على غرار الكثير من دول العالم، شهد العراق خلال السنوات الأخيرة طفرة غير مسبوقة في صناعة المحتوى الرقمي على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تحول العديد من الشباب إلى "مشاهير" يمتلك بعضهم ثروات طائلة.
"تزايد الثروات"، دعا العديد من الدول إلى وضع تشريعات تنظيمية لضمان المساواة الضريبية بين جميع مصادر الدخل، بما في ذلك العراق الذي أقر بأهمية استحصال الأموال من مشاهيره، إلا أن القرار لاقى رفضاً من أصحاب الشأن.
وقبل أيام وفي تصريح رسمي، قال رئيس اللجنة العليا للإصلاح الضريبي عبد الحسين العنبكي، إن "العدالة الضريبية تستوجب فرض نسب ضريبية على أصحاب الدخول العالية"، مؤكداً أنهم بصدد استهداف شرائح جديدة لمهن جديدة تحقق مداخيل كبيرة لم تكن خاضعة للضريبة من بينها صناع المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي".
وتشير تقديرات الخبراء الماليين، إلى أن العراق يهدر أكثر من 15 مليار دينار شهرياً من الضرائب، إذ أن الضرائب يمكن أن تعزز الموازنة المالية بنحو 13%.
ضريبة على الإعلانات وعدد المشاهدات
عقب الضجة التي واجهت القرار، صرّح رئيس هيئة الضرائب علي علاوي، أن "الهيئة تدرس إخضاع الإعلانات على مواقع التواصل، ومن بينها إعلانات فيسبوك للضرائب بنسبة 30% أسوة ببقية الدول، دون تحميل أية رسوم إضافية على العراقيين المعلنين، فضلاً عن المشاهير الموجودين في هذه المنصات".
وبهذا الصدد، يقول حسين المولى، وهو المتحدث باسم مركز الإعلام الرقمي، إن "قرار فرض الضرائب على مشاهير السوشيال ميديا جاء وفقاً للموازنة الثلاثية التي أقرها مجلس النواب العراقي"، مبيناً أن "الموازنة تضمن أيضاً فرض رسوم معينة على بعض الصفحات المعروفة على مواقع التواصل الاجتماعي".
ويضيف المولى، في حديث لمنصة "الجبال"، أن "هناك 3 جهات ستعمل على متابعة هذه القضية وهي هيئة الاتصالات وهيئة الضرائب ووزارة الاتصالات"، لافتاً إلى أن "الرسوم التي ستفرض على المشاهير ستكون على المنشورات التي يكون فيها جوانب تجارية فقط".
وبحسب المولى، فإن هذه الضرائب موجودة في أغلب دول المنطقة والعالم، والهدف منها جاء من أجل تنظيم سوق العمل وغيرها من التفاصيل، وإن هذه الأموال ستكون مورداً جديداً يضاف للموازنة المالية للبلاد، وفق تقديره.
ويتابع المولى حديثه قائلاً إن "هيئة الاعلام والاتصالات ستصدر مدونة تتضمن جميع التفاصيل الخاصة بألية عمل ومتابعة هذه القضية"، مؤكداً في ذات الوقت أن "هناك معايير ستعتمد بالضرائب مثلاً على عدد المشاهدات وعدد الفيديوهات أو المنشورات وغيرها".
ونصت المادة 17 من الموازنة 2023 على "تقوم وزارة المالية بإلزام هيئة الضرائب باستحصال ضريبة الدخل من شركات التواصل الاجتماعي ومنصات البث الرقمي الأجنبية والمحلية، فضلاً عن رسوم نشر وترويج من المشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي".
"الكاش" يمنع السيطرة
وبحسب الاحصائيات، فإن عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة في العراق وصل إلى قرابة 32 مليون مستخدم، ما يعادل 69% من إجمالي عدد سكانه، في أحدث إحصائية للعام 2024.
