تسريبات صوتية تهز العراق يقابلها موقف حكومي متضارب.. ما هي أسباب التصاعد؟

8 قراءة دقيقة
تسريبات صوتية تهز العراق يقابلها موقف حكومي متضارب.. ما هي أسباب التصاعد؟

"التسريبات تستدعي تعيين رئيس مخابرات"

تتسارع وتيرة ظهور التسريبات الصوتية في المشهد السياسي العراقي، مما يثير تساؤلات حول الأسباب والدوافع وراء هذه الظاهرة المتصاعدة في توقيتات قريبة، فيما تأتي هذه التسريبات غالباً وفق العديد من المراقبين لتكشف عن جوانب خفية من الصراعات السياسية والصفقات السرية في العراق، مما يؤثر بشكل كبير على الرأي العام  وتعاطيه مع السياسة، ويشكك أيضاً في مصداقية النظام السياسي والشخصيات الذين يعتبرون قادة فيه.

 

ولم تنته بعد "فضيحة شبكة التنصت" على الشخصيات السياسية، التي يديرها "محمد جوحي"، الموظف في مكتب رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، كما انتشرت أثناء ذلك، تسريبات لرئيس هيئة النزاهة "حيدر حنون" وتم التحقيق فيها، ليتمّ منح حنون منصب مستشار بوزارة العدل، وإعفائه من رئاسة هيئة النزاهة، دون الإفصاح عن ما حصل بـ"التسريبات".

 

وفي غمرة الضجة التي تركها حنون في أوساط السياسة والإعلام، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي، تسريب صوتي نسب لمدير عام هيئة الضرائب، علي وعد علاوي، وهو يتحدث عن قيامه بالتلاعب بالنسب الضريبية لصالح إحدى الشركات، حيث قال فيه مخاطباً شخصاً يدعى "أبو فهد": "المعاملة الأولى اليوم خلصت من أجل الدخول في المناقصات، وغداً سنسلمهم براءة الذمة"، مطالباً الشخص المخاطب (أبو فهد) بعدم إرسال المحامي الخاص به كون الأخير ثرثار و"العيون كلها مفتوحة علينا".

 

بعدها، انتشرت تسريبات نسبت للسياسي خميس الخنجر، وهو يتحدث مع رئيس الحكومة، محمد السوداني،  عن بعض الإجراءات التي تجري في دائرة الأوقاف بالوقف السُني، ومما يحدث فيه من بيع لبعض العقارات، فضلاً عن تسريب آخر تحدث فيه عن نجل رئيس البرلمان، محمود المشهداني، ومنصب في الوقف السني.

 

وأخيراً ظهر قبل أيام تسجيل صوتي يتضمن مزاعم عن تورط رئيس هيئة المستشارين في مجلس الوزراء العراقي، عبد الكريم الفيصل في صفقة فساد تتعلق بمشروع استثماري، حيث يتحدث عن "استلامه مبلغاً مالياً قدره مليون دولار أمريكي دون تحديد مصدر هذا المبلغ أو الغرض منه".

 

وقد نفى الفيصل صحة هذه الاتهامات، ووصف التسجيل بأنه "مفبرك" و"محض افتراء"، كما نفى مدير المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة، ربيع نادر، التسجيل أيضاً، لكن هيئة النزاهة أعلنت بعد ذلك، أنها "تحقق بالأمر".

 

عمليات جدية لـ"التسقيط".. وضغوطات من السوداني 

 

وتشير ظاهرة التسريبات السياسية في العراق خلال الأشهر الأخيرة إلى "ضعف الضبط المؤسساتي في الدولة العراقية"، بحسب الأكاديمي عقيل عباس الذي أكد لـ"الجبال"، أن "هذه التسريبات مؤشر على حدة الصراع السياسي، حيث تسعى كل مجموعة إلى الإطاحة بخصومها لتحقيق مكاسب سياسية أو مالية"، فيما وصف عباس هذه الصراعات بأنها "زبائنية هدفها الابتزاز أو إبرام صفقات" .

 

ومنذ أشهر، يستغرب كثيرون من تكرار ظهور التسريبات، لكنها بالنسبة لآخرين، "دليل قاطع على فساد المنظومة السياسية وتدني أخلاقياتها"، كما يقول الأكاديمي والمحلل السياسي غالب الدعمي الذي يشير أيضاً إلى أنها "توضح علاقات مشبوهة بقصة الرشى وبيع المناصب وتؤكد أن النظام السياسي الحالي بعيد كل البعد عن مفهوم الحكم الرشيد الذي يخدم مصالح المواطنين".

 

وكذلك، يعتقد محللون آخرون، ومنهم المحلل السياسي علي البيدر، أن "هذه التفاصيل تعتبر نتيجة حتمية لغياب النضج السياسي وحالة فقدان الثقة التي تشهدها العملية السياسية ووجود عمليات جدية للتسقيط".

 

ومع موجة "التسريبات"، التي تظهر بين فترة وأخرى، إلا أنّ جميعها تقريباً لم تظهر التفاصيل الكاملة حول نتائج تحقيقاتها، سواء على أصحاب التسجيلات أو ممن سربها.

