يعيش العراق حالة من الركود التشريعي منذ أشهر نتيجة استمرار شغور منصب رئيس مجلس النواب والذي يعد من أبرز المناصب المحورية في النظام السياسي العراقي ما بعد العام 2003؛ لكن الأنباء الأخيرة تشير إلى إمكانية تمرير مرشح تحالف "العزم" محمود المشهداني، للمنصب السُني الأكبر وفق الأعراف السياسية.
الحالة جاءت نتيجة الخلافات السياسية المستمرة بين الكتل والقوى المختلفة خصوصاً السنية بعد إنهاء عضوية الرئيس السابق محمد الحبلوسي من قبل المحكمة الاتحادية العليا. ومع تصاعد التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه العراق، تتزايد الضغوط لإيجاد حل تعطل سير العمل التشريعي وتفاقم حالة الجمود السياسي.
11 شهراً مرت على شغور المنصب الذي يعد من حصة المكون "السنيّ" حصراً، منذ إصدار المحكمة الاتحادية قراراً يقضي بإنهاء عضوية الحلبوسي في (14 تشرين الثاني 2023)، وعقب ذلك بأسبوع فقط قرر رئاسة مجلس النواب إنهاء عضويته بشكل رسمي.
وجاء قرار المحكمة على خلفية دعوى قضائية تقدم بها النائب السابق ليث الدليمي، اتهم فيها الحلبوسي بتزوير استقالته من عضوية مجلس النواب، وهو ما دفع القضاء العراقي نحو إنهاء عضويتهما معاً.
"الإطار قرر تمرير المشهداني"
ويقول مصدر رفيع المستوى داخل الإطار التنسيقي، إن "جميع قادة الإطار اتفقوا الأسبوع الماضي على تمرير محمود المشهداني، لنيل منصب رئاسة مجلس النواب العراقي الجديد".
وفي حديث مقتضب لمنصة "الجبال"، يشير المصدر الذي اشترط عدم الكشف عن أسمه، إلى أن "الاجتماعات مع القوى السنية على مدار الأشهر الماضية لم تثمر عن أي نتائج بالتالي قرر الإطار دعم المشهداني".
ويؤكد المصدر، أن "هناك انقساماً كبيراً داخل البيت السني، الأمر الذي ساعد الإطار التنسيقي على الدخول وحيداً لحسم المنصب مدعوماً من بعض الأطراف الكردية"، في إشارة إلى الاتحاد الوطني الكردستاني.
وفشل مجلس النواب العراقي 4 مرات في انتخاب رئيس له وكان أبرزها الجلسة التي عُقدت في (كانون الثاني الماضي 2023) والتي شهدت منافسة حادة بين مرشّحين أثنين وهم النائب شعلان الكريم عن حزب تقدم والنائب سالم العيساوي عن حزب السيادة ومرشح تحالف (عزم) الرئيس الأسبق للبرلمان محمود المشهداني.
وحصد العيساوي في وقتها على 158 صوتاً في حين حصل المشهداني على 137 صوتاً، كما حصل النائب عامر عبد الجبار 3 أصوات، بينما بلغت الأصوات الباطلة 13 صوتاً، وأدلى 311 نائباً (من إجمالي 329) بأصواتهم في الجولة الأولى.
وسبق أن ردت المحكمة الاتحاديّة دعوى إلغاء جلسة البرلمان "الجولة الأولى"، لانتخاب رئيس البرلمان والتي أظهرت تقدّم المرشحين شعلان الكريم وسالم العيساوي في ذاك الوقت، رغم أن النظام الداخلي للمجلس كان يقضي استئناف الجولة الثانية لانتخاب رئيسه وفق النتائج السابقة.
"الحسم يقترب من النهاية"
يقول عقيل الرديني، القيادي في ائتلاف النصر المنضوي تحت جناح الإطار التنسيقي، لمنصة "الجبال"، إن "الكتل السياسية اتفقت على عقد جلسة خاصة لانتخاب رئيس جديد للبرلمان خلفاً للحلبوسي خلال الأسبوع الجاري"، مبيناً أن "القوى السياسية تعتبر أن الفترة الحالية تحتاج إلى منصب رئاسة البرلمان".
ووفقاً لحديث الرديني، فإن المشهداني هو الأكثر حظوظاً لنيل منصب رئاسة البرلمان، مشيراً إلى أن قادة الإطار التنسيقي قدموا مجهودات كبيرة على مدار الأشهر الماضية من أجل اقناع الطرف السني لحسم شخصية توافقية سنية للظفر بالمنصب التشريعي المهم".
