معركة التوازنات تبدأ قبل الانتخابات.. الطموح السني يختبر أعراف ما بعد 2003

معركة التوازنات تبدأ قبل الانتخابات.. الطموح السني يختبر أعراف ما بعد 2003 قصر السلام في بغداد

رئاسة الجمهورية تُشعل فتيل الصراع

على إيقاع أزمة ثقة متفاقمة بين المكوّنات السياسية، يعود المشهد العراقي إلى واجهة الصراع مجدداً، وهذه المرة من بوابة الطموحات الرئاسية وتبدّل معادلات القوة. 


فالتصريحات الأخيرة لرئيس حزب تقدم ورئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي، بشأن عزمه الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية أو العودة إلى رئاسة البرلمان، لم تكن مجرد إعلانٍ انتخابي، بل إشارة سياسية عميقة تُقرأ على أنها "محاولة لاختراق أحد أعتى التوازنات التي رسختها مرحلة ما بعد 2003"، بحسب سياسيين. 

 

طرح الحلبوسي أعاد إشعال الجدل حول هوية الدولة العراقية ومعايير توزيع سلطاتها العليا، بين من يراه حقاً مشروعاً لإعادة التوازن إلى المعادلة الوطنية، ومن يعتبره مقامرة قد تفتح الباب أمام صراعٍ طائفي جديد يهدد بنسف ما تبقّى من أعراف التوافق الهش. 


وفي ظل اشتداد التنافس، تتقاطع الطموحات الشخصية مع أجندات الكتل، وتتحرك خيوط اللعبة السياسية في فضاءٍ مثقلٍ بالتحالفات المتبدّلة، حيث لا صوت يعلو على سؤال واحد: هل يتحمّل العراق كسر القواعد القديمة دون أن يدفع ثمن انفجارها؟

 

صراع المواقع لا المناصب


وتعليقاً على ذلك، يرى النائب عن ائتلاف دولة القانون المنضوي ضمن الإطار التنسيقي ثائر مخيف، أن التحدث بالطائفية من قبل بعض السياسيين، هو تأييد للاحتلال وما جاء به الاحتلال.


ويقول مخيف في حديث لمنصة "الجبال"، إن "هناك إشارات مريبة في التنافس على السلطات، وهذا التنافس ليس لخدمة الشعب العراقي".


وأضاف "التنافس هو على المال والمنصب، ونأمل ان يعرف كل من يتسلم منصب واجباته التي يجب ان يقوم بها".


أشار عضو ائتلاف دولة القانون إلى أن "طموحات المكون السني برئاسة الوزراء أو رئاسة الجمهورية، غير مطروحة ضمن العرف السياسي الذي جرى بعد العام 2003"، لافتاً أن "التحدث بالطائفية من قبل بعض السياسيين، هو تأييد للاحتلال وما جاء به الاحتلال والصهيونية".

 

"رئاسة الجمهورية مكسب شخصي"


بدوره، يرى القيادي في تحالف العزم عزام الحمداني، أن منصب رئاسة الجمهورية لا يخدم المكون السني.


ويقول الحمداني في حديث لمنصة "الجبال"، إن "استحقاقات الرئاسات لم ينص عليها الدستور العراقي، لكن العرف السياسي هو القائم وبالتالي هذا العرف من الممكن أن يتغير".

 

وذكر الحمداني أن "نتائج الانتخابات المقبلة هي من تقرر مصير المكونات والكتل والتحالفات، ولا ثوابت في السياسية".


وعن طموحات الحلبوسي برئاسة الجمهورية، أوضح القيادي في تحالف العزم، أن "منصب رئاسة الجمهورية لا يخدم المكون السني، على اعتبار أن النظام القائم في العراق هو نظام برلماني، ومنصب رئاسة البرلمان الذي هو استحقاق المكون السني يضاهي منصب رئاسة الوزراء".


وأشار الحمداني إلى أن "منصب رئاسة الجمهورية منصب شخصي، ولا يحقق طموحات سوى من يتولاه، والمكون السني لا يطمح لهذا المنصب وإنما هي طموحات شخصية".

 

السلطة بين الخطر والتوازن


من جهته، يحذر الباحث بالشأن السياسي المقرب من الحكومة، عائد الهلالي من احتمال أن يؤدي انتقال منصب رئاسة الوزراء إلى المكوّن السني إلى إعادة رسم التحالفات وتفكك توازن القوة البرلمانية، خاصة إذا صاحبه تحالفات مع قوى خارجية أو نية لتهميش أحزاب شيعية قوية.


وقال الهلالي في حديث لـ"الجبال"، إن "القوى الشيعية تنظر إلى مطالبة بعض النواب السنة بالحصول على منصب رئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء بعين الحذر والترقب؛ إذ تتداخل مبررات هذه المطالب بين حق التمثيل والمناورة التكتيكية لتحقيق مكاسب انتخابية".


