كشف مصدر حكومي عراقي مطلع، عن حوارات غير معلنة مع دول عربية مختلفة من أجل أن تكون وسيطة في منع أي ضربات "إسرائيلية" مرتقبة ضد العراق.
وقالت المصادر، لمنصة "الجبال"، اليوم الأحد، إن "العراق منذ أيام يعمل على حوارات غير معلنة مع دول عربية مختلفة من أجل أن تكون طرفاً وسيطاً في منع إسرائيل من تنفيذ أي ضربات ضد العراق خلال الفترة المقبلة، بعد تسلّم بغداد رسائل صريحة ورسمية بنية تل أبيب بذلك، رداً على عمليات الفصائل المسلحة".
وأضافت أن "الموقف الأميركي كان إيجابياً، بأن واشنطن ستعلب دوراً مهماً وكبيراً في منع إسرائيل من تنفيذ أي ضربات ضد العراق، خاصة وأن العراق شدّد على الجانب الأميركي بأن يحمي الأجواء العراقية من أي عدوان خارجي، وفق ما جاء بالاتفاقية الأمنية بين الطرفين، وكان موقفهم إيجابياً في ذلك".
وبيّنت المصادر الحكومية العراقية المطلعة أن "الوساطات العربية وكذلك الضغط الأميركي مع إسرائيل ربما يدفع الكيان إلى تأخير تنفيذ ضرباته إلى ما بعد تسلّم دونالد ترامب إدارة البيت الأبيض، ولهذا إن الخشية والمخاوف تبقى موجودة، رغم كل تحركات العراق الخارجية الاستباقية لتلك الضربة".
وبنفس الإطار، صرح عضو تيار الحكمة سامي الجيزاني، لـ"الجبال"، بأن "العراق وعلى فترات طويلة كان داعماً للقضية الفلسطينية والوضع اللبناني، وهناك مواقف كبيرة صدرت من العراق بهذا الخصوص. أما عن الوضع الحالي، فهو امتثل لأمر المرجعية وتبنّى ثلاثية (الدعم السياسي، والإعلامي، والإغاثي) وتقريباً له دور استثنائي وكبير بفارق عن باقي الدول العربية والإسلامية في هذه القضية".
وقال الجيزاني عن موقف إسرائيل من العراق، إن "إسرائيل تعيش مشكلة داخلية وخارجية وعملية استنزاف. في هذه الحرب حُققت انتصارات كبيرة في غزة وبهجوم أكتوبر، حتى حزب الله في لبنان يحقق انتصارات كبيرة رغم التضحيات الكبيرة التي قدمها، فإسرائيل تحاول الآن إيجاد مخرج"، مبيناً أن "العراق أكبر من التهديدات الإسرائيلية، دوره معروف، وموقفه كبير في الجامعة العربية والمنطقة. وتبقى القضية الفلسطينية والقضية اللبنانية محل اهتمام للعراق".
تهديدات مباشرة
منذ بدء الحرب في غزة في أكتوبر 2023، تشن فصائل عراقية هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل وتقول إنها "إسناداً للمقاومة الفلسطينية في القطاع"، وقد تصاعدت وتيرة الهجمات بعد توسيع إسرائيل نطاق عملياتها إلى داخل لبنان في أواخر أيلول 2024، في حين أكد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن إسرائيل ستردّ على جميع الهجمات وهي قادرة على الوصول إلى كل من يهدّد أمنها أين ما كان.
ورغم التحذيرات، وإصرار الحكومة العراقية البقاء خارج دائرة الحرب، تواصل فصائل "المقاومة الإسلامية في العراق"، أحد أطراف محور المقاومة، عملياتها ضد مواقع ومصالح الكيان الإسرائيلي، وقد زادت وتيرة هجماتها أكثر بعد شن إسرائيل ضربة مباشرة لمواقع في العمق الإيراني مستخدمة الفضاء العراقي، بمعدل (3 - 5) ضربات يومياً.
والإثنين الماضي 18 تشرين الثاني 2024، نشر وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، على حسابه بمنصة "إكس" نسخة من رسالة بعثها إلى مجلس الأمن الدولي وقال: "دعوت إلى اتخاذ إجراءات فورية فيما يتعلق بنشاط المليشيات الموالية لإيران في العراق الذي تُستخدم أراضيه لمهاجمة إسرائيل"، مضيفاً: "دعوت مجلس الأمن إلى التحرك على نحو عاجل لضمان احترام الحكومة العراقية التزاماتها بموجب القانون الدولي ووقف هذه الهجمات على إسرائيل".
وردّ رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، الثلاثاء 19 تشرين الثاني، الرسالة التي أرسلتها الخارجية الإسرائيلية لمجلس الأمن، واصفاً أياها بالـ "حجة للاعتداء على العراق".
