ما تزال قضايا الفساد في محافظة الأنبار تكشف عن أوجهها المتعددة، ومعالمها المختلفة، فمرة في ملف العقارات، ومرة في ملف التعويضات، ومرة في ملف الأراضي المميزة، ومرة في ملف المعامل والمصانع.
وفي تطور جديد، كُشف مؤخراً عن إحالة أغلب المصانع والمعامل في محافظة الأنبار للاستثمار، وتحويلها لمجمعات سكنية، تدار من رجال أعمال وشركات محلية، وأجنبية.
ولم تمض فترة طويلة بالكشف عن عمليات فساد مالي وإداري في دائرة التسجيل العقاري بمحافظة الأنبار، وملف استثمار أراضي وعقارات الدولة، وما زالت القضية مفتوحة.
وكان مجلس محافظة الأنبار الجديد، قد صوّت في الرابع من شهر آذار مارس الجاري في عام 2024، على إلغاء منح إجازات الاستثمار في الأراضي التابعة للواء الثامن، لوجود حقوق تصرفية للمواطنين في جزء من الأرض ولم تحسم بعد، وأشار لوجود شبهات فساد وعدم وجود دراسة وتصاميم للبنية التحتية والخدمات المطلوبة.
معامل تحولت لمجمعات سكنية
وفي الأثناء يؤكد القيادي السابق في صحوة الأنبار وأحد شيوخ المحافظة جبار عجاج أن "حزب تقدم برئاسة محمد الحلبوسي أحال أغلب المعامل والمصانع إلى الاستثمار".
ولفت خلال حديثه لـ "الجبال" إلى أن "من بين المشاريع المحالة هي معمل السيراميك الواقع في منطقة التأميم بمدينة الرمادي، وفيه 4 آلاف عامل، والمعمل أحيل للاستثمار، وتحول إلى مجمعات سكنية، تابعة للحزب الحاكم، ورجال أعمال مقربين منه، ويدفعون له عمولات مالية ضخمة".
وأضاف أن "معمل الزجاج يضم 6 آلاف عامل، وكان معملاً منتجاً ويغطي حاجة المحافظة من الأدوات الزجاجية، وواحد من أكبر المعامل في العراق، أحيل هو الآخر للاستثمار، من قبل وزير الصناعة التي يتبع وزيرها للحزب الحاكم في الأنبار".
وشدّد على أن "معمل الفوسفات في قضاء القائم، الذي يضم أجهزة عملاقة، وكان يضم الآلاف من العاملين المنتجين، تحول للاستثمار أيضاً، وسط صمت حكومي، لما يجري في الأنبار من فساد خطير جداً، والحكومة العراقية لا تتدخل فيما يجري".
وتضم الأنبار العشرات من المعامل والمصانع التي تم تأسيسها منذ عقود، من بينها معمل الزجاج، ومعمل السيراميل، ومعمل الفوسفات، ومعامل الأسمنت، ومعمل إنتاج الأسمدة، ومعمل الملح، وغيرها.
ولم تقتصر ملفات الفساد في الأنبار على أراضي وعقارات الدولة، فقد سبق أن تم فتح ملف صندوق إعادة إعمار المناطق المحررة لوجود شبهات فساد مالي فيه.
هيمنة على الأنبار
من جانب آخر، يقول القيادي في تحالف الأنبار طارق الدليمي، إن "ما يجري في المحافظة خطير جداً، ويستوجب تدخل سريع من قبل الجهات الأمنية والقضائية، وهيئة النزاهة الاتحادية، لإيقاف هذا الفساد الكبير من قبل الحزب الحاكم".
وذكر خلال حديثه لـ "الجبال" أن "الحزب الحاكم استغل هيمنته على محافظة الأنبار، وسيطرته على المجلس، ووجود رئيس هيئة استثمار تابع للحزب، وحول جميع الأراضي المميزة للاستثمار، ومن بينها الأراضي الواقعة على نهر الفرات في سدّة الرمادي، وفي منطقة الأزركية في الفلوجة، وأراضي اللواء الثامن".
وأشار إلى أن "أراضي اللواء الثامن قد تم فرزها، وسيتم توزيعها على أشخاص مقربين من قيادات وأعضاء الحزب الحاكم، لتحويلها إلى مجمعات سكنية، أو مطاعم أو بناء منازل تابعة لتلك القيادات".