وأضاف أن "تاريخ ما بعد 2003 رسّخ أعرافاً سياسية تقوم على تقاسم رمزي للمقاعد العليا (رئيس جمهورية كوردي، رئيس وزراء شيعي، ورئيس مجلس نواب سني) كآلية لتهدئة الخلافات وإدارة الهوية في نظام هش".


وأكد الباحث بالشأن السياسي، أن "اقتراح لتغيير هذه الأعراف، يُفسّر لدى قطاعات شيعية واسعة كخطوة تحمل مخاطرة دستورية وسياسية قد تعيد تحجيم المكتسبات وتزعزع التوافق".


أوضح الهلالي أن "ذلك لا يعني رفضاً قطعياً للتعديل؛ فالقوى الشيعية نفسها منقسمة بين من يعتبر أن الأعراف قابلة للتطوير لتتجاوب مع نتائج صناديق الاقتراع والموازين الجديدة، وبين من يراها خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه إلا باتفاق وطني شامل".


وبحسب الهلالي فإن النقاش العملي يتناول نقطتين جوهريتين: "أولاً، هل هناك ضمانات مؤسساتية تحمي التوازنات من التحول إلى احتكار؟ وثانياً، هل تغيير تقاليد ما بعد 2003 سيؤدي إلى تهديم إطار التوافق أم إلى تحديث مشروع الدولة؟"، مبيناً أن "الحديث عن طموحات المكوّن السني من زاوية شيعية يُعامل كحق سياسي مبرر من حيث المبدأ، لكنه يتحول إلى مصدر قلق حين يُقرأ كخطوة لتعزيز نفوذ فئة على حساب آخر في سياق ضعف مؤسسات الدولة وتداخل نفوذ الفصائل المسلحة".


لفت الهلالي إلى أن "الخشية الرئيسية لدى الشيعة تكمن في احتمال أن يؤدي انتقال منصب رئاسة الوزراء إلى المكوّن السني إلى إعادة رسم التحالفات وتفكك توازن القوة البرلمانية، خاصة إذا صاحبه تحالفات مع قوى خارجية أو نية لتهميش أحزاب شيعية قوية". واستدرك بالقول: "من زاوية الأمن والبيئة الإقليمية، يرى كثيرون أن الوقت الراهن حساس؛ ظروف التوتر الإقليمي وديناميكية الأمن الداخلي تجعل إعادة توزيع المناصب العليا أمراً محفوفاً بالمخاطر دون خارطة طريق واضحة ومؤسسية".


ونوه الهلالي بأنه "من الأنسب معالجة الملف بحوار وطني يضم ضمانات دستورية وإطاراً زمنياً شفافاً، وربطه بإصلاحات مؤسسية لتعزيز فصل السلطات وتقليل المحاصصة الطائفية، مع إشراك قضاة مستقلين ومراقبين محايدين".


وفي حال الاتفاق، وفق الهلالي، "يجب أن تكون التنازلات متبادلة وواضحة وترافقها خطط لإعادة دمج المناطق المتأثرة وتعزيز العدالة الانتقالية للخروج بترتيب سياسي مستقر ودعم اقتصادي للمجتمعات المحلية مستدام وعاجل".

 

رئاسة ممكنة للسنة


من جانبه، يرى الباحث بالشأن السياسي السني، زياد العرار، انه لا يوجد نص دستوري يمنع من أن تكون رئاسة الجمهورية للمكون السني.


ويقول العرار في حديث لمنصة "الجبال"، إن "العرف السياسي في العراق بعد سنة 2003 نص على ان تكون رئاسة الوزراء للمكون الشيعي، ورئاسة البرلمان للمكون السني، ورئاسة الجمهورية للمكون الكوردي، وهذا ما تم الاتفاق عليه ومباركته من قبل القوى السياسية والأطراف الداعمة على اعتبار الشيعة هم الأغلبية".


لا يوجد نص دستوري يوزع الرئاسات وفق المكونات، وفي الوقت ذاته لا يوجد نص يمنع من أن تكون رئاسة الجمهورية للمكون السني، وفق العرار.


وأشار الباحث بالشأن السياسي إلى أن "رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي طرح فكرة الترشح لرئاسة الجمهورية، لكونه يسعى لها وقد تكون هذه محاولة سياسية لجذب الانتباه للفوز بمقاعد أكثر في الانتخابات".


ولفت إلى أن "هناك صراعات كبيرة بين القوى السياسية بمختلف توجهاتها وخلافات واضحة في حزب تقدم مع الرؤية الكوردية، لا سيما مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني".


ومضى العرار بالقول: "ليس هناك ما يمنع ان تكون رئاسة الوزراء للمكون الكوردي، ورئاسة الجمهورية للمكون السني العربي"، مشيراً إلى أن "العرف الذي نشأ بعد 2003 ليس مستحيلاً تغييره ولكنه صعب".


حسين حاتم صحفي عراقي

نُشرت في الاثنين 3 نوفمبر 2025 02:45 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.