تظهر نتائج الانتخابات الأخيرة في نينوى أن مركز مدينة الموصل، الذي كان يمثل قرابة نصف التمثيل النيابي للمحافظة، لم يحصل سوى على مقعد واحد من أصل واحد وثلاثين مقعداً.
هذه النتيجة لم تكن مفاجِئة للمتابعين بقدر ما كانت انعكاساً لمعادلة اجتماعية وسياسية بدأت تتكرّس بوضوح خلال السنوات الأخيرة، تتمثل بانخفاض المشاركة في المدينة مقابل ارتفاع كبير في الإقبال داخل القرى والأقضية.
وحصلت النائبة سمية الخابوري عن تحالف "السيادة" على تمثيل نيابي، وهو المقعد الوحيد الذي مثلت به سكّان مركز مدينة الموصل خلال الدورة الانتخابية الجديدة، الأمر الذي يعكس خللاً في التركيبة السياسية لنواب محافظة نينوى، وتمثيلهم الاجتماعي.
وخُصص لمحافظة نينوى 31 مقعداً بالإضافة لثلاثة مقاعد مخصصة لكوتا الأقليات، وتحديداً، مكونات المسيح، والشبك، والإيزيدية.
غياب المشاريع السياسية والاهتمام بالانتخابات
ويلخص محافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي الأسباب التي أدت لتراجع تمثيل مركز مدينة الموصل في البرلمان المقبل، بالرغم من كون المدينة تمثل أكثر من نصف سكان محافظة نينوى.
النجيفي قال في حديث لمنصّة "الجبال" إن "عدم وجود أحزاب سياسية سنية، والمقصود، بالأحزاب السياسية هنا بمفهومها السياسي وليس الانتخابي هو واحد من أهم الأسباب في تراجع الاهتمام بالانتخابات في الأماكن الحضرية".
وأشار إلى أن "الحياة السياسية وظهور مشاريع سياسية تحضى باهتمام الشارع هي التي تدفع سكّان المدن للمشاركة في الانتخابات، في حين الحمية العشائرية والرغبة بالانتصار لابن العشيرة كافية لتحفيز المجتمعات العشائرية بغض النظر عن التوجه السياسي".
ونوّه إلى أن "عدم وجود مشاريع سياسية حقيقية تدافع عن المكوّن السني بشكل عام، وعن حقوق المدن السنية، ومنها الموصل، هو ما يؤدي إلى عزوف سكان مركز المدينة عن المشاركة في الانتتخابات".
وعانت مدينة الموصل من سيطرة التنظيمات المتطرفة بعد عام 2002، وأخرها كان ما حصل بعد سيطرة تنظيم "داعش" عام 2014، والدمار الكبير الذي عاشته المدينة، جراء سيطرة التنظيم، والعمليات العسكرية لتحرير الموصل.
وبالرغم من الاستقرار الأمني، وحملات البناء والإعمار التي تشهدها محافظة نينوى، إلا أن سكّان مركزها، الموصل، مازالوا يخشون المشاركة في الانتخابات، ولا يبالون في هذه التجربة، على عكس ما يحصل في القرى والأرياف، من تحشيد كبير، يدفع لمشاركة عالية في الاقتراع.
المجتمع يفتقد الوعي السياسي المطلوب
إلى ذلك يرى الباحث في الشأن السياسي خالد الدبوني، هذا التراجع، ليس جديداً، بل متكرر في كل دورة انتخابية محلية أوبرلمانية.
وذكّر الدبوني خلال حديثه لـ"الجبال" بأن "مجلس محافظة نينوى السابق كان يضم عضواً واحداً فقط من مركز المدينة، والمجلس الحالي يضم ثلاثة أعضاء من الموصل فقط".
وأضاف، قائلاً: "ذات الأمر نشاهده في البرلمان، ونفس النسبة تقريباً، وبالتالي نحن نفتقد إلى التمثيل السياسي الحقيقي تبعاً للنسبة السكّانية للمدينة والأطراف".
وشدد على أن "مقاطعة الأغلبية (80% في الموصل) من الناخبين للعملية السياسية، هي إحدى الأسباب، فضلاً عن العامل العشائري و القبلي وتاثيره على قرار المواطن المشارك بالانتخابات، وهذا العامل موجود في الأطراف بشكل كبير جداً".
وأردف بالقول، إن "السبب الآخر: هو المالي السياسي، ومنتسبي الفصائل المسلحة والذين أغلبيتهم أيضاً من خارج المدينة، ومرغمين على التصويت لمرشحي تلك الفصائل".
وأكد أن "المجتمع الموصلي لازال يفتقد إلى الوعي السياسي المطلوب من أجل تحقيق التمثيل الحقيقي له في الموسسات التشريعية".
وبالرغم من دخول أولاد "آل النجيفي"، وهم كل من سنان أسامة، وعبد الله أثيل، إلى السباق الانتخابي بقائمتين مختلفتين، لكنهم فشلوا في الفوز، والصعود لقبة البرلمان، وهو ما يعكس تراجع دور هذه العائلة، التي حصدت في السنوات السابقة الآلاف من أصوات سكان الموصل، وكانت تمثل رمزية للمدينة.
تأثير سانت ليغو
من جانب آخر تؤكد النائبة السابقة عن محافظة نينوى محاسن حمدون، أن قانون الانتخابات، واعتماد نظام سانت ليغو، هو واحد من أسباب تراجع التمثيل النيابي لمركز مدينة الموصل.
وذكرت خلال حديثها لمنصّة "الجبال"، أن "نظام الدوائر المتعددة يحقق العدالة بصورة أكبر، ويضمن صعود ممثلين عن جميع الدوائر والمناطق داخل المحافظة، وهو ما حصل في عام 2021، حيث كانت نسبة تمثل مركز الموصل عادلة، ووفقاً للتوزيع السكاني".
ونوهت إلى أنه "في كل المحافظات تكون نسبة مشاركة سكان القرى والأرياف، أكبر من سكان المدينة، باعتبار هناك عوامل عشائرية، وتواصل يومي، وتحشيد من قبل أبناء العشائر لمرشحيهم، ولهذا نحتاج لعودة العمل بنظام الدوائر المتعددة، الذي فيه إنصاف للجميع، سواءً المناطق أو المرشحين".
من جهة أخرى يشير أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل محمود عزو، إلى أن "أسباب تراجع تمثيل مركز الموصل، يعود إلى طبيعة النظام الانتخابي القائم على فوز القوائم أولاً، ومن ثم فوز المرشحين".
وبين خلال حديثه لمنصّة "الجبال"، أن "السبب الآخر، يعود إلى أن رؤساء القوائم، هم من يحظون بالأصوات بشكل دائم، فضلاً عن طبيعة التحالفات التي تجري بين المجموعات الاجتماعية، وعمليات التعبئة، تأخذ طابعاً عشائرياً، وفي مناطق أطراف المحافظة".
وشدّد على أن "هناك اختلالاً بالتمثيل أيضاً بين مناطق شمال الموصل وجنوبها، واختلالاً بين الجانبين الأيمن والأيسر، وهذا كله يعود لنظام سانت ليغو، الذي اعتبر نينوى كلها دائرة انتخابية واحدة، وهذا أدى إلى اختلال التمثيل النيابي بين مناطق المحافظة، وحرمان مركز المدينة".
دعايات انتخابية في الموصل (تعبيرية/ مواقع التواصل)