برزت شخصية فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي بعد عمليات تحرير المحافظات من سيطرة تنظيم "داعش"، ومن منطلق المواقع الأمنية التي شغلها الفياض طوال السنوات الماضية في العراق، سواء كرئيس لجهاز الأمن الوطني أو كمستشار الأمن القومي ثم رئيس هيئة الحشد الشعبي، فإنه "أصبح لاعباً أمنياً وسياسياً"، يتحرّك وفق القوة التي تمنح له من وجود الفصائل المسلحة المنضوية ضمن الحشد الشعبي.
والفياض، هو شيخ لجزء من عشيرة "البو عامر" وهي أحدى العشائر الكبيرة في العراق، وتعد إحدى أهم القبائل الشيعية في عدة مناطق، ومنها منطقة حزام بغداد، وتحديداً منطقة الراشدية.
وبعد تحرير محافظة نينوى من سيطرة تنظيم "داعش" نهاية عام 2017، برزت شخصية الفياض، الذي دخل إلى المحافظة، وحاول أن يستغل الفراغ السياسي فيها بعد الحرب المدمرة.
"استغلال الحشود العشائرية"
وفي الأثناء يؤكد الباحث في الشأن السياسي غانم العابد أن "قصية نفوذ فالح الفياض بدأت بعد تحرير محافظة نينوى من سيطرة تنظيم "داعش".
وذكر في حديث لمنصة "الجبال" أنّ "الفياض استغل منصبه في رئاسة هيئة الحشد الشعبي، وبدأ بتشكيل أفواج الحشود بالاتفاق مع شيوخ عشائر، وأشخاص من مناطق مختلفة في مناطق وجنوب وغرب نينوى".
وأضاف أن "كل شيخ عشيرة أو نائب في البرلمان، أو شخصية متنفذة كان يذهب إلى الفياض، يعطيه الموافقة على تشكيل فوج من الحشد يبلغ حوالي ما بين 500 إلى ألف عنصر، وهؤلاء يستلمون رواتب وأسلحة من هيئة الحشد الشعبي"، مشيراً إلى أن "الخطة الثانية التي اتبعها الفياض تتمثل في استخدام المال السياسي، لترغيب المواطنين، واستمالة شيوخ ووجهاء العشائر، ونواب في البرلمان، وشخصيات سياسية، لضمانة أن يكونوا تحت ظله".
وشدّد العابد على أن "ما جرى في انتخابات مجالس المحافظات السابقة، وما يحضر له في الانتخابات المقبلة، هو الضغط على منتسبي الحشود العشائرية، بحيث يطلب من كل منتسب أن يجلب 15 بطاقة ناخب من ذويه وأقاربه، وإلا يتعرض للعقوبة التي تصل إلى الفصل من الوظيفة".
وقصة دخول الفياض إلى المشهد السياسي بدأت بعد نزوله بتحالف مع قائمة النصر التي ترأسها رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، وحصلت على ثمانية مقاعد في محافظة نينوى، جلها كانت من نصيب كتلة العقد الوطني، التي يترأسها فالح الفياض.
ومن أبرز النواب الذين كانوا في قائمة العقد الوطني هم: منصور المرعيد، نايف الشمري، عبد الرحيم الشمري، وأغلبهم يمتلكون أفواجاً من الحشود العشائرية في مناطق غرب وجنوب نينوى.
وانسحب نواء قائمة الفياض من تحالف النصر وانضموا إلى تحالف "البناء" الذي كان يترأسه هادي العامري، ليحصل الصدام بين الفياض والعبادي، الذي على أثره تمت إقالة فالح الفياض من رئاسة جهاز الأمن الوطني ومستشارية الأمن القومي.
الترغيب والترهيب
ويرى السياسي العراقي المقيم في الولايات المتحدة، انتفاض قنبر، أن الحشد استخدم عدة أدوات للسيطرة على نينوى، وباقي المحافظات المحررة.
وأوضح في حديث لـ "الجبال" أن "الفياض والحشد استخدموا الترغيب والترهيب، مرة عبر التعيينات والسلاح والمال، ومرة أخرى بترهيب سكان تلك المحافظات، لإجبارهم على التصويت لقوائم الحشد".
وأردف أن "الحشد استطاع استمالة عدد من الشخصيات السنية في تلك المحافظات، لكي يعملوا تحت مظلته، لأنه سيطر على كل مفاصل الحياة في تلك المناطق من دوائر ومؤسسات أمنية، وكان لا بد من موافقة الحشد لكل شيء،لهذا فإن الأغلبية كانت تحاول أن تحصل على رضاهم، لتمشية أوضاعهم".
