تكاد التفسيرات تكون واحدة حول إعلان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، توجيه رسالة إلى مجلس الأمن الدولي يحضّه فيها "على الضغط على الحكومة العراقية لوضع حدّ لهجمات تشنّها فصائل عراقية على إسرائيل"، حيث تذهب معظمها إلى أن ذلك "حجة" لتوجيه ضربة إسرائيلية إلى العراق.
وفي منشور لساعر على منصة "إكس"، قال فيه، إنه "في هذا المساء وجّهت رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، دعوت فيها إلى اتخاذ إجراءات فورية في ما يتعلق بنشاط الميليشيات الموالية لإيران في العراق الذي تُستخدم أراضيه لمهاجمة إسرائيل".
وأضاف وزير الخارجية الإسرائيلي: "دعوت مجلس الأمن إلى التحرك على نحو عاجل لضمان احترام الحكومة العراقية التزاماتها بموجب القانون الدولي ووقف هذه الهجمات على إسرائيل".
وفي أول رد، وصف رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، الرسالة التي أرسلتها الخارجية الإسرائيلية إلى مجلس الأمن بأنها "حجة للاعتداء على العراق"، مؤكداً على أن "العراق يرفض هذه التهديدات"، كما أن "قرار الحرب والسِّلم هو قرار بيد الدولة العراقية، وغير مسموح لأي طرف بأن يصادر هذا الحق".
وأكد السوداني على "رفض العراق الدخول في الحرب، مع الثبات على الموقف المبدئي بإنهائها، والسعي لإغاثة الشعبين الفلسطيني واللبناني".
مستشار حكومي: مبرر واضح للرد على الفصائل
وتواصلت "الجبال" مع مستشار الشؤون السياسية لرئيس الوزراء العراقي، سبهان الملا جياد، حول التطورات الأخيرة، حيث قال إن "إسرائيل تريد من خلال هذه الشكوى إظهار الذريعة أمام المجتمع الدولي بأن هناك ضربات ضدها من العراق وهي سوف تريد عليها، فهي تريد إظهار الذريعة حتى تقوم بتنفيذ ضربات على العراق".
وأضاف لـمنصة "الجبال"، أن "إسرائيل تريد إظهار ذريعة حق الرد على عمليات الفصائل المسلحة العراقية، ولهذا هي قدمت الشكوى حتى يكون المجتمع الدولي على اطلاع بذلك، فهي تريد المبرر لضرب العراق، وحتى إذا لم يكن هناك مبرر، فهي سوف تخلق المبرر لشن عدوانها على العراق"، مؤكداً أن "الحكومة العراقية ستكون لها مواقف وإجراءات بهذا الخصوص".
ولا يختلف رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري عن الرأي الحكومي، حيث يعتقد أن "شكوى إسرائيل ضد العراق أمام مجلس الأمن الدولي هي مقدمة لشن ضربات عليه، رداً على عمليات الفصائل المسلحة".
وقال الشمري لـمنصة "الجبال"، إنه "في ظل رسالة إسرائيل إلى مجلس الأمن الدولي والشكوى ضد العراق، فهي تحاول تعزز موقفها في الأمم المتحدة، وهذه الرسالة من قبل وزير خارجية إسرائيل، هي استكمال ما طرحه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو حين أشار في اجتماعات الجمعية الأممية بأن العراق أصبح من دول الشر".
وكان نتياهو وصف العراق وسوريا واليمن ودول أخرى في المنطقة، بـ"محور الشر"، خلال اجتماعات الأمم المتحدة نهاية أيلول الماضي.
وبالنسبة للشمري، فإن "هذا يحمل توجهاً على العراق بأنه أصبح الجغرافية التالية بالاستهداف، واحتمالية أن تكون الضربات الإسرائيلية على العراق قريبة جداً".
ومع ذلك، فإن هذا التطور ـ والكلام للشمري ـ قد "يكون هو مقدمة لطرح ملف الفصائل المسلحة العراقية على طاولة مجلس الأمن الدولي، لاتخاذ عقوبات وقرارات دولية بحق تلك الفصائل، كما أن هذه الرسالة والشكوى سيفهم من خلالها بأن المجتمع الدولي، سوف تعرف جيداً بما تقوم به تلك الفصائل المسلحة".
وختم رئيس مركز التفكير السياسي حديثه بالقول إننا "أمام نقطة كبيرة في طريقة التعاطي الإسرائيلي مع هجمات الفصائل المسلحة العراقية، والأيام المقبلة ستكون مليئة بالأحداث والتطورات".
