في الساحة السياسية العراقية، وعلى غرار بعض دول المنطقة، بدأت التعقيدات تزداد مؤخراً في ظل تزايد الهجمات التي يشنها ما يسمى بـ"فصائل المقاومة العراقية" ضد أهداف تابعة للكيان الإسرائيلي.
ومع تصاعد وتيرة هذه العمليات، يبرز صمت حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني كعامل محوري يثير تساؤلات عديدة حول طبيعة الموقف الرسمي وأسبابه، ومن هنا تبدو الحكومة مترددة في اتخاذ موقف واضح، ما يدفع إلى طرح تساؤلات حول العوامل المؤثرة على هذا الصمت.
ومع تصاعد الهجمات، تنطلق العديد من الأسئلة من قبل مراقبين؛ هل تخشى الحكومة من تبعات دولية وردود فعل من قوى عالمية؟ أم أن الصمت نابع من توازنات داخلية معقدة تتعلق بالمشهد السياسي في العراق، أو النفوذ الأميركي المستمر في البلاد؟ وهل تتعرّض بغداد لضغوط مباشرة من إدارة ترامب السابقة، التي طالما شددت على مواجهة أي دعم للمقاومة؟ علاوة على ذلك، يثار القلق بشأن المخاطر التي قد تواجه العراق إذا اتخذت الولايات المتحدة إجراءات عقابية، ما يجعل هذه القضية محوراً لتداخلات إقليمية ودولية حساسة.
ومنذ بدء الحرب في غزة وتوسعها في لبنان، تشن فصائل عراقية هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل وتقول إنها "إسناداً للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة"، مؤكدة أن "هجماتها تأتي نصراً للمدنيين في غزة ولبنان لما يتعرضون له من هجمات وحشية"، حسب وصفهم.
"السوداني فشل في إدارة ملف الفصائل"
يقول رئيس مركز التفكير السياسي العراقي، إحسان الشمري، إن "امتناع حكومة محمد شياع السوداني عن التعليق حول استمرار هجمات فصائل المقاومة يأتي لأسباب عديدة أبرزها خطة الحكومة بعدم التصعيد إعلامياً ضد الفصائل، فضلاً عن كون أن الفصائل هي ركيزة الحكومة الحالية لذلك من الصعوبة تخلّيه عن بيئته السياسية".
وفي حديث لمنصة "الجبال"، يضيف الشمري، أن "السبب الثالث يكمن في عدم التصعيد إعلامياً لتجنب العقوبات الدولية، بينما السبب الرابع يذهب نحو عجز السوداني عن الحد من هذه الهجمات، لذلك أن الصمت يدل على عدم القدرة على معالجة هذا الملف"، موضحاً أن "مواجهة الفصائل يؤدي إلى فتح جبهة سياسية داخلية وهذا ما لا يستطيع السوداني مواجهته".
وبحسب الشمري، فإن "واشنطن مارست ضغوطات عديدة على حكومة السوداني من أجل إيقاف هجمات الفصائل على بعض المناطق التابعة للكيان الاسرائيلي"، مؤكداً أن "جميع المساعي التي قام بها السوداني بشأن هذا الموضوع مع القيادات في إلاطار التنسيقي فشلت".
"السوداني قلق"، والكلام للشمري، الذي أكد أن الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة ترامب "هي متشددة تجاه ملف الفصائل"، بالتالي أن العراق سيكون على موعد مع المزيد من الضغوط بشأن هذا الملف.
وتعلن المقاومة الإسلامية في العراق التي تضم فصائل عدة أبرزها "كتائب حزب الله والنجباء وكتائب سيد الشهداء"، بشكل يومي تقريباً استهداف وضرب العديد من الأهداف الإسرائيلية الحيوية في الجولان وحيفا شمالاً إلى إيلات جنوباً.
"رسائل مباشرة من الفصائل العراقية"
وتداولت تقارير صحفية محلية في العراق معلومات بشأن قيام وفد أمني عراقي رسمي بزيارة طهران قبل أيام، في محاولة لتحييد الفصائل العراقية عن التصعيد الراهن، في ظل استمرار الفصائل بشن هجماتها على مواقع إسرائيلية.