وفي عام 2019، حصل تحالف العقد الوطني على منصب محافظ نينوى، الذي تسلمه منصور المرعيد، بعد إقالة المحافظ نوفل العاكوب، على أثر حادثة العبارة الشهيرة، التي راح ضحيتها المئات من أبناء الموصل.
تسلم المرعيد منصب المحافظ، فضلاً عن مناصب أخرى إدارية وأمنية حصل عليها العقد الوطني، عزز حضور الفياض، الذي بدأ نفوذه يمتد لمحافظات أخرى، أبرزها صلاح الدين والأنبار، وكركوك.
الكتب الأمنية وعودة المطلوبين
من جانب آخر يقول الباحث السياسي والأكاديمي يوسف الجميلي إن قصة "توسع نفوذ الفياض في المحافظات السنية بدأت بعد عملية تحرير تلك المحافظات من سيطرة تنظيم داعش عام 2017، ولكنها توسعت بعد حادثة العبارة الشهيرة".
وبيّن لـ "الجبال" أن "الفياض كان يترأس ثلاثة أجهزة أمنية كبيرة في البلاد، هي هيئة الحشد، ومستشارية الأمن القومي، وجهاز الأمن الوطني، والمحافظات السنية كانت خارجة من احتلال تنظيم داعش، وهي متهمة بالإرهاب، وتريد بأي شكل إبعاد تلك الشبهة والتهمة عنها".
ولفت الجميلي في كلامه إلى أن "مديريات الأمن الوطني ومكاتب هيئة الحشد الشعبي في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين، هي التي كانت مسؤولة عن منح الكتب الأمنية، وتأييد عدم الانتماء لداعش، لأي مواطن، لديه معاملة رسمية في دوائر الدولة، وتم استغلال هذا الأمر من قبل الفياض، ومساعديه في تلك المحافظات، ليعززوا من نفوذهم".
ونوه إلى أن "الأمر الآخر الذي مكّن الفياض من توسيع نفوذه، هي منحه رخصة إنشاء أفواج الحشود العشائرية في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين، وبالتالي التحالف مع عدد كبير من شيوخ العشائر في تلك المحافظات"، مؤكداً أن "الفياض لعب دوراً مهماً في عملية إعادة عدد من المطلوبين للقضاء العراقي وقادة ساحات الاعتصام في المحافظات السنية، أبرزهم رئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، وأمير قبائل الدليم علي حاتم، وشيخ عشيرة البو جابر في الأنبار زيدان الخلف، وعدد آخر من الشيوخ والشخصيات في نينوى وصلاح الدين وديالى، وهذا الأمر مكنه من توسيع نفوذه".
من جهة أخرى يشير السياسي المعارض، ثائر البياتي، إلى أن الفياض استخدم عدداً من شيوخ العشائر والنواب، لدعم مشروعه، وتم توفير لهم كل ما يحتاجونه من مال وسلاح، ونفوذ.
وقال لـ "الجبال" إنه "تم استغلال الحشود العشائرية، وأيضاً استخدام الملف الأمني ضد المواطنين في نينوى، وباقي المحافظات المحررة، بهدف الضغط عليهم، لتأييد قوائم الحشد"، مردفاً أن "وجود المكاتب الاقتصادية التي تفرض الإتاوات على التجار والمزارعين والأطباء، ويحصلون على نسب من الدوائر، والساحات العامة، والشركات والمصارف، مكنت الفياض من دعم مشروعه، حيث يمنح أموالاً طائلة لمرشحيه، ومؤيديه، ليتوسع في نينوى، ويحصل على عدة مناصب، ويتجه لمحافظات أخرى".
ويسيطر تحالف العقد الوطني حالياً على منصب رئاسة مجلس محافظة نينوى، الذي يرأسه أحمد الحاصود، ويمتلك حالياً عدداً كبيراً من المرشحين الذين يتنافسون على انتخابات مجلس النواب العراقي.
وبحسب عدد من المراقبين فإن الفياض يملك قائمة انتخابية بالتعاون مع الحزب الإسلامي، دخلت السباق الانتخابي في محافظتي صلاح الدين والأنبار، وأغلب مرشحيها، هم من قادة الحشود العشائرية في تلك المحافظات.
فالح الفياض