حذّر الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي، الأربعاء 5 تشرين الثاني 2025، من ربط مسألة ديون العراق المستحقة لدى تركيا والبالغة 1.47 مليار دولار، بأي اتفاق مائي بين البلدين، بينما أشار إلى أن خلق فرص للشركات التركية للعمل في العراق، "سيجبر" تركيا على زيادة الإطلاقات المائية نحو العراق.
في السياق: 10 مواد.. "الجبال" تنشر تفاصيل الاتفاق بين العراق وتركيا بالملف المائي
وقال الهاشمي في تدوينة تابعتها "الجبال"، "كما هو معلوم، ان تركيا أنشأت العديد من السدود والخزانات المائية طوال العقود السابقة، لهدفين رئيسيين: الأول هو لتوليد الكهرباء من خلال السدود وتقليل اعتمادها على شراء النفط والغاز لتوليد الكهرباء، والثاني تغذية مساحات زراعية أوسع بالمياه".
وأشار إلى أن "تركيا واجهت خلال المواسم السابقة انخفاضاً كبيراً في مستوى الأمطار والثلوج، حيث انخفض معدل الأمطار أكثر من 27% خلال هذا العام مقارنة مع المعدل المرجعي، مما تسبب في انخفاض مستويات المياه في السدود والخزانات التركية الى مستويات متدنية غير مسبوقة"، مبيناً أن "هذا الانخفاض في مناسيب المياه في تركيا، أثّر مباشرة على حجم إطلاقات المياه نحو نهري دجلة والفرات، مما تسبب بتدهور خطير في حصص العراق من مياه تلك الأنهر".
وأضاف الهاشمي، "فشلت الحكومات العراقية السابقة في إلزام تركيا بحصص مياه كافية للعراق، بسبب عدم وجود بروتوكولات بينية مُلزمة للأتراك، وعدم مصادقة تركيا على العديد من المعاهدات الدولية، بل وصوتت ضد بعضها، كاتفاقية عام 1997".
ولفت إلى أن "المسار الطبيعي للتعامل مع هكذا مشاكل، هو اللجوء للتحكيم الدولي من قبل العراق للمطالبة بإلزام تركيا بحصص مائية، لكن هذا المسار يأخذ سنوات طويلة ويدفع تركيا لمزيد من التشدد المائي مع العراق، كما إن نتائجه غير مضمونة في ظل الضعف الدبلوماسي العراقي".
العراق يعاني بعد أن دخل رسمياً في حالة طوارئ مائية خطيرة، وهناك حاجة مُلحّة لعودة المياه لأنهاره بشكل عاجل، يقول الهاشمي، الذي أكد في ذات الوقت، أن "العراق لا يملك رفاهية الانتظار لسنوات، حتى يرى ماذا ستقرر المحاكم الدولية بخصوص حصصه المائية".
وأضاف، أنه "في ظل هذا الوضع المائي والدبلوماسي البائس، لم يبقَّ للحكومة العراقية إلا الدخول في اتفاقية مع الأتراك، تتعلق بحصص المياه وطريقة إدارتها لتقليل الهدر وتوجيه المياه بشكل كفوء، ومن خلال هذه الاتفاقية سيتمكّن الأتراك من خلق فرص لشركاتها في أسواق جديدة، مما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد التركي، لكن في نفس الوقت ستكون تركيا مجبرة على زيادة إطلاقات المياه نحو العراق".
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن "عنصر الإجبار سيكون متعلقاً بالشركات التركية نفسها وليس العراق، فتركيا تريد أن تساعد شركاتها على العمل والنجاح في العراق، وهذا لن يتم بدون إطلاقات مؤثرة ومستمرة من المياه نحو العراق، فبدون مياه كافية لن تستطيع تلك الشركات العمل في العراق".
وعن تمويل عمل الشركات التركية، أشار الهاشمي، إلى أن "تمويل عمل الشركات التركية يتم من خلال مبيعات النفط، فهذا هو المصدر المالي الوحيد الذي يملكه العراق للدفع، سواء كان ذلك لشركات تركية أو غيرها، لكن إن تمت إدارة هذا الملف بحرفية، يمكن أن يحقق العراق مكاسب حقيقية تتعلق بالحصول على مياه كافية، وتحسين كفاءة إدارة المياه، واستصلاح المزيد من الأراضي، وتعيين المئات من الشباب وغير ذلك".
