التفاصيل الكاملة لحراك البرلمان نحو إجراء القراءة الأولى لقانون العفو العام.. إلى ماذا يفضي؟

10 قراءة دقيقة
التفاصيل الكاملة لحراك البرلمان نحو إجراء القراءة الأولى لقانون العفو العام.. إلى ماذا يفضي؟ مجلس النواب العراقي وسجن بالعراق

تطلّع لتحرير مظلومين ومخاوف من إفلات مذنبين

على الرغم من الخلافات السياسية والجدال الدائر حوله، يقوم مجلس النواب العراقي، اليوم الأربعاء، بإجراء قراءته الأولى لتعديل قانون العفو العام، الذي ترى فيه القوى السنية، "سبيلاً لإنصاف آلاف المحتجزين المظلومين"، فيما تعتبر بعض الأطراف الشيعية إقراره طريقاً لإخلاء سبيل "إرهابيين" شاركوا في عمليات التخريب التي نفذها تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق.

 

شرّع العراق قوانين عديدة للعفو خلال السنوات الماضية، آخرها قانون العفو العام لسنة 2016، وهناك اعتراضات قائمة بحق هذا القانون، منذ تشريعه وحتى الآن. 

 

لكنّ القانون المذكور، يعفو عن "العراقيين المحكومين بالإعدام أو بإحدى العقوبات أو بالتدابير السالبة للحرية، سواء كان الحكم وجاهياً أم غيابياً، اكتسب درجة البتات أم لم يكتسب ودون الإخلال بالمسؤولية المدنية أو التأديبية أو الانضباطية"، وتسري أحكام العفو على المتهمين كافة بإستثناء من ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها بالمادة (4) من القانون. 

 

جزء من المنهاج الحكومي


وأكد رئيس اللجنة القانونية النيابية بالبرلمان العراقي، ريبوار هادي، أن "القراءة الأولى لتعديل قانون العفو العام رقم (27) لسنة 2016، ستجري في هذه الجلسة، وتعديل القانون هو جزء من المنهاج الوزاري للحكومة الحالية، وتم إرساله من قبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى البرلمان"، مضيفاً: "كان ينبغي إدراج القانون في جدول أعمال البرلمان منذ سنتين، لكن عدة عوامل عرقلت ذلك حتى الآن".

 

موضع الخلاف


بعد اجتياح تنظيم "داعش" لمساحات شاسعة للمناطق ذات الغالبية السنية عام 2014، اختلطت الأوراق حول من انتمى لتنظيم "داعش" الإرهابي. حينها تشكلت اعتراضات كثيرة، لأن هناك كثير ممن صنفوا "إرهابيين" انتزعت اعترافاتهم بالقوة أثناء التحقيق. 

 

ويكمن جوهر الخلاف بين الأطراف في تعريف القانون للإرهاب والإرهابي، فتصاعدت الخلافات السنية الشيعية حول من هو الإرهابي، وكيفية فك الارتباط بين المنتمين فعلاً إلى تنظيم "داعش"، وقاموا بتنفيذ عمليات إرهابية، وبين من اضطرتهم ظروفهم للعيش بمناطق سيطرة "داعش"؟ ما جعل عملية تشريع القانون وإقراره أمراً في غاية الصعوبة، بحسب سياسيين. 

 

وفرضت المادة (4) من قانون مكافحة الإرهاب 2005، عقوبة "الإعدام لكل من ارتكب – بصفته فاعلاً أصلياً أو شريك عمل أياً من الأعمال الإرهابية الواردة بالمادة الثانية والثالثة من هذا القانون، على أن يعاقب المحرض والمخطط والممول وكل من مكّن الإرهابيين من القيام بالجرائم الواردة في هذا القانون بعقوبة الفاعل الأصلي. والسجن المؤبّد لمن اخفى عمداً أي عمل إرهابي أو آوى شخصاً إرهابياً بهدف التستر".

 

وتتفق "القوى السنية"، على أهمية تشريع قانون عفو عام لا يستثني أحداً في السجون تحت ذريعة الانتماء لـ"داعش". في حين تتوافق رؤى القوى الشيعية بشأن العفو العام باتجاه عدم تشريع قانون يتيح لمن يرون أنهم "إرهابيون" الخروج من السجون والمعتقلات.

 

ما هو مضمون التعديل؟


ينص البند الثاني من المادة 4 من قانون العفو العام على استثناء مرتكبي "الجريمة الإرهابية التي نشأ عنها قتل أو عاهة مستديمة، وجريمة تخريب مؤسسات الدولة، وجريمة محاربة القوات المسلحة العراقية، وكل جريمة إرهابية ساهم بإرتكابها بالمساعدة أو التحريض أو الاتفاق"، من أحكام القانون.