 

وتشير مصادر إلى وجود ضغوطات من قبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على وزارة الداخلية والأدلة الجنائية للتلاعب بنتيجة مطابقة صوت رئيس مستشاريه في ما يخص قضية التسريب، بحسب مدير مركز النخيل للحقوق والحريات زينب ربيع

 

وفي حديثه لـ"الجبال"، لا يتذكر الأكاديمي عقيل عباس "أي إجراء قانوني اتخذ في ما يتعلق بالتسريبات الصوتية"، مضيفاً: "يشار في كل مرة إلى أنه تم معاقبة المسؤولين خاصة عندما يتعلق بتسريب وثائق من الأمانة العامة لمكتب الوزراء لكن بشكل عام الدولة تفتقر للضبط المؤسساتي".

 

التصور القانوني

 

من الناحية القانونية، يؤكد المحامي محمد جمعة أن مضمون التسريبات الصوتية المتداولة يشكل "جرائم تستوجب التحقيق"، مشدداً على "ضرورة التأكد من صحة التسجيلات المنسوبة للأشخاص المعنيين"، فيما أشار إلى أن "عملية التسجيل نفسها تطرح تساؤلات حول من قام بها ولأي غرض"، إذ أن "مثل هذه التسجيلات لا يمكن أن تكون مصادفة، خاصة إذا كانت تتضمن اعترافات بارتكاب فساد".

 

ويقول جمعة لـ"الجبال"، إن "عملية التنصت مرفوضة قانونياً، متسائلاً عن "الجهة التي قامت بعملية التسجيل وإلى أي مدى يمكن أن تمتد هذه العملية إذا كانت موجهة لمسؤولين"، موضحاً أن "الأحكام القضائية في مثل هذه القضايا قد تختلف حسب طبيعة المعلومات المسربة، حيث قد تطرح أموراً تتعلق بأمن الدولة وأسرارها".

 

 

قضايا تهز الرأي العام.. لكنها تذهب لـ"التسوية"

 

 

البيدر وهو محلل معروف بالدفاع عن رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، أرجع أسباب استهداف الشخصيات الحكومية إلى "رفضها الانصياع للطلبات والرغبات."

 

ويقول البيدر لـ"الجبال"، إن "هذه العمليات تأتي في سياق الصراع السياسي والتنافس على النفوذ، حيث يتم استغلال هذه الشخصيات لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة "، مضيفاً: "عندما يتم استهداف شخصية سياسية معينة قد تكون الجدوى صفر لذلك يتم التركيز على الجهات التنفيذية التي ممكن أن تخدم أطراف أو تكون أداة تحت هذه الأطراف"

 

ومن ما يشخصه العديدون، أن قضايا الفساد التي تهز الساحة العراقية لا تحال إلى القضاء للتحقيق والملاحقة القانونية، "بل يتم تسويتها ومعالجتها بشكل عرفي ضمن التخادم السياسي"، بحسب البيدر الذي يرى أنها "تصبح مادة إعلامية فقط لفترة معينة". 

 

المرحلة الآن خطيرة.. لا تشبه حتى "تسريبات المالكي"

 

هذا وقد انتشرت قبل عامين سلسلة تسريبات فجرها مدون عراقي لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، هاجم فيها زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر والحشد الشعبي، لكن ظهرت إشارات بأن القضاء يحقق في الأمر، دون أن تظهر أي نتائج.

 

ويقول الأكاديمي والمحلل السياسي، أياد العنبر، إن "مرحلة التسريبات الحالية خطيرة ولا تشبه تسريب المالكي"، لأنها "إشكالية تعتبر من أخطر المراحل التي يعيشها النظام السياسي في العراق". 

 

ويتحدث العنبر عن أن "الحكومة متهمة بأنها تتنصت لكن تبين أنها ذاتها مخترقة"، معتقداً أن "المراحل المقبلة ستغير المعادلة السياسية".

 

وبعد ظهور التسجيلات المنسوبة إلى رئيس هيئة المستشارين في مكتب رئيس الحكومة، ظهر بيان صادر عن المكتب الإعلامي للسوداني، هاجم فيه وسائل الإعلام وتحدث عن "أكاذيب مضللة وهجوم يستهدف عمل الحكومة، فضلاً عن تسقيط سياسي". 

 

ويقول العنبر إن "الاستهداف السياسي أصبح شماعة حكومية للمشاكل"، مضيفاً أنه "لا يوجد تسقيط سياسي والبرلمان لم يستطع حتى الآن استجواب وزير". 

 

وبحسب العنبر، فإنّ "رئيس هيئة المستشارين عبد الكريم الفيصل، هو واحد من أقرب شخصين لفريق السوداني".

 

وبرأي العنبر، أن "هدف التسريبات هو إسقاط منظومة الحكم وليس السوداني تحديداً"، بالإضافة إلى أن "موقف الحكومة متضارب تنفي التسريبات ثم تحقق بها"، بالإضافة إلى أن " تعيين رئيس النزاهة من قبل الحكومة يجعلها عاجزة عن محاسبة المسؤولين التنفيذيين". 

 

ويبقى السؤال الأكبر بالنسبة للعنبر، "هو من الطرف المجهول الذي يسرب الأصوات"، بالإضافة إلى أن تصاعد التسريبات وظهورها المتكرر يؤكد "على ضرورة تعيين رئيس جهاز مخابرات". 

إيناس فليب شاعرة وصحفية

نُشرت في الأربعاء 13 نوفمبر 2024 12:05 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

المزيد من المنشورات

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.