تواجه الموازنة العامة في العراق التي تعتمد على الموارد النفطية، تحديات كبيرة في تنوع الإيرادات المالية في ظل ارتفاع الدين الداخلي خلال الأشهر التسعة الماضية من عام 2024 حيث وصل لمستوى قياسي جديد بلغ 80 تريليون دينار (61 مليار دولار).
وكان مجلس النواب العراقي، صوت في 12 حزيران 2023 على مشروع قانون الموازنة العامة للسنوات المالية (2023، 2024، 2025).
الدين العام
وعن الدين العام، كشف محافظ البنك المركزي العراقي، علي محسن العلاق أن "الموازنة العامة للدولة تثبت أحياناً مبلغ عجز كبير، وتغطية هذا العجز تكون عن طريق الدين وهو أسهل وأقرب ويكون عبر الاقتراض من المصارف الحكومية ويمثل ديناً داخلياً، والعجز متأتّي من ارتفاع النفقات بشكل مستمر بحيث لا يقابله نمو بالإيرادات وخاصة الإيرادات المحلية، لذلك أصبحت هناك نفقات ملزمة وغير مرنة في الموازنة العامة للدولة مثلاً الرواتب التي تحتل النفقات الأكبر وبعض النفقات الضرورية، والعراق يعتمد على الإيرادات النفطية لتغطية نفقاته بشكل شبه كلي وأي تذبذب بأسعار النفط ينعكس على تغطية هذه النفقات التي أصبحت ثابتة وغير قابلة للتخفيض".
وتابع العلاق أن "التحدي الكبير أمام الاقتصاد العراقي وما تسعى الحكومة إليه في الوقت الحاضر هو محاولة إيجاد قنوات جديدة لتنويع الاقتصاد العراقي ويتحقق عبر توسيع القاعدة الإنتاجية المحلية سواء كانت الزراعية أو الصناعية أو الخدمية أو مختلف القطاعات، خاصة مع وجود فرص هائلة في العراق للاستثمار بالاستفادة من الموارد الطبيعية والبشرية الموجودة التي يجب أن تقود إلى تصحيح المعادلة المالية الواقعة حالياً، من خلال مسايرة الدورة الاقتصادية وهذا بحاجة لسياسة تعظم الإيرادات غير النفطية وتسيطر في الوقت نفسه على مستوى النفقات".
الدين الخارجي في أقل مستوياته
ولفت العلاق إلى أن "الشيء الجديد أن الدين الخارجي في أقل مستوياته، ويصل حالياً لما هو أقل من 20 مليار دولار، والدين الأكبر هو الدين الداخلي".
في حين، يكشف المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، أنه لم يتبق من الدين الخارجي الواجب السداد لغاية العام 2028 سوى 9 مليارات دولار، إذ تعتمد التخصصات السنوية المناسبة في قانون الموازنة العامة الاتحادية السنوية لغرض خدمة الدين سواء أقساط أو فوائد على الرغم من أن الدين العام الداخلي الذي هو بحوزة الجهاز المصرفي الحكومي والذي يلامس 80 تريليون دينار هو بحوزة السلطة النقدية بنسبة 65% إلا أنه يخضع لتسويات وآليات سليمة عالية الحوكمة في خدمة ذلك الدين (الداخلي).
الأزمة المالية
ويضيف صالح في حديثه لـ "الجبال"، أن تراكم الدين الداخلي جاء جراء الأزمة المالية - الأمنية في مكافحة داعش الإرهابي 2014 - 2017 وهبوط إيرادات النفط وكذلك جراء الأزمة المالية - الصحية وانغلاق الاقتصاد العالمي وهبوط الإيرادات النفطية أيضاً 2019- 2021. وبناء على ذلك، فإن السياسة المالية ظلت وما زالت تبرمج أولوياتها بدقة عالية،إذ تحظى الأجور والرواتب والمعاشات التقاعدية والرعاية الاجتماعية بالأولوية الأولى في الانفاق العام دون أن تغفل حرصها على خدمة الديون الخارجية، لا سيما منذ أن حصلت البلاد على التصنيف الائتماني الدولي للمرة الاولى في العام 2016. إذ كان العراق وما زال في طليعة البلدان في تسديد خدمات مديونيته الخارجية مما جعل المجتمع المالي الدولي يمنح بلادنا جدارة ائتمانية مناسبة ومستقرة جداً.
ضغوطات اقتصادية ملحوظة
في حين، يرى استاذ الاقتصاد الدولي، نوار السعدي، أن ميزانية العراق لعام 2024 تواجه ضغوطات اقتصادية ملحوظة، نتيجة العجز الكبير المتوقع، الذي يُقدّر بحوالي 48 مليار دولار. هذا العجز يُعتبر الأكبر حتى الآن، ويأتي في ظل استمرار اعتماد الحكومة العراقية الكبير على إيرادات النفط، التي تمثل حوالي 90% من ميزانيتها. وبحسب حديث السعدي لـ "الجبال"، فإنه "نظراً لتذبذب أسعار النفط عالمياً، يصبح الاقتصاد العراقي معرض لخطر ارتفاع الدين العام وتراكم الديون التي قد تؤثر سلبياً على التزامات الحكومة في دفع الرواتب وتنفيذ البرامج التنموية".
وأكمل أن "الحكومة العراقية تسعى حتى الآن إلى تحقيق توازن في الميزانية من خلال خفض الإنفاق في بعض الجوانب وتحسين تحصيل الإيرادات غير النفطية، لكن هذه الخطط بالتأكيد تحتاج إلى وقت لتطبيقها حتى تنعكس نتائجها. على الرغم من تخصيص ميزانية ضخمة للنفقات الاجتماعية ومشاريع التنمية، تظل نسبة كبيرة من الميزانية موجهة للرواتب والأجور والتي تشكل تحدياً إذا استمر الدين في النمو. وأيضاً هناك تحدي آخر هو توصية صندوق النقد الدولي بضرورة اتباع سياسات مالية صارمه، تشمل السيطرة على فاتورة الأجور العامة وإصلاحات في نظام المعاشات وتعزيز مصادر الدخل غير النفطي، لتجنب الوصول إلى حالة عدم استدامة في الديون على المدى الطويل".
وختم بأن، "استدامة دفع الرواتب وتنفيذ البرامج الحكومية ستعتمد على قدرة الحكومة العراقية على التحكم في الإنفاق العام وتعزيز مصادر الإيرادات. فاستمرار الاعتماد المفرط على النفط يعرض العراق لمخاطر اقتصادية، خاصة إذا شهدت أسعار النفط العالمية انخفاضات حادة".