 

ويتمثل التعديل الجديد للقانون بإضافة نص إلى البند الثاني من المادة (4) من قانون العفو العام لسنة 2016، لتحديد معنى الانتماء للتنظيمات الإرهابية كالتالي: "يقصد بجريمة الانتماء للتنظيمات الإرهابية كل من عمل في التنظيمات الإرهابية أو قام بتجنيد العناصر لها، أو قام بأعمال إجرامية أو ساعد بأي شكل من الأشكال على تنفيذ عمل إرهاب أو وجد اسمه في سجلات التنظيمات الإرهابية".

 

هل سيمرر القانون خلال الجلسة؟


أوضح رئيس اللجنة القانونية النيابية، ريبوار هادي، لمنصة "الجبال" إنه "ستجري القراءة الأولى للقانون، ويستلزم إجراء قراءة ثانية له ليتم تمريره"، مشيراً إلى أن "التعديل سيشمل إعادة تعريف معنى الانتماء لتنظيم داعش، ولا يتضمن مواد عن إعادة محاكمة المعتقلين بتهمة الإرهاب، لكن هناك أشخاص سيشملهم العفو في حال إقرار القانون".

 

ولم يبين رئيس اللجنة القانونية النيابية، عدد الأفراد الذين سيرأف بهم التعديل الجديد للقانون.

 

من جانبه، صرح المتحدث باسم وزارة العدل العراقية، أحمد لعيبي، لمنصة "الجبال"، بوجود 56 ألف سجين في العراق، "آلاف منهم محتجزون بتهمة الإرهاب". ولفت إلى أن "الاعتقالات بتهمة الإرهاب انحسرت بعد عمليات تحرير أراضي العراق من قبضة داعش، وباتت المخدرات هي التحدّي الأكبر في مواجهة البلاد".

 

ترحيب سنّي بالخطوة و"تقدّم أول المطالبين"


كان قانون العفو العام أحد أبرز مطالب الكتل السنية التي اشترطت إقراره  للانضمام إلى "ائتلاف إدارة الدولة" إلى جانب الإطار التنسيقي الشيعي والكتل الكوردية، وتشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني. ويتحدّث مراقبون عن "إرادة سياسية، خاصة من قبل الإطار التنسيقي، لتعطيل القانون وعدم الالتزام بالوعود التي قطعت للسنة لضمان مشاركتهم في الحكومة الجديدة".

 

في هذا السياق، قال عضو مجلس النواب العراقي عن حزب "تقدم"، محمد مهند المحمدي، لمنصّة "الجبال"، إن "قانون العفو العام من أهم القوانين التي كانت ضمن ورقة الاتفاق السياسي بين حزب تقدم والأحزاب والقوى العراقية الأخرى"، مؤكداً أن "تقدّم كان أول المطالبين بإقرار القانون".

 

وتابع: "حصل تأخير في الفترة السابقة بسبب الانتخابات، وبسبب جمهور الطرف الآخر، كان هناك غموض في تفسير قانون العفو، واليوم سنضع النقاط على الحروف. كان أهم مطلب لدى حزب تقدم هو إقرار قانون العفو، وكنا مستعدين للتنازل عن أي منصب لإقراره"، موضحاً: "هناك أبرياء في السجون، وخلل في تفسير ماهية الانتماء، وكيفية تفسير الانتماء. هناك متهمون في السجون اعتقِلوا على أساس صورة التقطت في الشارع خلال وجود داعش. وهناك تجمعات فرضها التنظيم مثل الدواوين والمضايف، والعديد من هذه الإشكالات ملأت السجون بتهمة الانتماء إلى داعش".

 

وفيما يتعلّق بالتعديل، قال المحمدي: "هناك وصف دقيق لجريمة الانتماء وتم تفسيره بشكل قانوني، بما يخدم مصلحة العراقيين، لكي لا يكون هناك مظلومون في السجون"، مشدّداً أن "نحن مع القصاص العادل بحق المتهمين الذين ثبتت إدانتهم أي كانوا، لأنهم هم قاموا بقتل أبناء محافظتنا قبل الغير. نحن بصدد الدفاع عن الأبرياء فقط وإنزال العقوبة بحق المجرمين الحقيقين".

 

"هناك جهات تحاول أن تستخدم قانون العفو  كورقة لكسب الجماهير أو كورقة سياسية، ونحن بعيدون كل البعد عن هذا الموضوع"، على حد قول المحمدي.

 

وعلى مدى سنتين كاملتين، تكررت دعوات قادة القوى السنية لإقرار تعديل القانون، فسبق أن دعا رئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، في 25 آذار الماضي، الحكومة العراقية والبرلمان لإقرار قانون العفو العام قبل نهاية شهر رمضان، وفقاً للاتفاق السياسي الذي تشكلت على أساسه حكومة السوداني. وفي 7 شباط الماضي، دعا رئيس تحالف عزم في ديالى النائب رعد الدهلكي، رئاسة مجلس النواب والقوى السياسية إلى موقف واضح وحازم للمضي بإقرار قانون العفو العام.

