"تناغم" مع واشنطن بعد "رسائل سافايا".. شكوك في "إيمان" الفصائل بنزع السلاح: تسوية اضطرارية

"تناغم" مع واشنطن بعد "رسائل سافايا".. شكوك في "إيمان" الفصائل بنزع السلاح: تسوية اضطرارية قيس الخزعلي وهادي العامري خلال تشييع أعضاء في "عصائب أهل الحق" ببغداد - 2019 (أرشيف)

ما تزال آلية وطريقة نزع سلاح الفصائل، غير واضحة المعالم، فأين سيذهب ذلك السلاح ومتى وكيف سيتم نزعه فعلياً، أسئلة ما تزال تنتظر إجابات، في وقت يشكك فيه مراقبون، بأن الفصائل وصلت إلى "إيمان كامل" بضرورة الاحتكام الحصري لمؤسسات الدولة، حيث يصفون دخولها في مسار نزع السلاح، "تناغماً" مع واشنطن لضمان المصالح، وسط تحذيرات من "التأخير أو التهاون" في وضع الخطط والآليات المناسبة بشأن نزع سلاح تلك الفصائل.

 

وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي عائد الهلالي، في حديث لمنصّة "الجبال"، إنه "في توقيت بالغ الحساسية، جاء إعلان بعض الفصائل المسلحة نزع سلاحها أو الشروع بخطوات تنظيمه، لتطرح أسئلة جوهرية حول الأسباب الحقيقية والدوافع العميقة وراء هذا التحول، وهل يمثل قناعة فعلية بمتطلبات الدولة أم أنه مجرد مناورة سياسية مؤقتة فرضتها ضغوط داخلية وخارجية متراكمة، فالمتابع للمشهد يدرك أن هذا الإعلان لم يكن وليد هذه اللحظة أو مراجعة فكرية خالصة، بل نتاج تداخل عوامل معقدة، في مقدمتها تصاعد الضغوط الدولية، لا سيّما الأميركية، وربطها بشكل مباشر بمستقبل النظام السياسي والاقتصاد العراقي".

 

وبيّن، أنه "على مستوى القناعة، يصعب الجزم بأن الفصائل وصلت إلى إيمان كامل بضرورة الاحتكام الحصري لمؤسسات الدولة، إذ أن التجارب السابقة أظهرت أن بعض الإعلانات المشابهة كانت تكتيكية، هدفها امتصاص الغضب أو كسب الوقت، لا أكثر، ومع ذلك، لا يمكن تجاهل وجود تيار داخل هذه الفصائل بات يدرك أن كلفة السلاح خارج الدولة أصبحت أعلى من مكاسبه، وأن الاستمرار في هذا النهج يهدد الوجود السياسي والاجتماعي لتلك القوى".

 

وأضاف الهلالي، "يبرز في هذا السياق، الدور المحوري لرئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان، الذي استطاع بما يمتلكه من تأثير قانوني ومؤسسي، أن يعيد رسم حدود اللعبة، فالقضاء عبر رسائل واضحة وغير قابلة للتأويل، وضع الجميع أمام معادلة صارمة: إما دولة بقانون نافذ على الجميع، أو فوضى ستقود إلى عزلة داخلية وخارجية، هذا الدور لم يكن صدامياً، بل اعتمد على تفعيل النصوص الدستورية وإشعار الفصائل بأن الغطاء القانوني لأي سلاح خارج إطار الدولة بات مرفوعاً".

 

وتابع، "أما كواليس الإعلان، فتشير إلى مشاورات مكثفة شاركت فيها أطراف حكومية وقضائية، مع رسائل دولية غير معلنة، حذّرت من سيناريوهات أشد قسوة في حال عدم الاستجابة، ويأتي التوقيت متزامناً مع ما يعرف بـ(رسائل سافايا)، التي عكست تحولًا في الرؤية الأميركية تجاه العراق، من إدارة الأزمات إلى فرض معايير صارمة تتعلق بالسيادة والسلاح والقرار المستقل".

 

وختم الهلالي، حديثه بالقول، إن "نزع السلاح في هذا التوقيت يبدو أقرب إلى تسوية اضطرارية ومنها إلى تحول جذري، لكنه يظل خطوة مفصلية قد تفتح الباب، إن أُحسن استثمارها، لإعادة بناء الدولة على أسس أكثر توازناً وسيادة".

 

من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية خالد العرداوي في حديث لمنصّة "الجبال"، إنه "مما لا شك فيه أن لواشنطن تأثير كبير في مجريات الأحداث في العالم، ومنها منطقة الشرق الأوسط، وأن ما تقوم به من ضغوط واضحة لاحتواء طهران، ونزع سلاح الفصائل الموالية لها في المنطقة في الوقت الحاضر، هو جزء من استراتيجية أكبر لضمان مصالحها ونفوذها على مستوى العالم".

