كيف يتم حظر الكحول في العراق بشكل "عشوائي"؟

4 قراءة دقيقة
السماح بدخولها من المنافذ ثم ملاحقتها داخلياً.. كيف يتم حظر الكحول في العراق بشكل "عشوائي"؟

تتزايد عمليات التضييق على منافذ بيع الكحول في العراق، حيث أن إغلاق المخازن ومحال المشروبات الكحولية عبارة باتت تظهر بشكل متكرر في البيانات الأمنية خلال الأسابيع والأشهر القليلة الماضية، فيما باتت تنعكس هذه الإجراءات فعلياً على أسعار الكحول وقدرة الوصول للمنتجات الكحولية من قبل المستهلكين في العراق. 

 

وكغيرها من الإجراءات الأمنية "الطارئة" التي تتخذ وفقاً للأجواء أو السياسات السائدة وليس تطبيقاً تاماً للقوانين أو وفق منهجية واضحة، من غير المعروف ما القاعدة التي انطلقت منها هذه الحملات الأمنية، فالبيانات الحكومية تصف محلات بيع الكحول التي يتم إغلاقها بأنها "مخالفة للضوابط والشروط"، بينما يبرز قانون تنظيم واردات البلديات الذي يعرف بـ"قانون حظر الكحول"، كقانون يحظر أساساً بيع المشروبات الكحولية سواء مخالفة أو موافقة للشروط والضوابط، في تمظهر واضح لمدى التضارب بين التشريعات مع بعضها البعض، وبين التشريعات والتطبيقات على الأرض من جانب آخر.

 

تم تشريع قانون تنظيم واردات البلديات عام 2016، إلا أنه لم يدخل حيز التنفيذ إلا بعد 7 سنوات عندما تم نشره في الجريدة الرسمية في 20 شباط/فبراير 2023، والذي ينص في المادة 14 منه على أنه "يحظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بكافة أنواعها"، و"يعاقب كل من يخالف البند بغرامة لا تقل عن 10 ملايين ولا تزيد على 25 مليون دينار".

 

 

لكن وفي جانب أوضح على "عشوائية" التوافق بين التشريع والتنفيذ، وبالرغم من دخول القانون حيز التنفيذ في بداية عام 2023 والذي ينص على "حظر استيراد الكحول"، إلا أن البيانات الرسمية للمنافذ الحدودية تثبت أن المشروبات الكحولية كانت تدخل بشكل رسمية عبر المنافذ طوال العام 2023.

 

ووفقاً لبيانات الاستيرادات العراقية عبر المنافذ الرسمية لعام 2023، فإن قيمة استيرادات العراق من الكحول بمختلف أنواعها بلغت حوالي 2.3 مليون دولار، ما يثبت استمرار دخول الكحول بصيغة رسمية عبر المنافذ خلافاً لنص قانون تنظيم واردات البلديات.

 

 

لكن عموماً، انخفضت الاستيرادات عبر المنافذ الرسمية في 2023 بعد تطبيق قانون حظر استيراد الكحول، مقارنة بعام 2022 الذي كانت قيمة استيرادات الكحول فيه تبلغ حوالي 5 ملايين دولار، أي أن استيراد الكحول في 2023 انخفض إلى النصف تقريباً مقارنة بـ2022.

 

ولا يعني انخفاض دخول الكحول "عبر المنافذ الرسمية" بالضرورة انخفاض استيراد العراق من الكحول، بل أن الكحول المستورد هاجر المنافذ الرسمية نحو المنافذ غير الرسمية الأخرى، فالـ5 ملايين دولار والمليوني دولار لا تمثل استيرادات العراق الحقيقية من الكحول سنوياً، بل تبلغ أكثر من ذلك بـ30 ضعفاً على الأقل.

 

 

تظهر بيانات مرصد التعقيد الاقتصادي العالمي، أن استيرادات العراق من المشروبات الكحولية والبيرة بلغت حوالي 150 مليون دولار في عام 2022، بالمقابل ما دخل منها من المنافذ الرسمية التابعة للسلطات الاتحادية في بغداد ما يعادل 5 ملايين دولار فقط، أي حوالي 3% فقط من اجمالي الاستيرادات الكحولية، بينما دخلت 97% منها عبر منافذ غير رسمية أو عبر إقليم كوردستان ثم إلى باقي المحافظات العراقية.

 

يتضح أن قانون "حظر استيراد الكحول"، استمر بادخال المشروبات الكحولية لكن وفق شروط أقسى تمثلت وفقاً لما نص عليه القانون بغرامة تتراوح بين 10 إلى 25 مليون دينار، مما دفع بنصف الاستيرادات الكحولية الرسمية "القليلة أساساً" إلى الهرب من المنافذ الرسمية نحو المنافذ غير الرسمية.

 

وبدلًا من أن تستفيد المنافذ الحدودية من الرسوم البالغة 200% على استيراد الكحول، ستذهب الأموال كأتاوات إلى السيطرات أو العناصر الأمنية لغرض تهريب الكحول ونقله بين المحافظات "خفية"، بدلًا من أن تذهب الأموال إلى خزينة الدولة عبر الرسوم والضرائب.

 

وتعزز هذه المعطيات مدى "عشوائية" التوافق بين التشريعات والتنفيذ، فبينما تسمح المنافذ بعبور الكحول بشكل رسمي أو غير رسمي، تلاحق الإجراءات الأمنية منافذ ومحال بيع الكحول في الداخل، بعد السماح بدخولها.

 

واللافت في قانون واردات البلديات هو النص على "حظر استيراد وتصنيع وبيع الكحول"، بينما لم يحظر الشراء أو شرب الكحول، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن كيفية السماح بشراء الكحول في حال تجفيف منافذ بيعه؟

 

ويتضح من صيغة القانون أنها تدفع نحو "تعزيز التهريب"، فمنع البيع الرسمي، مقابل السماح بالشراء، يعني إتاحة الشراء بطرق "ملتوية" وغير واضحة، بحسب عديدين. 

علي الأعرجي صحفي عراقي

نُشرت في الأحد 29 ديسمبر 2024 11:20 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.