وبدأت السلطات في العراق خلال الشهرين الأخيرين، بأخذ "إجراءات احترازية لتأمين الاجواء تحسباً لأي هجمات إسرائيلية"، بحسب بيانات رسمية.
لحظة وصول ترامب للبيت الأبيض
ولا يختلف رئيس المركز العربي الأسترالي للدراسات الاستراتيجية أحمد الياسري مع الشمري، حيث يرى أن "إسرائيل تعمل حالياً على التصعيد الدبلوماسي والسياسي ضد العراق كمرحلة أولى قبل شن عمليات عسكرية داخل العراق قريباً".
وقال الياسري، لـمنصة "الجبال"، إن "التصعيد الدبلوماسي والسياسي من قبل إسرائيل ضد العراق، هو مرتبط ومتزامن مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، فإسرائيل تريد تحشيد ضغط دبلوماسي من أجل إيجاد شرعية لغرض ضرب العراق"، مؤكداً أن "حكومة نتنياهو تريد مكسب جديد لها عبر استهداف العراق بعد استهداف إيران، لبيان أن حكومته قوية".
ويتحدث الياسري عن "وجود رغبة أمريكية من قبل إدارة بايدن بعدم إدخال العراق ضمن نطاق الاستهداف الإسرائيلي، خشية من استفزاز الفصائل المسلحة وتقوم باستهداف المصالح والأهداف الأمريكية في العراق والمنطقة"، بالإضافة إلى أن "ضرب القوات الأمريكية في القواعد داخل العراق يحرج إدارة بادين ويبين فشلها في منع توسعة الصراع في منطقة الشرق الأوسط".
ولهذا السبب أعلاه ـ والكلام للياسري ـ "تأخرت إسرائيل في الرد على الفصائل العراقية لحين وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وهناك تغيرت المعادلة ولهذا تعمل إسرائيل حالياً لتهيئة الأجواء حتى يكون هناك دعم من قبل ترامب لإسرائيل في ضرب الفصائل في العراق كرد على قصفها إسرائيل منذ أكثر من سنة، والضربات الإسرائيلية على العراق ربما تكون مع بداية السنة الجديدة".
وكان ترامب، الرئيس الأمريكي المنتخب، وعد مراراً في حملته الانتخابية بأن يملك القدرة على حل النزاعات المستمرة بسرعة، وعلى الأخص في الشرق الأوسط.
فرصة السوداني الأخيرة
ويرى أحمد الشريفي الباحث بالشأن الأمني، أن "الفصائل الآن في حالة حرب مع إسرائيل، لأن تبني خيار وحدة الساحات يعني إعلان حرب متعددة الجبهات".
وكشف الشريفي يوم أمس، عن زيارة وفد أميركي "قبل 48 ساعة" لرئيس الحكومة محمد السوداني، وحضرته السفيرة الأميركية، مبيناً أن الوفد "جاء ليقدم التحذير الأخير للعراق، بأن أوقفوا ضربات الفصائل وإلا ستقوم إسرائيل بالرد".
وبحسب الشريفي، فإن "الولايات المتحدة أعطت تحذيرات كثيرة للعراق، إذا ضربت إسرائيل الفصائل، فإن أميركا لن ترد، لأنه وفق اتفاقية الإطار الاستراتيجي، تحمي الدولة ومؤسساتها والفصائل ليست من المؤسسات".
بالمقابل، فإن الخبير العسكري يشكك في قدرة الدولة العراقية على حماية الفصائل، ويعتقد كذلك، أن "تغريدات السوداني، وقاسم الأعرجي بشأن بقاء العراق على الحياد، لن يستمع لها الفصائل العراقية".
ويوم أمس، كشفت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، عن "خطط إسرائيلية تعدها حكومة نتنياهو للتعامل مع الهجمات المقبلة من العراق"، مشيرة إلى "استراتيجية مشابهة لتلك المتبعة في جبهتي غزة ولبنان".
وذكرت الصحيفة العبرية أن "خطط إسرائيل بشأن أي تصعيد من جهة العراق تبدأ من ضرب البنية التحتية والمنشآت، ثم الانتقال إلى عمليات اغتيال مركزة تطال شخصيات بالميليشيات الإيرانية في العراق".
ونقلت "معاريف" عن مسؤولي استخبارات إسرائيليين وأميركيين، أن "إيران قد تزيد من استخدام وكلائها في العراق رداً على عمليات الجيش الإسرائيلي في لبنان وغزة". وأشارت إلى أن "هناك مخاوف من أن إيران قد قامت بالفعل بتهريب صواريخ باليستية قصيرة المدى إلى العراق كرد على الضربات الإسرائيلية في إيران".