على الرغم من محاولات العديد من الكتل السياسية داخل الإطار التنسيقي ومعارضه التشكيك في نجاح حكومة محمد الشياع السوداني في برنامجها الحكومي الذي تستقل بالدفاع عنه، إلا أن الآخر لا يزال يحاول كسب ردود الأفعال الإيجابية من خلال الإعلان عن تقدّمه بملفات تلو أخرى تمثل أهمية قصوى للطبقة السياسية من جهة، والشعبية من جهة أخرى.
وبات سائداً الحديث عن محاولات جادة للإطاحة بحكومة السوداني عبر بوابة الانتخابات المبكرة الموجودة أساساً كبند رئيس بمنهاج هذه الحكومة لكنها لم تتطرق له بحجة عدم وجود الإرادة أو الاتفاق السياسي، في وقت دعا ائتلاف دولة القانون بشخص زعيمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي لإجراء الانتخابات المبكرة، وهو طلب قد خرج من أكبر كتل الإطار التنسيقي الذي شكل الحكومة والداعم الأكبر لها وللسوداني تحديداً.
ويبدو مطلب الانتخابات بمثابة جرس الإنذار الذي دق لكتابة نهاية الحكومة الإطارية بشكلها ومضمونها، وهو ما يدعو للاستفهام عمن سيكون المتضرر أو الرابح في حالة الإنهاء المبكر لعمر كابينة السوداني والذهاب نحو تشكيل أخرى قد تطول لأشهر طويلة كما جرت العادة، ويأتي ذلك كله في ظل تطورات داخلية متسارعة حول قضايا الفساد والأمن، وإقليمية - دولية على ساحات لبنان وإيران وسوريا وفلسطين وانعكاساتها على الداخل العراقي بوجود الفصائل المسلحة الداعمة لجبهات المقاومة هناك.
مع ذلك، لم يسمّ محمد شياع السوداني في كلمته المتلفزة مطلع شهر أيلول الجاري 2024 تلك الجهات التي تشكك في نجاح حكومته أو التي توجه الاتهامات لها وتخلط الحقائق بالأكاذيب، لكن سياق الكلمة الطويلة نسبياً يتزامن مع أزمة سياسية انعكست على أداء حكومته، في ظل خلافات عرفتها الطبقة السياسية خلال الشهرين الماضيين.
واعتبر السوداني، أن حكومته لا تزال تواجه ما سماها "عمليات تشويش ونشر مغالطات، ومحاولات خلط الحقائق بالأكاذيب"، إلى جانب اتهامات بتغاضيها عن بعض جوانب الفساد، مشيراً إلى أن حكومته نجحت في تحقيق استقرار أمني على يد القوات الأمنية بكلّ أصنافها وتشكيلاتها، إلى جانب تحسين العلاقات الخارجية للعراق.
حول ذلك، يقول الباحث في الشأن السياسي، داود سلمان، لـ "الجبال"، إن "اسقاط حكومة السوداني بهذا الوقت وبأسلوب تأمري ومتسرع قد يؤدي الى انتكاس مشروع الإطار التنسيقي الذي جاء بهذه الحكومة ورئيسها ولم يكن له خيار غيره حيث كانوا يريدون إنقاذ النظام السياسي ومنع تدحرجهم تحت أقدام الشعب حينذاك"، مبينا أن "بقدوم السوداني انتعشت سمعة الإطار التنسيقي بعض الشيء من خلال ما قدّمه من منجز بسيط على مستوى البنى التحتية وبعض الشعارات التي أطلقها وهو مقيد بالسياسات الحزبية".
وتابع أن "أي منجز يحاول تقديمه السوداني هو يمس التكتلات السياسية المؤشر عليها ملفات الفساد ولذلك هم يجهضون كل أحلامه باتجاه التحرر من السياسة الحزبية"، مؤكداً أن "بقاء السوداني في السلطة أفضل من إبعاده لأن إسقاطه سيجعل الكثير من فئات الشعب يلتفون حوله وهو يحمل ورقة الخدمات والإنجازات التي تحاول عرقلتها بعض الكتل السياسية لمنع تصدره المشهد الشعبي وأيضاً ستكون خطوة مثل هذه انتكاسة كبيرة للإطار في الانتخابات المقبلة وستجعله يفلس بشكل كبير.