ونوه إلى أن "منطقة مميزة مثل اللواء الثامن، كان يجب تحويلها إلى جامعة حكومية، أو منتجع سياحي، أو حديقة عامة، أو مجمع حكومي، لا أن يتم استقطاعها بهذه الطريقة، وتحويلها للاستثمار، لتوزع على المسؤولين".
وفي مطلع عام 2023، تم الكشف عن أكبر ملف تزوير وفساد وتلاعب في محافظة الأنبار غربي العراق، يتعلق بالاستيلاء على آلاف الأراضي في ناحية الوفاء بمدينة الرمادي، وأراض أخرى تعرف بمنطقة المطار. ولا تزال قضية "أكبر" عملية تزوير واحتيال عقاري ذات طابع رسمي يتم الكشف عنها في الأنبار، تثير كثيراً من التساؤلات حول مدى تغلغل أذرع الفساد في مؤسسات الدولة، وقدرة الفاسدين على إغلاق مثل هذه الملفات التي تدينهم.
ويشهد ملف الأراضي في محافظة الأنبار ركوداً غير مسبوق، بسبب ما جرى في ناحية الوفاء وأراضي المطار، بينما يشكو أصحاب مكاتب العقارات من توقف عمليات البيع والشراء، وانخفاض أسعار قطع الأراضي، بسبب عدم ثقة المواطن الأنباري.
ويسيطر حزب تقدم برئاسة محمد الحلبوسي على محافظة الأنبار أمنياً وإدارياً، كونه يمتلك الأغلبية التي مكنته من الحصول على جميع المناصب، من بينها منصب المحافظ، ورئيس المجلس، ورئيس هيئة الاستثمار، ورؤساء الوحدات الإدارية.
تدخل حكومي سريع
من جهة أخرى يؤكد رئيس مجلس إنقاذ الأنبار، حميد الهايس، أن الفساد في ملف الأراضي بمحافظة الأنبار أصبح خطيراً للغاية، ويستوجب تدخلاً حكومياً، وقضائياً سريعاً.
وأوضح خلال حديثه لـ "الجبال" أن "هناك مجاملات حكومية للحزب الحاكم في الأنبار، وتغاضي عن ملفات الفساد التي انهكت المحافظة، وحولت الأراضي المميزة والمعامل والمصانع للاستثمار".
وأردف أنه "في السابق، قامت الأجهزة الأمنية وبتوجيه من الحكومة العراقية، بحملة لاعتقال مدراء الدوائر الفاسدين والمرتشين، وعدد من الموظفين المسؤولين عن عملية الفساد في ملف الأراضي، لكن سرعان ما تعرضت الحكومة لضغوط، دعتها للتراجع عن ملاحقة الفاسدين في الأنبار".
وتابع أنه "نتيجة لهذا الصمت الحكومي، عاد الفساد للبروز بقوة في الأنبار، وخاصة في ملف الأراضي، نتيجة السيطرة المطلقة للحزب الحاكم، وعدم وجود أي رادع لهذا الحزب".
في السياق، يشخص الناشط السياسي بلال الجميلي ملفات الفساد في الأنبار، ويؤكد أن ملف الاستثمار هو "الأخطر"، حيث يجري التلاعب بالأراضي والبنايات العائدة للدولة، بطرق مختلفة.
وبيّن الجميلي في حديث لـ "الجبال" أن "أكثر من 4 آلاف دونم في الفلوجة، هي أراضي مميزة واقعة على نهر الفرات وفي مناطق مختلفة، وأيضاً عشرات المصانع والمعامل، وحتى المساجد والمقابر، لم تسلم من الفساد، حيث أحيلت مقبرة قديمة في الفلوجة للاستثمار، ورغم هذا لم تقم الحكومة العراقية بأي خطوة للتصدي لهذا الملف".
وأضاف أن "الحزب الحاكم في الأنبار، يستغل نفوذه في وزارة الصناعة التي يتحكم فيها مثلما يشاء، وأيضاً سيطرته على هيئة الاستثمار في المحافظة، وتلاعب بالملفات والأراضي بطرق مختلفة فيها تحايل على القانون".
مدخل محافظة الأنبار غرب العراق