خاص| الناصرية ما بعد تشرين.. الأحزاب التقليدية "ممنوعة" من إعادة افتتاح مكاتبها بـ"أمر الشارع"

خاص| الناصرية ما بعد تشرين.. الأحزاب التقليدية "ممنوعة" من إعادة افتتاح مكاتبها بـ"أمر الشارع" خلو شوارع الناصرية من الدعايات الانتخابية

منذ احتجاجات تشرين 2019 التي شهدتها محافظة ذي قار، أحد أكثر فصولها سخونة تغيّر شكل الفضاء الحزبي في المحافظة جذرياً، وبعد نحو سبع سنوات كاملة على تلك الأحداث ما تزال غالبية مقرّات الأحزاب التقليدية التي أُحرِقت أو جرى تجريفها مغلقة أو غائبة عن المشهد كما كانت قبل 2019.

 

وعلى الرغم من مرور دورتين انتخابيتين فعليّتين البرلمانية 2021 والمحلية 2023 والاستعداد لاستحقاق 2025 لم تعد المقرّات إلى نمطها القديم، إذ تُرجِع الأوساط المحلية ذلك إلى حساسية المزاج العام في ذي قار والخشية من إعادة إشعال الشارع.


الكاتب والمحلل السياسي حسين العامل يرى أن "الأحزاب السياسية في محافظة ذي قار ما زالت تتحمل تبعات مواقفها السابقة، خاصة بعد أن فشلت في الالتزام بوعودها الانتخابية، وتراجعت عن كثير من الشعارات التي رفعتها إبان حملاتها السابقة"، ما أدى إلى "فقدان ثقة الجمهور بشكل شبه تام".


وقال العامل في حديث لمنصة "الجبال" حول المشهد السياسي في ذي قار، إن "أغلب الكيانات الحزبية لم تُبدِ أي حرص فعلي على مصلحة الوطن أو المواطن، بل اتسم أداؤها خلال السنوات الماضية بالتفريط الواضح في حقوق الناس وعدم الاستجابة لمطالب الشارع، التي تفجرت في ذروتها خلال حراك تشرين الشعبي قبل نحو خمس سنوات".


وأشار الكاتب إلى أن "مقرات معظم الأحزاب في المحافظة لا تزال مغلقة حتى اليوم رغم مرور وقت طويل على انطلاق حراك تشرين، معتبراً ذلك "مؤشراً واضحاً على استمرار القطيعة بينها وبين الشارع المحلي، بل وربما دليلاً على خشيتها من مواجهة الغضب الشعبي المتراكم نتيجة تجاهل مطالب المتظاهرين، وغياب الإصلاحات الحقيقية التي طالب بها الحراك".


وختم العامل حديثه بالقول إن "ما يحدث اليوم هو نتيجة طبيعية لتراكم الفشل السياسي وغياب الرؤية الوطنية، وافتقار الكثير من الكيانات الحزبية للجرأة في مراجعة أخطائها"، مؤكداً أن "الشارع في ذي قار لم يعد كما كان وأن الوعي السياسي تصاعد بشكل كبير، ما يجعل من الصعب إعادة تدوير نفس الوجوه والوعود السابقة دون دفع كلفة سياسية باهظة".


وسجلت محافظة ذي قار في الثاني من تشرين الأول 2019، تصعيداً لافتاً من بين بقية المحافظات العراقية، حيث تعرضت مقار عدد من الأحزاب السياسية والفصائل المسلحة إلى الحرق خلال اليوم الثاني لانطلاق تظاهرات تشرين التي عمّت مدن العراق مطالبة بالإصلاح ومكافحة الفساد.


وشملت عمليات الحرق آنذاك مقرات بارزة لأحزاب وفصائل معروفة في مدينة الناصرية، من بينها (منظمة بدر) و(حزب الدعوة الإسلامية) و(حزب الدعوة/ تنظيم العراق) و(تيار الحكمة) و(الحزب الشيوعي العراقي) فضلاً عن مقار لحركة (عصائب أهل الحق) وحركة (حزب الله العراق) وعدد من الفصائل المسلحة الأخرى.


وجاء هذا التصعيد في ذي قار ليعكس حجم الغضب الشعبي المتنامي تجاه القوى السياسية، ويُعد من أبرز المشاهد التي رافقت انطلاقة تظاهرات تشرين، والتي شكّلت منعطفاً سياسياً حاداً في علاقة الشارع مع الأحزاب التقليدية في العراق.