أما الملفات التي تواجهها الحكومة كاتهامات مباشرة لها، يرى داود، أن "قضية التنصت أو ما يعرف بشبكة محمد جوحي هي أصبحت مثل السكين التي تم غرزها في قدم السوداني ولم يكن متوقعاً حصولها منه بل بتخطيط الحاشية التي تعمل معه، لكن بالمحصلة قد تم التجسس على شركاء السوداني سياسياً لأنه يحاول كشف مخططاتهم وما يحاولون الحديث به عنه، لكن خطوته هذه جعلته ينتكس ولا يعرف كيف يدير الأمر حينما تم كشفه".
وبشأن سرقة القرن، يوضح أنه "ليس للسوداني أي طرف بها في أساسها لأن من كشفها هو مصطفى الكاظمي، لكن رئيس الحكومة الحالية أخرج نور زهير بكفالة ليحل القضية وفشل أيضاً ليهرب زهير ويستقر في دبي ما جعل السوداني يصبح متورطاً بما أشيع عن أن أحد أشقائه شريك بهروب المتهم"، فيما أشار إلى أن "الأكثر سوءاً هو عدم استطاعة السوداني وحكومته استرداد زهير والمتهمين الآخرين لغاية الآن".
وأضاف أن "المتضرر من إسقاط حكومة السوداني هم من يشاركونه الحكومة في الإطار التنسيقي وقاموا بدعمه، أما من سيربح هو ائتلاف دولة القانون فقط الذي أراد من خلال عمر الحكومة أن يكون السوداني أحد أطراف الإطار وليس المتميز بينهم ويكسب شعبية الناس لينفرد فيما بعد بقائمة انتخابية فقط تحمل إنجازات الحكومة لها".
ولفت داود إلى أن "السوداني الآن بوضع غير مستقر لكن الوضع الدولي سيصبح بجانبه لأنه منح تسهيلات دولية كبيرة في بعض الملفات وبدأ يغازل بعض أطراف الإطار، لذلك إن الخاسر الوحيد هو السوداني وشركاؤه من إسقاط الحكومة، والرابح هو نوري المالكي وائتلافه الذين ينادون بأسقاط الحكومة عبر الانتخابات المبكرة".
من ذلك بات يتضح أن قضية التنصت الصوتي وملف سرقة القرن قد أوقعتا ضرراً على حكومة محمد شياع السوداني، كما يمكن استغلالهما لتوسعة الخلاف داخل الاطار التنسيقي ما سيتسبب بعرقلة عمر الحكومة الحالية في وقت قريب، وهو المرجح وفقاً للتوقعات، فيما يؤكد رئيس الوزراء محمد شياع أن "النظر في القضيتين من اختصاص القضاء العراقي"، بحسب كلمته المتلفزة وبيان اللقاء الذي جمعه برئيس مجلس القضاء الأعلى في وقت سابق.
بالمقابل، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي نظير الكندوري، خلال حديثه لـ "الجبال"، أنه "ليس من الخطأ إذا قام الإطار التنسيقي بإسقاط حكومة محمد شياع السوداني، بل هو مكسب لهم وبمصلحة أطراف عديدة منهم لأن اختيارهم له كان لوجود ضرورة في ذلك الوقت بعدم امتلاكه كتلة قوية ونواب داعمين له"، مستدركاً قوله: "لكن الان الساحة أصبحت خالية للإطار التنسيقي بغياب التيار الصدري وبدأ السوداني بكسب شعبية يجب منعها في الانتخابات القادمة".
ويبين الكندوري أن "السوداني لديه بعض النجاحات في الملفات الخدمية، مما يرفع حظوظه في الانتخابات وهو أمر غير مرغوب لأنه وكما قال أمين عام عصائب أهل الحق بأن السوداني موظف لدى الإطار التنسيقي، وهو ما يؤكد عدم إمكانية السماح له بأن يصبح شخصية قوية وينافسهم في الحكومة"، مضيفاً أن "إسقاط حكومة السوداني عبر إلصاق تهم الفساد والتنصت بحكومته هي كلها محاولات لسد الطريق أمام ولاية ثانية له والاستفراد بالحكم لأقوى جهات الأطار التنسيقي وهي ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي وحجمه في الساحة السياسية".