المشهداني، يمتلك الآن أغلبية كبيرة داخل مجلس النواب والمعارضون له قليلون، والكلام للرديني، الذي عبر عن اعتقاده بأن جلسة الأسبوع الجاري ستشهد تمرير مرشح منصب الرئاسة بشكل نهائي وقطعي.
ويحتاج التصويت على منصب رئيس البرلمان إلى (نصاب النصف زائد واحد)، من عدد مقاعد أعضاء مجلس النواب الكلي البالغ 329 مقعداً، ما يعني أن تمرير منصب الرئيس يحتاج إلى 166 نائباً، وهو العدد الذي لا تملكه القوى الرئيسة تحت قبة البرلمان.
"الحلبوسي لم يعط الضوء الأخضر"
وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، أجرت القوى السنيّة جولات مباحثات مع جميع القوى الشيعية والكردية من أجل حسم منصب الرئاسة قبل نهاية العام الجاري.
وفي هذا الشأن، يقول قيادي في كتلة تقدم، لمنصة "الجبال"، إنهم "لم يعطوا الضوء الأخضر لغاية الآن بشأن تمرير المرشحين المتناولين بكثرة في وسائل الإعلام بشكل قطعي"، مبيناً أن "الاجتماعات مع القوى السياسية الأخرى لاتزال مستمرة لغاية الآن".
ويتحدث القيادي، عن وجود "تقارب مع القوى في الإطار التنسيقي بشأن إمكانية تمرير المشهداني، للمنصب مقابل حصول تقدم على العديد من الضمانات السياسية"، التي رفض الكشف عنها.
ويضيف القيادي الذي اشترط عدم الكشف عن اسمه، كونه غير مخول بالتصريح الإعلامي، أن "مباحثات منصب الرئاسة لا تقتصر على الشخوص فقط، وإنما تضمنت أيضاً ضمانات بإقرار قانون العفو العام والقوانين الخلافية الأخرى".
ويختم القيادي، حديثه قائلاً، إن "الإطار التنسيقي عقد اجتماعاً بحضور قيادات تقدم في منزل زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، الأسبوع الماضي"، مضيفاً أن "الاجتماع خصص فقط لحسم منصب رئاسة البرلمان خلال الأيام القليلة المقبلة".
ومنذ استبعاد الرئيس السابق محمد الحلبوسي عن منصبه، تولّى نائبه الأول محسن المندلاوي رئاسة المجلس مؤقتاً، وأدار جميع جلسات البرلمان الخاصة بتمرير القوانين المهمة مثل جداول الموازنة وقانون العطل وغيرها.
وأخفق الحلبوسي، في تمرير مرشحه لمنصب الرئاسة شعلان الكريم رغم حصوله على 152 صوتاً من أصل 314 صوتاً، قبل أن ينسحب من السباق بعد تسريب مقطع فيديو له يمجد النظام السابق.
"فشل التمرير سيتكرر"
ويبدو أن مشهد فشل الجلسات ليس ببعيد، حسب رؤية مراقبين، يعتقدون أن الكتل السياسية عاجزة عن تجاوز خلافتها بشأن مرشح الرئاسة والجميع يسعى ويقدم عروضاً للظفر به.
ويقول رحيم الشمري، وهو محلل سياسي، لمنصة "الجبال"، إن "التقديرات تشير إلى أن الكتل السياسية اتفقت مؤخراً على حسم منصب رئاسة البرلمان بأسرع وقت، خصوصاً وأن الإدارة بالإنابة تسببت بعرقلة عمل السلطة التشريعية على مدار الأشهر الماضية".
ويضيف الشمري، أن "هناك تنافساً كبيراً بين المكون السني على منصب الرئاسة، فضلاً عن استمرار وجود محمود المشهداني، مرشح الإطار التنسيقي المدعوم بقوة".
التوقعات تذهب إلى أن الجلسة لن تشهد تمرير وحسم المنصب، كون الخلافات على الشخصيات لا تزال موجودة سواءً في اجتماعات القوى السنية أو مع الإطار التنسيقي، وفقاً لقراءة المشهد من قبل الشمري.
ووفقاً للشمري، فإن الحديث عن محمود المشهداني وسالم العيساوي كونهما الأقرب لنيل منصب الرئاسة غير صحيح، لأن المرشحين لا يملكان دعم رئيس البرلمان السابق وزعيم تقدم محمد الحلبوسي بشكل نهائي.