فيما أكد مسؤول المكتب الإقليمي لـ"منظمة تموز" لمراقبة الانتخابات في محافظة ذي قار رزاق عبيد، لمنصة "الجبال"، أن "أحداث حراك تشرين تركت تأثيراً عميقاً على الواقع السياسي والانتخابي في المحافظة"، لافتاً إلى أن "ما جرى من استهداف لمقار الأحزاب خلال تلك الفترة خلق حالة من الانكماش السياسي لا تزال آثارها مستمرة حتى اليوم".


وقال عبيد إن "الناصرية كانت محوراً بارزاً في حراك تشرين وما رافقه من احتجاجات أسهم في تغيّر شكل التفاعل الشعبي مع الكيانات السياسية، وعلى الرغم من هذه التغييرات إلا أن الكتل السياسية ما زالت تحتفظ بجمهورها التقليدي وهي على دراية تامة بمستوى قوتها التصويتية في المحافظة"، مضيفاً أن "حتى الوجوه الجديدة التي دخلت السباق الانتخابي، تُدرك صعوبة المنافسة مع أحزاب تمتلك عمقاً استراتيجياً وشبكات تنظيمية راسخة".


واستمرت التظاهرات في ساحة الحبوبي وسط الناصرية كأطول ساحة احتجاج مفتوحة في العراق وفقدت أكثر من 130 شهيداً وأُصيب ما يزيد عن 500 جريح في سلسلة احتجاجات. وكانت ساحة الحبوبي آخر ساحة تظاهر انتهت في تشرين الثاني 2021 بعد دخولها من قبل انصار التيار الصدري وحرق خيم المحتجين.


وهذا المشهد جعل من ذي قار "رمزاً" لساحات الاحتجاج، وحافظت على موقعها كمركز أساسي للاحتجاج والتغيير، رغم ما واجهته من قمعٍ ودماءٍ وتضحيات.


وأكد عضو حزب الدعوة الإسلامية رزاق الغزي أن مكتب الحزب في ذي قار لا يزال قائماً ويمارس نشاطه بشكل يومي، مشيراً إلى أنه "يُستخدم حالياً لاستقبال المواطنين وإدارة شؤون الحزب".


وقال الغزي لمنصة "الجبال" إن "المكتب شكّل مقراً لإدارة العملية الانتخابية خلال الانتخابات الماضية"، مبيناً أن "الموقع الحالي هو منزل مستأجر ويتم عقد الاجتماعات واللقاءات الجماهيرية فيه بصورة مستمرة".


وأوضح أن "عدم وجود لوحة على واجهة المبنى يعود إلى رغبة مالكي العقار الذين أبدوا بعض التحفظات"، مؤكداً في الوقت نفسه أن "الحزب يواصل تواصله المباشر مع الجمهور من خلال هذا المقر".


ورأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة ذي قار الدكتور قاسم الشويلي، أن تزامن العملية الانتخابية مع حالة الهدوء الأمني النسبي في المحافظة يمثل فرصة إيجابية لتركيز الجهود على إنجاح الانتخابات في أجواء مستقرة.


ونوّه الشويلي بأن المشهد السياسي في ذي قار ما زال متأثراً الى حد ما بتداعيات حراك تشرين الذي وضع الأحزاب في حينها خلال عام 2019 أمام خيارين: إما المواجهة المباشرة مع الشارع الغاضب، أو الانسحاب والعمل من خلف الكواليس، مشيراً إلى أن "العديد من الأحزاب اختارت المسار الثاني وهو ما يفسّر استمرار غلق مقراتها حتى الآن".


وبحسب قول الشويلي، فإن "عودة الأحزاب إلى المشهد العلني وفتح مقراتها الرسمية قد لا يتم قبل الانتهاء من الانتخابات البرلمانية المقبلة، وبعد تثبيت دعائم الأمن وسيادة القانون بشكل واضح"، مشدداً على أن "التفاعل السياسي لا يزال محصوراً لدى قواعد الأحزاب الأساسية بينما يغيب الاهتمام عن جزء كبير من المجتمع الذي ما زال منشغلاً بتبعات الأزمة الاقتصادية والسياسية".

 

 

 

 

 


الجبال

نُشرت في الأحد 26 أكتوبر 2025 12:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.