وقال المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، في اليوم التالي أي الأربعاء 20 تشرين الثاني، إن "رسالة وزير خارجية الكيان الصهيوني إلى الأمم المتحدة وهي تتذرع بالمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن النفس، ما هي سوى إعلان عن هجمات مباشرة قريبة"، معتبراً أن الرسالة "مجرد ذرائع تهدف إلى تبرير عدوان مخطط له يهدف إلى توسيع رقعة الصراع".
وأشار إلى أن "قيام رئيس حكومة الكيان بإظهار العراق ضمن المنطقة السوداء والمعنون بمحور اللعنة كان واضحاً في خطابه أمام الجمعية العمومية كإشارة على أن يضع استهداف العراق ضمن برنامج أولوياته".
في هذا الإطار، أوضح الخبير في القانون الدولي، حبيب القريشي، في حديث لمنصة الجبال حول إقدام إسرائيل على الشكوى ضد العراق أمام مجلس الأمن الدولي، أن "ميثاق الأمم المتحدة حظر استخدام القوة في العلاقات بين الدول في مادته الـ 51"، وإن "هذا الميثاق الذي سمح به وأقرّته الأمم المتحدة، تقيّد بعدة الدفاع عن النفس بشروط، أهمها: أن يكون الدفاع عن النفس رد فعلٍ على هجوم مسلح، وأن يكون هذا الهجوم المسلح من طرف دولة أو من دول، أما الهجوم المسلح من جماعات المقاومة فلا يعطي لرد الفعل صفة الدفاع الشرعي".
تحركات رسمية
وعقد رئيس الوزراء العراقي، والقائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني، الثلاثاء 19 تشرين الثاني 2024، اجتماعاً طارئاً للمجلس الوزاري للأمن الوطني، بحث خلاله تطوّرات الأوضاع الأمنية على المستوى الإقليمي والدولي، وموضوع الشكوى التي قدمتها "إسرائيل" إلى مجلس الأمن الدولي، ضد العراق.
وطالب المجلس خلال الاجتماع الولايات المتحدة الأميركية بـ "ردع إسرائيل"، كما شدّد على منع هجمات الفصائل المسلحة.
ووجّه السوداني خلال ذات الاجتماع باتخاذ جملة إجراءات أمنية، أبرزها: (قيام قواتنا المسلحة، والأجهزة الامنية كافة بمنع وملاحقة أي نشاط عسكري خارج إطار سيطرة الدولة، تفعيل وزارة الداخلية التوجيهات الصادرة عن الاجتماعات السابقة، وإعداد خطط للطوارئ تتناسب مع حجم التهديد، وتأمين الاحتياطات الكاملة للمتطلبات الأمنية، تعزيز الحدود العراقية الغربية من خلال النشاط المكثف والانتشار السريع ووضع الخطط اللازمة، والعمل على تهيئة وضمان عمق أمني فعّال. فضلاً عن تأمين قيادة الدفاع الجوي متطلبات الحماية الجوية لسماء العراق والأهداف الحيوية والفعّالة والمهمة داخلياً، كذلك قيام الأجهزة الاستخبارية بتحليل ورصد ومتابعة أي نشاط جوي معاد، أو استهداف أرضي وملاحقة مطلقيه، وتقديم التقارير الاستخبارية الفورية عن كل ما يقع ضمن عملها وتخصصها الاستخباري).
وأعلنت وزارة الخارجية العراقية، أمس السبت، توجيه رسالة إلى مجلس الأمن الدولي، ونسخ متطابقة عنها إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، بشأن تهديدات الكيان الإسرائيلي بالاعتداء على العراق، مشيرة إلى أن "رسالة الكيان الإسرائيلي إلى مجلس الأمن تمثل جزءاً من سياسة ممنهجة لخلق مزاعم وذرائع بهدف توسيع رقعة الصراع في المنطقة".
وتترقب السلطات العراقية، الضربة إسرائيلية، التي اعتبرتها لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب "حتمية"، بينما يتوقع خبراء أن العراق مقبل على "مرحلة خطيرة"، خصوصاً وأن "إسرائيل" حددت أهدافها في الداخل العراقي.
وقال عضو اللجنة الخارجية، مختار الموسوي، السبت 23 تشرين الثاني 2024، للجبال إن "الضربة الإسرائيلية على العراق أصبحت حتمية والحكومة العراقية كانت واضحة بذلك من خلال التصريحات الرسمية التي أطلقتها خلال الساعات الماضية، وهذا ما يعني دخول العراق والمنطقة بمرحلة خطيرة وكبيرة خلال الأيام المقبلة".
فيما أشار المستشار العسكري السابق، اللواء الركن المتقاعد صفاء الأعسم، إلى أن "كل المعطيات والأدلة تؤكد أن الضربة الإسرائيلية على العراق أصبحت حتمية"، وأن "حراك العراق نحو المجتمع الدولي، محاولة لتأجيل تلك الضربة أو التقليل منها بمنع استهداف أي منشآت حيوية خاصة الاقتصادية والنفطية".