"عُنف وسوء معاملة"، وكم هائل من الخلافات الزوجية، جميعها دفعت إبراهيم جاسم (اسم مستعار) إلى الانفصال عن زوجته التي يعيش معها لأكثر من عامين.
جاسم وبعد عدة محاولات لإقناعه بالحديث، قرر الخوض بالتفاصيل شريطة عدم ذكر هويته، معتبراً أن "ما جرى معه وصمة عار ستلاحقه طول حياته، حتى أنه بدا متخوفاً من الزواج في المستقبل".
في حديث لـ "الجبال"، يقول جاسم ذو الـ28 عاماً والخجل واضحاً على ملامحهِ، "بعد علاقة حب دامت أكثر من عام ورفض من قبل أهل طليقتي، تزوجت منها وتوقعت أن حياتي ستكون وردية".
لم تمضِ سوى ستة أشهر حتى اتسعت فجوة الخلافات بين جاسم وزوجته، "بدأت من جلوسه في المنزل، أثناء القيود المفروضة على الشوارع إثر جائحة كورونا، وتأخيره بعدها في المقهى لمنتصف الليل، وانتهاءً من شكوى الزوجة من ضيق المنزل وطلبها الخروج بمنزل منفصل عن عائلة زوجها".
صمت دفع للانفصال
الشاب العشريني، وللحفاظ على علاقته الزوجية، قرر الخروج بمنزل منفصل، في منطقة قريبة من أهله في العاصمة بغداد، لكن الخلافات تطورت من مشادات كلامية إلى ضرب مبرح له من قبل زوجته.
"العنف وصل مراحل لا تطاق، دخول البيت أصبح كدخول جهنم بالنسبة لي"، يقول جاسم ويضيف: "وصلنا مراحل من الصعب جداً حلها، وأحمد الله أنني لم أنجب طفلًا خلال تلك الفترة".
ويكمل جاسم حديثه، "بدأت أتخوف بعد مشاهدتي لكثرة الجرائم الأسرية، على مواقع التواصل الاجتماعي والقتل بأشكال متنوعة، فأخذني الخيال بعيداً بأن أكون أنا الضحية القادمة.. فقررت الانفصال، دون أعلام الإهل والمقربين بما جرى معي خوفاً من العادات والتقاليد السائدة في المناطق الشعبية".
ويضيف: "لا زالت تلك اللحظات العصيبة في مخيلتي استذكرها دائماً حتى أصبح لدي نوع من الاكتئاب والخوف من المستقبل، وأكثر من مرة، أراد الأهل معرفة سبب الانفصال الحقيقي ولكن لم أجب عنه".
وعند العودة إلى الفترة التي احتدمت فيها الخلافات بين إبراهيم جاسم وزوجته، فإن وزارة الداخلية سجلت 15 ألف حالة عنف أسري خلال العام 2020 فقط، 9 بالمئة اعتداءات من قبل الزوجات على أزواجهن، و7 بالمئة اعتداءات ما بين الإخوان والأخوات، و10 بالمئة اعتداء الأبناء على الآباء.
قرابة 50 حالة خلال شهر
وسجلت وزارة الداخلية، خلال النصف الأول من تشرين الثاني الماضي 27 حالة تعنيف ضد الرجال، بحسب عبد الحافظ هادي الجبوري، مدير قسم العلاقات العامة بدائرة العلاقات والإعلام للوزارة، أي أن "أكثر من 50 حالة تعنيف للرجال في الشهر الواحد"، فإذا كان هذا الرقم التقريبي هو الطبيعي، فإن أكثر من 600 حالة تعنيف سنوياً ضد الرجال.
ويقول الجبوري لـ"الجبال"، "ترد إلى مديرية الشرطة المجتمعية العديد من الشكاوى المتعلقة بتعرض رجال إلى تعنيف من قبل الزوجات أو الأبناء أو أحد الأقرباء، وهذه الشكاوى ترد عبر الخط الساخن المجاني للشرطة المجتمعية 497 أو عن طريق البريد الإلكتروني الخاص بصفحة الشرطة المجتمعية العراقية على فيسبوك".
وتابع: "بما أن الشرطة المجتمعية تتعامل بصورة سرية مع الإخبارات التي تردها، والتي في الغالب تتعلق بمشاكل اجتماعية وأسرية، يطلب فيها أصحاب القضايا حل مشاكلهم بصورة سرية وسلمية بعيداً عن المحاكم، لحساسية تلك القضايا من جهة ولطبيعة مجتمعنا، ولمنع حدوث تداعيات خطيرة تهدد حياة الضحايا، أو تهدد الأمن المجتمعي".
