11 شهراً مرّت على بدء "فصائل المقاومة" في العراق، باستهداف الكيان الإسرائيلي بالمسيرات والصواريخ، ورغم بيانات التبنّي التي تصدرها "المقاومة الإسلامية في العراق" لهذه العمليات، لم يكن هناك لها أي أثر على الأرض أو في الإعلام الحكومي الإسرائيلي أو وسائل الإعلام العبرية، الأمر الذي كان يجعل من ادعاءات وبيانات "المقاومة" محل شك في العراق، لكن تغيراً كبيراً حصل فيما بعد.
حتى وقت قريب، وقبل أسابيع فقط، بدأت وسائل إعلام إسرائيلية تتحدث عن انفجارات أو إسقاط طائرات مسيرة "يرجح أنها قادمة من العراق"، لكن استمرت القنوات العسكرية والحكومية الرسمية في "إسرائيل" بالصمت ولم تتهم العراق بأي حوادث أو إسقاط طائرات قادمة من العراق.
الجيش الإسرائيلي يلتفت للعراق لأول مرة
لكن، في 18 أيلول الجاري، ذكر الإعلام العسكري الإسرائيلي "ولأول مرة"، العراق ضمن الإعلان عن النشاطات العسكرية، بإسقاط طائرات مسيرة قادمة من العراق، وذلك على لسان أفيخاي أدرعي رئيس قسم الإعلام العربي في جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث قال في 18 أيلول، إن "الإنذارات في منطقة بحيرة طبريا كانت خشية تسلل قطعة جوية معادية، فقد اعترضت طائرات حربية مسيرة معادية كانت في طريقها من العراق حيث تم تفعيل الإنذارات خشية سقوط شظايا عملية الاعتراض ولم تقع إصابات".
كانت هذه المرة الأولى التي يعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي بوصول طائرات عراقية للمجال الجوي الإسرائيلي، لكنها لم تكن المرة الأخيرة، فبعد 4 أيام فقط، أعلن أدرعي في 22 أيلول أنه "اعتراض هدفين جويين مشبوهين في طريقهما من العراق دون وقوع إصابات".
ذكر العراق لأول مرة، واعترف بوصول طائرات مسيرة منه إلى أجواء إسرائيل، كان مريباً بعض الشيء، خصوصاً وأن عملية إرسال الطائرات المسيرة من العراق ليس فعلًا حديثاً، الأمر الذي طرح تساؤلات عن سبب الصمت الطويل لإسرائيل طوال تلك الأشهر عن العمليات العراقية، وذكرها الآن فقط، لتتوج هذه التساؤلات بحيرة أكبر عندما صرح رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هليفي بالقول: "نعمل على جبهات متعددة في غزة والشمال واليمن والعراق وإيران"، حيث ذكر العراق وصنّفه بشكل صريح كجبهة معادية ضمن الجبهات التي تقاتل فيها إسرائيل.
الإجابة بالأرقام
هذا التحول في سلوك الجيش والاعلام الإسرائيلي فسرّه مراقبون على أنه يتطابق مع نوايا توسيع الصراع وخطط إسرائيل بتنفيذ ضربات جوية في العراق، لكن التحول هذا جاء بعد أن تطورت "خطورة" فصائل المقاومة العراقية، وارتفاع نسبة نجاح المسيرات العراقية بالوصول ودخول المجال الجوي بعد أن كانت قرابة 80% منها لا تنجح حتى بإطلاق صفارات الإنذار في إسرائيل، أصبحت في أيلول 2024 أكثر خطورة، لتنجح أكثر من 70% منها في دخول الأجواء وإجبار مضادات الجو الإسرائيلية على التعامل معها، فيما نجحت طائرتان في تحقيق إصابات مباشرة بالفعل في إسرائيل خلال أيام.
اطلعت "الجبال" على الأرقام التي توفرها منظمة إسرائيلية عن الهجمات العراقية، والتي توضح مدى تطور خطورة المسيّرات العراقية ليس بنمط تصاعدي، بل بشكل مفاجئ في أيلول الجاري.
في تشرين الثاني 2023، شنت "فصائل المقاومة" 4 عمليات، 3 منها لم تصل إلى الأجواء الإسرائيلية أساساً، وواحدة منها حققت إصابة مباشرة بالفعل. في كانون الأول 2023 شنت المقاومة 4 عمليات، 3 منها لم تصل، وواحدة اسقطتها الدفاعات الإسرائيلية، أي ان نسبة الوصول كانت 25% في العمليتين.
وفي كانون الثاني 2024، شنت المقاومة 11 عملية، وفي شباط 3 عمليات، وفي الشهرين لم تصل الطائرات أو الصواريخ إلى الأجواء الإسرائيلية أساساً، وفي آذار 2024، قفزت العمليات إلى 17 عملية، فقط 2 وصلت إلى الأجواء الإسرائيلية وتم إسقاطها، وفي نيسان 2024 شنت 24 عملية، فقط 5 وصلت الأجواء، 4 منها أسقطت، وواحدة حققت إصابة مباشرة.
وفي أيار 2024، شنت 45 عملية، 10 منها فقط دخلت الأجواء وتم إسقاطها، وفي حزيران 2024 تم شن 22 عملية، فقط 3 منها دخلت الأجواء وتم إسقاطها، وفي تموز 14 عملية فقط 4 منها دخلت الأجواء وتم إسقاطها، وفي آب شنت 5 عمليات، 2 منها فقط دخلت الأجواء وتم إسقاطها.