 

من المستفيد؟


ليس السنة وحدهم من يستفيد من إقرار التعديل الجديد، بل أن التيار الوطني الشيعي (التيار الصدري سابقاً) سينتفع أيضاً من هذا القانون.

 

فبعد عام 2003، اعتقلت القوات الأميركية، إبان وجودها في العراق، المئات من أتباع مقتدى الصدر (جيش المهدي). وفي السنوات اللاحقة، اعتقلت السلطات العراقية أعداداً  كبيرة من جناح الصدر المسلح وبلغت ذروة هذه الاعتقالات عام 2008.

 

ودعا زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، بتاريخ (25 كانون الثاني 2024)، الحكومة إلى الإفراج عن سجناء التيار.

 

قال الصدر في منشور له "أجد من المصلحة المطالبة بالإفراج عن سجناء ما يسمونه بالتيار الصدري. فهو إما سجين مقاوم.. والسلطة الحالية تدّعي دعمها للمقاومة فلا داعي لبقائه في السجن. وإما سجين بريء.. فهي (السلطة الحالية) تدّعي العدل ولا داعي لاستمرار بقائه في السجن. وإما مذنب فهو قد أخذ قسطاً من السجن ليس بقليل.. فإذا تعهد خطياً بعدم تكرار ذنبه فالإفراج عنه متعيّن، وسنعينه على التوبة ببركة أهل البيت عليهم السلام مع السعي الاجتماعي لتنازل أهل الحق عن حقهم".

 

وعدّ سياسيون منشور الصدر مطالبة غير مباشرة بإقرار تعديل قانون العفو العام.

 

مخاوف من إفلات مذنبين من العقاب


مع تفاؤل الكثيرين بإحداث التعديل الجديد للقانون، لدفعه باتجاه تحرير آلاف المحتجزين تعسفاً خلف القضبان، يتخوّف البعض من استغلال التعديل في إفلات مذنبين حقيقيين من العقاب، "في ظل عيوب تشوب النظام القضائي العراقي".

 

سارا صنبر، باحثة في الشأن العراقي بمنظمة "هيومان رايتس ووتش"، أشارت في حديث لـ"الجبال" إلى "توثيق عيوب في النظام القضائي العراقي منذ سنوات، بما في ذلك الاعتماد المفرط على الاعترافات، منها الاعترافات المنتزعة بواسطة التعذيب، ومعلومات استخباراتية خاطئة تم الحصول عليها بواسطة مخبرين سريين، ومحاكمات عاجلة دون مشاركة الضحايا، وانتهاكات متعددة للإجراءات القانونية الواجبة"، مشدّدة على "أهمية ضمان السلطات العراقية مسار للإفراج عن المسجونين ظلماً، وموازنة ذلك مع ضمان عدم إفلات الأشخاص المذنبين بارتكاب جرائم من العقاب".

 

قالت صنبر: "قد يكون مشروع قانون العفو العام خطوة في الاتجاه الصحيح، ويغير حياة أولئك المسجونين ظلماً، لكنه لا يكفي وحده، بل يجب أن يقترن بإصلاحات لتعزيز السلطة القضائية العراقية، والتدقيق القانوني للقضايا الفردية التي تشرف عليها لجان قضائية مستقلة، لا سيما في الحالات التي توجد فيها مخاوف بشأن عدم احترام الإجراءات القانونية الواجبة أو ضمان المحاكمة العادلة".

 

فيما لفتت، رازاو صاليي، باحثة في منظمة العفو الدولية، إلى "مخاوف كبيرة بشأن قانون العفو، لأنه قد يؤدي إلى عدم محاسبة مرتكبي انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ما يزيد من انتشار الإفلات من العقاب على نطاق واسع في البلاد".

 

قالت صاليي، لمنصة "الجبال" إن قانون العفو "ليس حلاً سحرياً للنظام القضائي العراقي، الذي دفع الآلاف لانتظار موتهم، رغم الأدلة على الاعتقالات التعسفية الجماعية"، مردفة أن "الارتفاع الأخير في عمليات الإعدام الجماعية في العراق - مع الافتقار الواضح للشفافية فيما يتعلق بالأرقام - لا يشير إلى أي أمل بأن يؤدي أي تغيير في التشريع، خاصة التشريع الذي تمت صياغته بشكل فضفاض، إلى تحقيق العدالة لأي شخص".

 

"العراق يحتاج إلى اقتلاع ومعالجة عيوب نظامه القضائي، من أجل أن يحدث أي من هذه القوانين فرقاً في مصير أولئك الذين وقعوا ضحية، وما زالوا يعانون من انتهاكات لا توصف"، وفقاً لقول صاليي.

 

 

لافا عثمان

نُشرت في الأربعاء 24 يوليو 2024 01:24 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.