وتابع: "الإطار التنسيقي يمثل خلطة غير متجانسة وليسوا على قلب رجل واحد، واحدهم يحمل الدسائس والكره للآخر، وهذا لن يجعل أي طرف منهم ينفرد بحكومة كاملة له. لذلك ليس أمامهم خيار غير الاجتماع على شخصية تكون قريبة من الجميع كشخصية محمد شياع السوداني التي قدموها ويستمرون على تنصيبها برئاسة الحكومة".
وسط ذلك بدأت الأيادي في مجلس النواب تلوّح بأوراق الاستجوابات لوزراء حكومة السوداني، رغم وجود الأغلبية النيابية للإطار التنسيقي في المجلس، وهو ما يؤكد وجود شرخ داخل المكون الشيعي سياسياً يؤكد الانقسام بالرأي فيما يخص أداء الحكومة والإخفاق بالعديد من الملفات وشبهات الفساد.
وكانت النائب عن كتلة النهج الوطني، ابتسام الهلالي، قد حملت في 11 أيلول الجاري رئاسة البرلمان مسؤولية عرقلة استجواب المسؤولين الحكوميين، فيما تحدث النائب عن كتلة إشراقة كانون، مصطفى خليل الكرعاوي عن تقديم طلب لرئاسة المجلس من أجل استجواب محافظ البنك المركزي لكنه لم يتلقّ ردّاً حول طلبه، كما سبق ذلك، حديث النائب عن كتلة إشراقة كانون أيضاً، محمد الخفاجي، عن عدم موافقة رئيس البرلمان على طلب استجواب وزير الكهرباء بداعي وجود ضغوطات واتفاقات سياسية.
وتأكيداً لما يجري من صراع سياسي داخل الإطار التنسيقي بدأ ينتقل لساحة التصفية في مجلس النواب، يقول النائب عن دولة القانون حسين علي، في حديث لـ "الجبال"، إن "الحكومة تقوم بتجاهل المؤشرات السلبية على برنامجها ولا تقوم بمعالجة الأخطاء التي تقدم لها بتقارير النواب والكتل السياسية وهو أمر سيء وله نتائج أضرارها كبيرة قد تصل الاتجاه نحو سحب البرلمان للثقة منها".
وتحدث علي، عن "دعم كبير يتم تقديمه من قبل الإطار التنسيقي للحكومة في جميع الملفات التي جرى إدراجها في المنهاج الوزاري، وذلك لا يعني أن يتم السكوت عن الفشل والتقاعس في إنجاز ما يتعلق بمحاربة الفشل والإخفاقات"، مؤكداً أن "الحكومة شرعت بمهامها وفقاً لما تم الاتفاق عليه بين الكتل السياسية قبل تشكيلها ولذلك فالخروج عما تم الاتفاق عليه من نقاط ليس بمصلحة الحكومة".
أشار النائب عن دولة القانون، إلى أن "سحب الثقة من الحكومة ليس بالقرار السهل ولكنه ليس بالصعب أيضاً اذا تشكلت الرؤية الكاملة والقناعة التامة لدى الأغلبية السياسية والنيابية، ولا يخفى أنه متداول الآن في اجتماعات الكتل لأن المخالفات أصبحت كثيرة ولا يمكن الرضا بتراكمها لفترة أطول بغياب عدم التصحيح والاستجابة".
وكانت السلطات العراقية أعلنت نهاية الشهر الماضي عن كشف شبكة تنصت وابتزاز تعمل داخل القصر الحكومي، استهدفت أنشطتها كبار القادة السياسيين وأعضاء البرلمان وكبار المسؤولين والقضاة ورجال الأعمال، وألقي القبض على سبعة مشتبهين بهم أبرزهم مساعد مدير الإدارة في مكتب السوداني محمد جوحي.
وصدرت أوامر اعتقال بحق مسؤولين كبار في مكتب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لتورطهم في إدارة شبكة التنصت التي تم الكشف عنها في بغداد، أبرزهم السكرتير العسكري للسوداني الفريق أول عبد الكريم السوداني، ومدير مكتب السوداني إحسان العوادي، وأحمد إبراهيم السوداني، مدير مكتب رئيس جهاز المخابرات الذي يترأسه السوداني، ما يجعل القضية تشكل سابقة لم تشهدها الحكومات المتعاقبة، فيما تتصاعد الأصوات المحلية المطالبة بالدقة والنزاهة في اختيار الموظفين للمناصب الحساسة.