في جميع العمليات السابقة، يتضح أن نسبة نجاح الوصول إلى الأجواء كانت تتراوح بين 11 و25%، وإذا ما قورنت بالمعدل العام فإنه خلال 10 أشهر من تشرين الأول 2023 إلى آب 2024، تم تنفيذ 149 عملية، فقط 28 منها دخلت الأجواء ودفعت المضادات الإسرائيلية للتعامل معها أي أن نسبة نجاح الوصول كانت تبلغ 18% فقط، ونسبة تحقيق الإصابات المباشرة بلغت 1% فقط، حيث تم تحقيق إصابتين مباشرتين فقط من أصل 149 عملية.
أيلول "مختلف"
لكن في شهر أيلول الجاري، كان نشاط العمليات مختلف تماماً، يفسر بشكل طبيعي وواضح سبب بدء الإعلام العسكري الإسرائيلي بتصنيف العراق كجبهة ضمن الجبهات التي تقاتل عليها إسرائيل، وبدء ذكر المسيرات القادمة من العراق بالرغم من أن العمليات مستمرة منذ 10 أشهر.
ففي أيلول، تم شن 18 عملية فقط، أي أقل من عمليات شهر نيسان وأيار وحزيران 2024، لكن نسبة نجاح عمليات أيلول كانت أخطر، فمن بين 18 عملية، نجحت 13 عملية بإيصال الطائرات والصواريخ إلى أجواء إسرائيل، أي أن نسبة نجاح الوصول بلغت 72% مقارنة بـ18% خلال الأشهر السابقة، أي أن نسبة نجاح الوصول ارتفعت 300%.
ومن بين هذه الـ13 عملية اخترقت الأجواء، أحبطت الدفاعات الإسرائيلية 11 عملية، و2 منها نجحت بتحقيق إصابات مباشرة، أي أن نسبة تحقيق الإصابات المباشرة بلغت قرابة 12% بعدما كانت تبلغ 1% فقط طوال الأشهر الماضية.
وتظهر البيانات، أن 75% من الأسلحة المستخدمة بالهجمات من العراق عبارة عن طائرات مسيرة، وحوالي 11% منها صواريخ كروز، أما النسبة المتبقية التي تقارب الـ14% فهي أجسام غير معروفة.
إسناد غزة ليس كإسناد حزب الله
يؤدي هذا التطور إلى عدة أسئلة، هل أن هذا التصاعد والتطور بالعمليات يعود لحصول فصائل المقاومة في العراق على تقنيات أفضل وتطوير الإمكانيات، أم إن هذه الإمكانيات متوفرة أساساً لكن لم يتم استخدامها في معركة إسناد غزة، وتم استخدامها في معركة "إسناد لبنان"، حيث من الواضح أن تهديد الطائرات المسيرة العراقية ارتفع بعد انفجار أجهزة البيجر ثم اشتعال الحرب بين حزب الله وإسرائيل.
ورجح مراقبون أن يكون تطور قدرات المسيرات العراقية يعود لتدريبات تلقتها "فصائل المقاومة" على يد الحوثيين، الذين لهم نشاطات سابقة باستهداف وتحقيق إصابات مباشرة على المنشآت الإسرائيلية باستخدام الطائرات المسيرة.
وفي آب الماضي، كشفت تقارير عن مقتل قائد حوثي في ضربة أميركية بجرف الصخر في محافظة بابل وسط جنوبي بغداد، حيث كان بمهمة تدريب للفصائل العراقية.
اكتمال شروط الضربة الإسرائيلية للعراق
في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال قمتها المنعقدة في نيويورك، رفع الرئيس الإسرائيلي بنيامن نتنياهو خارطتين، الأولى تضع لوناً أسود على العراق وإيران وسوريا ولبنان ضمن "محور اللعنة"، أما خارطة السلام فضمت مصر والسعودية والسودان.
تصنيف نتنياهو للعراق، جاء معززاً للتصريحات الإسرائيلية التي بدأت تذكر العراق كواحدة من الجبهات المعادية مؤخراً، كما أن الهجوم بالطائرات المسيرة التي انطلقت من العراق باتجاه ميناء إيلات وتسببت بإصابتين، يعيد إلى الاذهان الضربة الإسرائيلية لليمن في ميناء الحديدة في تموز، حيث تم قصف منشآت وقود ومحطات كهرباء وأدت الضربة لمقتل 3 وإصابة أكثر من 80 آخرين.
هذه الضربة جاءت بالرغم من توجيه الحوثيين 200 ضربة لإسرائيل دون رد، غير أن قرار الرد الاسرائيلي جاء بعد هجوم للحوثيين أوقع إصابات إسرائيلية، حتى إن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت قال في حينها "الحوثيون هاجمونا أكثر من 200 مرة، وفي المرة الأولى التي ألحقوا فيها الأذى بمواطن إسرائيلي، قمنا بقصفهم، وسنفعل ذلك في أي مكان إذا اقتضت الضرورة"، وهذا بالضبط ما حدث مع الضربة الأخيرة العراقية لميناء إيلات، ما يجعل العراق على موعد مع ضربة إسرائيلية محتملة وأكيدة، بحسب خبراء.