 

وبيّن، أنه "يأتي طرح مشروع الشرق الاوسط الجديد كمحطة مهمة في تحقيق هذه الاستراتيجية، وعليه لم يعد الخطاب السياسي لوكلاء ايران في المنطقة، والقائم على الخطاب الموازي للخطاب الرسمي للحكومات، والمستند إلى سلاح المقاومة، خطاباً فعالاً أو مفيداً، على العكس أصبح مضراً لمصالح طهران أولا، ومصالح وكلائها الإقليميين، ويمكن لهذا الخطاب أن يدفع الأمور إلى حافة الهاوية، بما فيها التعرض للهجمات العسكرية، سواء من واشنطن أو حليفتها تل أبيب".

 

وأضاف، "ازاء هذا الوضع الإقليمي والدولي، واستمرار الضغط الأميركي لتغيير المعادلة في العراق، فمن الطبيعي أن تتوجه بعض القوى السياسية العراقية إلى تغيير خطابها، واللجوء إلى مظلة الدولة الرسمية ونزع عباءة الخطاب الموازي، ومعها السلاح الموازي، فهي تعلم أنه من المفيد لها أن تخاطب واشنطن بلغتها، وتتناغم من متطلبات ضمان مصالحها، والابتعاد عن استفزازها، لاسيما أن هذه القوى بعد الانتخابات الأخيرة حققت مكاسب سياسية كبيرة، ومن الخطأ التضحية بهذه المكاسب نتيجة سياسات غير محسوبة العواقب".

 

وأكد العرداوي، أن "هذا يدل على أن خطاب الفصائل الجديد في نزع السلاح وحصره بيد الدولة، هو قراءة ذكية لطبيعة المتغيرات الإقليمية والدولية، فضلاً عن المتغيرات الداخلية، ولكن هذا الخطاب ينبغي أن لا يتوقف عند حدود الكلام، بل لابد من رفده بسياسات عامة وقرارات وبرامج ناجحة تنقله من ميدان الكلام إلى ميدان العمل لتحقيق النتائج الإيجابية المرجوّة منه".

 

في المقابل، قال الباحث في الشأن السياسي والأمني محمد علي الحكيم في حديث لمنصّة "الجبال"، إن "ملف تسليم الأسلحة، ولا سيما الثقيلة منها، يعد من أكثر الملفات حساسية في المرحلة الحالية، فمن الضروري التعامل معه عبر خطط مدروسة وآليات واضحة وشفافة، تضمن نجاح عملية الانتقال من العمل المسلح إلى العمل السياسي".

 

وأوضح الحكيم، أن "إعلان بعض الفصائل نيتها نزع السلاح والانخراط في العملية السياسية يعد خطوة إيجابية ومهمة، لكنها تبقى غير مكتملة ما لم تترجم إلى إجراءات عملية على الأرض، تنظم عملية تسليم الأسلحة وفق جدول زمني محدد، وتحت إشراف مؤسسات الدولة المختصة".

 

وأضاف، أن "الأسلحة الثقيلة تمثل التحدي الأكبر في هذا الملف، نظراً لتأثيرها المباشر على الأمن والاستقرار، وحصر هذه الأسلحة بيد الدولة فقط يعد شرطاً أساسياً لبناء دولة قوية قادرة على فرض القانون وحماية سيادتها".

 

وأكد، أن "غياب الآليات الواضحة قد يفتح الباب أمام إشكالات أمنية أو تفسيرات متباينة لعملية نزع السلاح، ولهذا يجب تشكيل لجان فنية وأمنية مشتركة، تتولى حصر الأسلحة، وتحديد أماكنها، وآلية استلامها وخزنها أو إتلافها، بما يضمن الشفافية ويعزز الثقة بين جميع الأطراف".

 

وشدد الحكيم، أن "نجاح هذه الخطوة يتطلب أيضا غطاء سياسياً وقانونياً واضحاً، إضافة إلى ضمانات حقيقية تشجع الفصائل على الالتزام بتعهداتها، مع التأكيد على أن الانخراط في العمل السياسي يجب أن يكون قائماً على مبدأ الاحتكام للدستور والقانون، وليس على موازين القوة المسلحة".

 

وختم الباحث في الشأن السياسي والأمني حديثه بالقول: إن "معالجة ملف السلاح خارج إطار الدولة تمثل محطة مفصلية في مسار الاستقرار، وأن أي تأخير أو تهاون في وضع الخطط والآليات المناسبة قد ينعكس سلباً على الأمن الوطني ومستقبل العملية السياسية".


الجبال

نُشرت في الاثنين 22 ديسمبر 2025 07:32 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.