وأشار المسؤول في وزارة الداخلية إلى أن "عدداً من المناشدات والشكاوى تردنا من أقرباء الضحية أو جيرانهم أو أصدقاء الشرطة المجتمعية، حيث تقوم مفارزنا بجمع المعلومات والتحري عن صحتها، ومن ثم التحري لاجتثاث أصل المشكلة واتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المعنفين وتقديم الدعم النفسي والمعنوي للضحايا".
وأوضح، أنّ "حالات التعنيف تختلف بين الجسدي واللفظي والنفسي، ولطبيعة مجتمعنا الذكورية، تعد حالات التعنيف ضد الرجال من الحالات الغريبة التي يحجم الكثير من المعنفين عن الإفصاح عنها، لدواعٍ اجتماعية بحتة، والخوف من وصمة سيطرة المرأة وقيمومتها على الرجل".
إقامة دعوى للتخلص من دعوى
الباحث بالشأن القانوني والمهتم بشؤون الأسرة محمد جمعة، يرى أن "العنف ضد الرجال، ظاهرة موجودة في المجتمع العراقي، لكن الغالب الأعم منها لا يصل إلى المحاكم"، مبيناً أن "أغلب ما يصل إلى المحاكم ومراكز الشرطة هي دعاوى كيدية".
ويقول جمعة في حديث لـ"الجبال": "لظروف وقيود مجتمعية لا يتقدم الرجال المعنفون بالشكاوى ضد النساء، إذ يعتبر الرجل الشرقي الحديث في هكذا قضايا أمام الغرباء وصمة عار".
"بعض ما يصل إلى المحاكم من شكاوى عنف، يكون حقيقياً، لكن الغالب منها غير حقيقي"، يذكر جمعة، ويضيف: "عندما تقيم الزوجة دعوى ضد زوجها على خلفية تعنيفها، فإن الزوج يضطر إلى تقديم دعوى متقابلة ليتخلص من دعوى زوجته".
العنف سواء أكان ضد الرجل أو ضد المرأة، سيؤثر وبشكل كبير على الأطفال، إذ أنّ "الأطفال ضحية، كونهم سيولدون وسط عائلة غير مستقرة وعلى خلافات دائمة"، وفق الباحث بالشأن القانوني.
وشدد جمعة على "ضرورة تشريع قانون العنف الأسري، لحماية الأسرة من أشكال العنف التي تحدث سواء من قبل الزوج أو الزوجة أو أي فرد من أفراد العائلة".
وأقرت حكومة مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي السابق في العام 2020، مشروع قانون مناهضة العنف الأسري داخل مجلس الوزراء، وأرسلته إلى مجلس النواب لكنه ما يزال مركوناً داخل أروقة البرلمان.
كردستان تتصدر
إلى ذلك، يؤكد رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان فاضل الغراوي، أنّ قضية العنف ضد الرجال من القضايا الخطيرة، التي ازدادت في الآونة الأخيرة، وباتت تتطلب حلولاً حقيقية.
"العنف ضد الرجال تنوعت اشكاله ما بين استخدام الآلات الحادة والعنف الجسدي، بالإضافة إلى العنف اللفظي وامتهان كرامة المواطن"، يقول الغراوي ويضيف في حديث لـ"الجبال"، أن "العنف لم يقتصر ضد الرجال، بل هناك عنف موجهة من قبل الأبناء ضد الآباء وكذلك عنف من قبل الرجل ضد المرأة".
ويرى رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان، أن "حالات العنف ضد الرجال تركزت في إقليم كردستان"، لافتا الى أن "هناك عوامل اقتصادية واجتماعية ونفسية وأمنية وراء ارتفاع حالات العنف الأسري، بالإضافة الى ضعف الوعي الأسري والاستخدام السيء لمواقع التواصل الاجتماعي".
وبحسب مؤتمر صحفي سابق، لرئيس اتحاد رجال كردستان علي برهان فإن العدد الكلي لحالات العنف الأسري ضد الرجل في إقليم كردستان وكركوك بلغ 336 حالة، خلال النصف الأول من العام 2023.
أما العام 2022، وبحسب اتحاد رجال كردستان، فقد سجل الإقليم 534 نوعاً من الشكاوى، منها 70 حالة قتل وانتحار بين الرجال، حيث أقدم 65 رجلاً على الانتحار، فيما قتل 5 رجال بمساعدة الزوجة.