السلطات تمنح هويات لأصحاب "المحتوى الإيجابي".. استقطاب جديد وتضييق بعنوان أخلاقي

4 قراءة دقيقة
السلطات تمنح هويات لأصحاب "المحتوى الإيجابي".. استقطاب جديد وتضييق بعنوان أخلاقي من المؤتمر

منحت السلطات العراقية عبر وزارة الداخلية هويات لأصحاب المحتوى الإيجابي

لم تشهد العاصمة بغداد سابقاً مؤتمرات ومناسبات لتكريم "أصحاب المحتوى الإيجابي"، كما شهدته مؤخراً، حين منحت وزارة الداخلية هويات لمن وصفتهم بـ"أصحاب المحتوى الإيجابي" على منصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى "دورهم في التصدي للمحتوى الهابط".

جاء ذلك خلال مؤتمر حمل عنوان "نحو محتوى هادف بنّاء"، أقامته الوزارة أعلن فيه مدير العلاقات والإعلام لوزارة الداخلية خالد المحنا، "إصدار هويات أصدقاء الداخلية لصانعي المحتوى الايجابي بصفة عضو شرف".

وقال المحنا إنّ أصحاب المحتوى الإيجابي "لهم دور في مواجهة الخطاب السلبي، وما له من تداعيات خطيرة وما يحمله من مفاهيم دخيلة على مجتمعنا وما انتجته من آثار سلبية كانت سبباً لكثير من المشاكل الطائفية والمجتمعية والأخلاقية".

قبل ذلك، أكد المحنا على مكافحة المحتوى "الضار" وتشجيع "الإيجابي" منه، وهو ما أدى إلى عقد مؤتمر ضم أكثر من 250 ناشراً وصانع محتوى، قالت الداخلية إنهم "إيجابيون".

وفي كانون الثاني/يناير 2023، أطلقت  وزارة الداخلية العراقية، منصة إلكترونية على موقعها الرسمي للإبلاغ عن "المحتويات التي تتضمن إساءة للذوق العام وتحمل رسائل سلبية تخدش الحياء"، وعلى الرغم من عدم وجود تفسير واضح لـ"الذوق العام"، صدرت بعدها عن القضاء، مذكرات قبض، نفذتها الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية العراقية، في حملة اعتقالات طالت عدداً من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي بدعوى تقديمهم "محتوى هابطاً ومسيئاً للذوق العام".

ولم تتراجع السلطات عن الحملة على الرغم من أن منظمات ومؤسسات وصناع رأي ومؤسسات صحفية، سجلوا احتجاجاً على الحملة، حيث اعتبروا في بيان موحد، أنها شابتها "انتهاكات خطيرة" في إجراءات الاعتقال والقبض، كونها صدرت بموجب تعليمات عن وزارة الداخلية، دون وجود أوامر قضائية مسبقة مبنية على اتهامات محددة وفق القانون.

ويشكو العديد من الصحفيين من تقسيم صنّاع الرأي وأصحاب المحتوى، إلى "إيجابي" و "سلبي"، معتبرين أن الأمر يشير إلى خط حكومي للتضييق على الآراء، حيث تساءلت الشاعرة والصحفية، إيناس فليب، عن الجهة التي يمكن أن تحدد المحتوى الإيجابي من السلبي، مشيرة إلى أنّ "هذا الأمر يعتبر فضفاضاً".

وقالت فليب لـ"جبال" إن "حملات كهذه، هي للسيطرة على الفضاء العراقي العام، كذلك على نوافذ الرأي، حيث تريد السلطات أن تجعل من بعض المشاهير والمعروفين على مواقع التواصل الاجتماعي، أدوات تابعة لها عبر إعطاء وتقديم مميزات لهم مثل هويات تحمل عنوان الصداقة".

وأضافت فليب في حديثها: "ما علاقة وزارة الداخلية بالمحتوى إذا كان هابطاً أو إيجابياً"، لافتة إلى أنّ "هذا التعامل سيجعل من الحريات وتداول الآراء ملفات أمنية وليست متعلقة بالحقوق الطبيعية للإنسان".

وبالنسبة لسلام الحسيني، وهو ناشط ومدوّن، فإنه يتساءل بالقول: "هل انتهت واجبات الوزارات الأمنية حتى تنشغل مثلاً بالمحتويات وما فيها؟!".

ويقول الحسيني لـ"جبال" إنّ "تصدي الداخلية لمثل هذا الأمر يضعها بمواجهة مع المجتمع ويحجم من دورها الأمني الأكبر فضلاً عن كون الأمر سيعزز من شطر المجتمع لنصفين إيجابي وسلبي، مضيفاً: "ثم نعود للأهم في القصة كلها، ما هي مقاييس ومعايير الوزارة التي تقيم على أساسها ما هو إيجابي وسلبي ومن يضع هذه المعايير؟!".

ويعتقد الحسيني أنّ "الخوض بهذا الموضوع هو لأجل احتكار الفضاء العام وتطويعه بما يخدم الحكومة ومسارها ولا علاقة له بما تدعيه الداخلية، معتبراً أنّ ذلك "سيؤدي ذلك إلى مخاطر أكبر تضيق الخناق على الحريات ومنها تحديداً الصحفية وكتاب الآراء وهذا هو الهدف الحقيقي لمسرحية المحتوى الهابط والإيجابي".

آخرون رأوا أن الحكومة العراقية، تسعى إلى خلق نوع من الاستقطاب، بين طرف "إيجابي" وآخر "سيئ وصاحب محتوى هابط".

وبحسب الكاتب الفضل أحمد، فإنّ "الحكومة ستفضل الطرف الأول الذي عادةً ما يساهم بنشر إنجازات مفترضة لها، فيما يسهّل استهداف الطرف الثاني قانونيًّا باستخدام المادة 403 من قانون العقوبات".

ويقول أحمد لـ"جبال"، إنه "يجب الانتباه إلى حق المواطنين بالتعبير عن محتواهم في مواقع التواصل الاجتماعي حتّى وإن كان تافهاً وفق تعريفات وزارة الداخلية، مشيراً إلى أن "أي تقييد -حتى وإن كان تحت غطاء أخلاقي- سيمهّد لتقييدات أكبر تطال المعارضين وأصحاب الآراء الناقدة وباستخدام نفس الذرائع".

الجبال

نُشرت في الثلاثاء 16 يوليو 2024 09:42 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.