ويقول قيادي رفيع في فصائل المقاومة، لمنصة "الجبال"، إن "المقاومة العراقية تعتبر أن استهداف مواقع الكيان الإسرائيلي في المنطقة يأتي كرد فعل طبيعي ومشروع على السياسات العدوانية التي ينتهجها الاحتلال، سواء من خلال الاعتداءات المباشرة على الشعب الفلسطيني أو عبر تهديده المستمر لاستقرار وأمن دول المنطقة".
فصائل المقاومة، وفقاً لقول القيادي، ترى أن "هذا الكيان لم يترك أي خيار أمام شعوب المنطقة سوى الردع والمقاومة، بعدما واصل انتهاكاته وتصعيده ضد الحقوق والكرامة الإنسانية، ولم يراع أية اعتبارات سياسية أو إنسانية".
ويضيف القيادي الذي اشترط عدم الكشف عن أسمه، أن "موقف الفصائل واضح وثابت، فهم يدركون تماماً أن الكيان الإسرائيلي يعتمد على سياسة القوة والغطرسة، ويواصل استغلال أي ضعف أو تهاون لفرض أجندته التوسعية".
ووفقاً لحديث القيادي، "هناك ضغوطاً دولية تمارس على بعض الحكومات في المنطقة منها العراق لمنعها من دعم المقاومة أو اتخاذ موقف واضح حيال ممارسات الاحتلال، لكن المقاومة مستمرة في نهجها، ولن تتوانى في أداء واجبها الدفاعي".
ويختم حديثه قائلاً إن "أي تهديدات أو عقوبات دولية لا تعني للمقاومة شيئاً، فالمقاومة تستمد شرعيتها من إرادة الشعوب وحقها المشروع في الدفاع عن أرضها ومقدساتها"، رافضاً أن "يتحول هذا الحق إلى أداة للضغط والابتزاز السياسي".
وسبق أن قال المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، في بيان رسمي إن الحكومة وجهت وزارة الخارجية بالتواصل مع واشنطن "بشأن هذا الخرق، طبقاً لبنود اتفاق الإطار الاستراتيجي الثنائي المبرم بين البلدين، والتزام الولايات المتحدة تجاه أمن وسيادة العراق"، مؤكداً التزام الحكومة الثابت بـ "سيادة العراق واستقلاله وحرمة أراضيه".
والشهر الماضي، تقدمت الحكومة العراقية بشكل رسمي بمذكرة احتجاج إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وذلك جراء ما وصفته بـ "خرق" إسرائيل للمجال الجوي العراقي، واستخدامه للهجوم على إيران.
"السوداني في موقف لا يحسد عليه"
ويقول الناصر دريد وهو باحث في الشأن السياسي من كندا، إن "وضع السوداني الآن متأزم، كونه بالأساس يعاني أزمة مع شركائه في الإطار التنسيقي ما يجعله في وضع ضعيف وهو الآن غير قادر على توجيههم بشأن استمرار ضربات الفصائل للأهداف في الأراضي الإسرائيلية".
ووفقاً لحديث دريد، لمنصة "الجبال"، فإن "السوداني الآن محرج من الالتزامات الدولية خصوصاً تجاه واشنطن بشأن ملف الفصائل"، مشيراً إلى أن "السوداني غير قادر على دعم الولايات المتحدة إقليمياً من جانب، ومن جانب آخر غير قادر على مسايرة شركائه في الإطار التنسيقي الذين هم نفسهم من يسيطر على بعض فصائل المقاومة المعروفة".
ويتابع دريد حديثه قائلاً إن "إدارة ترامب لم تستلم الحكم إلى الآن لذلك لا أحد يعرف ما نوع الخطط او القرارات التي ستتخذ بحق العراق بشأن ملف الفصائل"، مضيفاً أن "السوداني الآن في موقف لا يحسد عليه".
يذكر أن سبهان ملا جياد المستشار السياسي لرئيس الوزراء، أكد إن الحكومة لا تريد أن تكون جزءاً من الحرب بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، وإنها تؤيد الحل السياسي والدبلوماسي، ولهذا عملت على إقناع الفصائل بذلك.
وقال في تصريح صحفي، تابعته "الجبال"، إن الحكومة أرادت أن تظل الحرب محصورة بين إسرائيل وحركة حماس، وإيجاد حل دبلوماسي، مشيراً إلى ممارسة الضغوط على الفصائل العراقية لتخفيف الهجمات على الأراضي المحتلة.