وحذّر الهاشمي، قائلاً: "تبقى مسألة الديون المستحقة على تركيا، والبالغة 1.47 مليار دولار، والتي يجب أن لا تكون ضمن أي اتفاقية مائية مع تركيا، فهذه الديون هي غرامة مالية على تركيا تتعلق بمخالفات تصدير النفط عبر أنبوب جيهان، ويمكن تقسيط سدادها من خلال استقطاع قيمتها من رسوم تصدير النفط العراقي عبر الأنبوب، وليس إلغاءها دون سداد".
وختم الخبير الاقتصادي تدوينته بالقول، إن "العراق في وضع مائي حرج، وتركيا لن تتفاعل إيجابياً مع العراق بدون اتفاقية، وهذه الاتفاقية لن تفيد العراق مائياً بدون وجود شركات تركية تعمل في العراق، ووجود الشركات التركية في العراق هو الذي سيجبر الحكومة التركية على زيادة إطلاقات المياه نحو العراق حتى تستمر شركاتها تلك بالعمل".
والأحد الماضي، ردّ متحدث الحكومة العراقية باسم العوادي، على أنباء تحدثت عن "تنازل العراق عن ديونه" لصالح تركيا، مقابل الاتفاقية التي تم توقيعها بين البلدين في وقت سابق اليوم.
وقال العوادي إن "ما وقّع اليوم بين العراق وتركيا، هو آلية لتنفيذ اتفاقيتين، حيث لدينا اتفاق تفاهمي في عام 2014 وفي عام 2024 لدينا اتفاقية إطارية بشأن المياه".
وأضاف، "نحن الآن نتحدث عن أزمة كبيرة، ومضمون الاتفاقية قد يشمل مشاريع تبطين لأنهر وبحيرات مائية وكيفية تحويل مياه الأمطار إلى الأنهر. ما سنشهده عملاً كبيراً جداً".
وقال العوادي، إن "ما تم توقيعه اليوم، سيُطبق في المستقبل"، مبيناً أن "الهدف من الاتفاقية هو الاتفاق على آلية محاسبية قانونية لآلية تمويل المشاريع التي سيتم الاتفاق عليها لاحقاً".
وتابع: "هناك أخبار تفيد بأن الاتفاقية وقعت مقابل تنازل العراق عن ديونه، وهذا الحديث ليس له علاقة بالاتفاقية، ولا صحة لهذه الأنباء".
وأشار إلى أنه "ستكون هناك لجنتان استشاريتان عراقية وتركية، ستقدمان مقترحاً بالمشاريع المائية التي ستنفذ في العراق، وسيتم تحديد المشاريع المستدامة المطلوبة لمواجهة الأزمة المائية وتوفير المياه".
ولفت إلى أن "توقيع الآلية اليوم يعتبر حدثاً كبيراً جداً، وقد نشهد خلال أسابيع تطبيق الإجراءات القانونية لتنفيذ الآلية على أرض الواقع"، مبيناً أن "الاتفاقية ملزمة للطرفين بحسب مضمونها".
وفي 2 تشرين الثاني الجاري، أعلن رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، توقيع الآلية التنفيذية لاتفاقية التعاون في مجال المياه بين العراق وتركيا.
وذكر بيان لمكتب السوداني أنه "رعى رئيس مجلس الوزراء، مراسم التوقيع على الآلية التنفيذية الخاصة باتفاقية التعاون الإطارية مع تركيا في مجال المياه، بين وزير الخارجية فؤاد حسين، ونظيره التركي هاكان فيدان".
وأكد السوداني، وفق البيان، أن "الاتفاق سيكون أحد الحلول المستدامة لأزمة المياه في العراق، من خلال حزم المشاريع الكبيرة المشتركة التي ستُنفذ في قطاع المياه، لمواجهة وإدارة أزمة شحّ الموارد المائية".
وأشار رئيس مجلس الوزراء، إلى "أهمية متابعة تنفيذ مخرجاته التي اتفق عليها في أثناء زيارة الرئيس التركي إلى بغداد العام الماضي"، مبيناً أن "أزمة المياه هي أزمة عالمية، وأن العراق أحد البلدان التي تضررت بسببها".
وأوضح، أن "اتفاق آلية التمويل سيعزز العلاقات الثنائية مع تركيا ويسهم في تناميها بمختلف المجالات، وبما يحقق المصالح المشتركة للبلدين الصديقين".
وختم البيان، "من جانبه، نقل الوزير التركي إلى رئيس الوزراء، تحيات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأشاد بخطوات الحكومة الحالية في تعزيز العلاقات الثنائية، التي أثمرت عن توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في مختلف القطاعات والمجالات".
توقيع حكومتي العراق وتركيا على الآلية التنفيذية للاتفاق المائي (الإعلام الحكومي)