بدأت الفصائل السياسية في العراق مناوراتها منذ الانتخابات البرلمانية التي أجريت قبل أكثر من شهر، بهدف تشكيل تحالفات سترسم ملامح الحكومة المقبلة.
ووفق تقرير لأسوشيتد برس، وترجمته "الجبال"، فإن "انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر لم تسفر عن كتلة تتمتع بأغلبية حاسمة، مما فتح الباب أمام فترة طويلة من المفاوضات".
وذكر التقرير أن الحكومة المنبثقة سترث 4 تحديات أساسية، على الرغم من الوضع الأمني المستقر في السنوات الأخيرة، لكنها "ستواجه برلماناً مجزأً، ونفوذاً سياسياً متزايداً للفصائل المسلحة، واقتصاداً هشاً، وضغوطاً دولية وإقليمية متضاربة، بما في ذلك مستقبل الجماعات المسلحة المدعومة من إيران".
آفاق غير مؤكدة
وحصل حزب رئيس حكومة تصريف الأعمال، محمد شياع السوداني على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات، وقد طرح السوداني نفسه خلال ولايته الأولى كشخص براغماتي يركز على تحسين الخدمات العامة، ونجح في إبقاء العراق بعيداً عن الصراعات الإقليمية، ورغم أن حزبه جزء اسمي من "الإطار التنسيقي" — وهو تحالف للأحزاب الشيعية المدعومة من إيران والذي أصبح الكتلة البرلمانية الأكبر — إلا أن المراقبين يرون أنه من غير المرجح أن يدعم الإطار مساعي السوداني لإعادة انتخابه.
وفي هذا السياق، قال سجاد جياد، المحلل السياسي العراقي والزميل في "مؤسسة القرن" (The Century Foundation)، إن "اختيار رئيس الوزراء يجب أن يقع على شخص يعتقد الإطار أن بإمكانه السيطرة عليه ولا يمتلك طموحات سياسية خاصة به".
وأضاف جياد أن "السوداني وصل إلى السلطة عام 2022 بدعم من الإطار، لكنه يعتقد الآن أن التحالف "لن يمنح السوداني ولاية ثانية بعد أن أصبح منافساً قوياً".
يُذكر أن نوري المالكي هو رئيس الوزراء العراقي الوحيد الذي خدم لولايتين منذ عام 2003، فيما فشلت محاولته لولاية ثالثة بعد انتقادات باحتكار السلطة وتهميش السنة والكرد.
وأشار جياد إلى أن "الإطار التنسيقي استخلص درساً من تجربة المالكي مفاده أن رئيس الوزراء الطموح سيسعى لترسيخ سلطته على حساب الآخرين"، مؤكداً أن "الشخصية المختارة يجب أن تكون مقبولة بشكل عام لدى إيران والولايات المتحدة — الدولتين ذات النفوذ الكبير — ولدى المرجع الشيعي علي السيستاني".
السوداني في مأزق
في الانتخابات، حصدت التحالفات والقوائم الشيعية — التي يهيمن عليها الإطار التنسيقي — 187 مقعداً، والمجموعات السنية 77 مقعداً، والكردية 56 مقعداً، بالإضافة إلى تسعة مقاعد للأقليات. وهيمن تحالف "إنجاز" الذي يقوده السوداني في بغداد وعدة محافظات أخرى بفوزه بـ 46 مقعداً. ورغم قوة نتائج السوداني، إلا أنها لا تسمح له بتشكيل حكومة دون دعم ائتلاف، مما يضطره لمجاراة الإطار التنسيقي للحفاظ على مستقبله السياسي.
ورأى البعض انعكاس هذه الديناميكية مطلع الشهر الجاري عندما تراجعت حكومة السوداني عن تصنيف "إرهابي" فرضته على حزب الله اللبناني والمتمردين الحوثيين في اليمن — وهما جماعتان حليفتان للفصائل المسلحة العراقية — بعد أسابيع فقط من فرض الإجراء، معلنة أنه كان "خطأً".
كما تعزز موقف الإطار التنسيقي بغياب التيار الصدري القوي بقيادة مقتدى الصدر، الذي يقاطع النظام السياسي منذ عجزه عن تشكيل حكومة بعد فوزه بأكبر عدد من المقاعد في 2021. وقال حامد السيد، الناشط السياسي والمسؤول في "حركة الخط الوطني" (حزب مستقل قاطع الانتخابات)، إن غياب الصدر كان له "تأثير مركزي"، حيث قلل المشاركة في مناطق نفوذه التقليدية، مما ترك فراغاً انتخابياً استغلته الجماعات المنافسة التي تمتلك أجنحة مسلحة، والتي فازت بأكثر من 100 مقعد برلماني، وهو أكبر تمثيل لها منذ 2003.
القوى السياسية الأخرى
من جهتهم، سعى السنة لإعادة تنظيم صفوفهم تحت تحالف جديد يسمى "المجلس السياسي الوطني" لاستعادة النفوذ المفقود.
أما المشهد الكوردي، فما زال محكوماً بالانقسام التقليدي بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني، مع استمرار المفاوضات حول منصب رئاسة الجمهورية.
وبحسب العرف، يكون رئيس العراق كوردياً، ورئيس الوزراء (الأكثر نفوذاً) شيعياً، ورئيس البرلمان سنياً. ويُلزم البرلمان بانتخاب رئيس له في غضون 15 يوماً من تصديق المحكمة الاتحادية على النتائج (الذي تم في 14 كانون الأول)، على أن يُنتخب رئيس الجمهورية خلال 30 يوماً من الجلسة الأولى، ويُكلف رئيس الوزراء في غضون 15 يوماً من انتخاب الرئيس.
التدخل الواشنطني
ستواجه الحكومة المقبلة تحديات اقتصادية كبرى، منها ديون عامة تتجاوز 90 تريليون دينار (69 مليار دولار)، وموازنة تعتمد بنسبة 90% على النفط، فضلاً عن الفساد المتجذر. لكن القضية الأكثر حساسية هي مستقبل "قوات الحشد الشعبي".
وتضغط الولايات المتحدة لنزع سلاح الجماعات المدعومة من إيران، وهو طرح صعب نظراً للقوة السياسية التي تمتلكها هذه الجماعات. وقال مسؤولان سياسيان عراقيان رفيعان (طلبا عدم ذكر اسميهما) إن الولايات المتحدة حذرت من اختيار أي مرشح لرئاسة الوزراء يسيطر على فصيل مسلح، كما حذرت من سيطرة شخصيات مرتبطة بالميليشيات على الوزارات السيادية أو المناصب الأمنية الحساسة.
وقال جياد: "القضية الأكبر ستكون كيفية التعامل مع الأحزاب الموالية لإيران ذات الأجنحة المسلحة، خاصة تلك المصنفة إرهابية من قبل واشنطن".
وأصدرت "كتائب حزب الله"، وهي إحدى أقوى الميليشيات والمصنفة إرهابية أميركياً، بياناً يوم السبت رفضت فيه التخلي عن سلاحها، مؤكدة أن سلاحها سيبقى بيد مقاتليها ولن تُجرى أي مناقشات مع الحكومة قبل رحيل كافة القوات "المحتلة" وقوات الناتو والقوات التركية، وضمان حماية الشعب والمقدسات.
(خلال تشكيل الحكومة العراقية السابقة)