وعن هذه الأرقام، يقول حسن إسماعيل، وهو صانع محتوى عراقي على مواقع التواصل الاجتماعي، إن "هذه الخطوة قد تبدو جيدة، لكن في النهاية يجب وضع شروط لفرض الضرائب أو على الأقل يكون هناك جهة متخصصة تتابع هذه القضية بشكل مفصل على جميع الأصعدة".
وفي حديث لمنصة "الجبال"، يضيف اسماعيل، أن "هناك ٣ فئات من المشاهير موجودون في مواقع التواصل الاجتماعي، منهم من يتقاضى أجوراً بمبالغ عالية ومنهم من يحقق أرباحاً بمبالغ متوسطة والأخير يتقاضى مبالغ بسيطة".
ووفقاً لحديث إسماعيل، فإن هذه الفئات لا بد أن تشملهم الضرائب لكن بمستويات متفاوتة لأن لكل واحد أجور وتفاصيل مختلفة عن الآخر.
ويضيف إسماعيل، أن هناك صعوبات قد تواجه الجهات الحكومية والتي تتمثل بعدم السيطرة ومعرفة دخل كل شخص منهم كون جميعهم يتقاضون الأجور بطريقة "الكاش" مما يجعل عملية متابعة هذه الأموال صعبة ولا تستطيع الجهات معرفة حجم الضرائب التي يمكن أن تفرض عليها.
وتقول وسائل إعلام عالمية، إن مواقع التواصل عبر العالم تستخدم من قبل نحو 5 مليارات إنسان، في حين أن منصة فيسبوك وحدها يستخدمها نحو 230 مليوناً في العالم العربي.
معضلة بوجه الحكومة
وفي تعليق على صفحته الشخصية، يقول الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، إن "الحكومة العراقية تسعى لتعزيز الإيرادات غير النفطية لتعويض الانخفاض الواضح في حجم الإيرادات النفطية، نتيجة انخفاض سعر النفط وتراجع حصة العراق الإنتاجية وصادراته".
ووفقاً للمرسومي، فإن هذا الانخفاض تزامن مع النفقات الكبيرة والعجز الحاصل في موازنة عام 2024، مؤكداً وجود توجه حكومي لفرض ضريبة بنسبة 15% على مستخدمي فيسبوك ومنصات التواصل الاجتماعي في العراق.
بينما يقول الباحث في الشأن الاقتصادي، عامر الجواهري، إن "الحكومات جميعاً مجبرة على فرض الضرائب على كافة القطاعات بغية استحصال ودعم الموازنات المالية للبلدان"، مبيناً أن "الحكومة العراقية محقة في فرض ضريبة على مشاهير السوشيال ميديا".
وتشير التقديرات إلى أن الحكومة العراقية ستفرض ضرائب صغيرة على هؤلاء المشاهير كخطوة أولى - والكلام للخبير الاقتصادي - "ومن ثم ستعمل على زيادتها تدريجياً في المستقبل البعيد".
ويضيف الجواهري، في حديث لمنصة "الجبال"، أن "هناك معضلة كبيرة ستواجه عمل الجهات الحكومية خصوصاً هيئة الضرائب والتي تتمثل بقلة أعداد كوادر استحصال الضرائب، فضلاً عن صعوبة معرفة أموال المشاهير الرقميين خصوصاً وأن أموالهم في الغالب لا تدخل في حسابات البنوك وبالتالي يصعب تتبعها".
وبحسب نصوص الموازنة الثلاثية فإن مجلس النواب فرض ضرائب جديدة أبرزها:
- نسبة 5% على عوائد مبيعات اللتر الواحد من البنزين.
- نسبة 10% على زيت الغاز أو الكاز.
- نسبة 15% على الوقود المستورد.
- نسبة 1% على مبيعات النفط الأسود.
- 250 ألف دينار ضريبة مطار في جميع المطارات العراقية للشخص الواحد (عن شراء الدولار بأسعار رسمية).