في ظل الأوضاع المتوترة في المنطقة، ومع فرض الولايات المتحدة الأميركية المزيد من العقوبات على شخصيات عراقية مختلفة، فإن التحركات الجديدة للقوات الأميركية في مناطق غرب الأنبار تأخذ منحنى آخر، وتطور غير مسبوق، بحسب عديدين.
ويشهد الشرق الأوسط منذ مطلع تشرين الأول 2025 حراكاً عسكرياً أميركياً غير مسبوق منذ سنوات، حراك تتقاطع فيه الأبعاد المحلية مع الإقليمية، ليجد العراق نفسه مرة أخرى في صدارة معادلة معقدة هذه المرة.
وبهذا الصدد يكشف مصدر أمني مطلع على تحرك غير مسبوق للقوات الأميركية، حيث دخل رتل أميركي كبير عبر سيطرة الصقور، واستقر في قاعدة عين الأسد في ناحية البغدادي غرب الأنبار.
ولفت المصدر في حديث لمنصة "الجبال" إلى أن "القوات الأميركية أجرت عملية حفريات للانفاق والخنادق، وقامت بإطلاق وتشغيل منظومة الدفاع، كما وقامت بتدريبات عسكرية، وزادت من عناصرها، ليصبح العدد الحالي، بحدود 3 آلاف جندي ومستشار داخل قاعدة عين الأسد".
وأضاف أن "الطائرات المسيرة الأميركية تقوم منذ ثلاثة أيام، بجولة تصويرية استطلاعية في مناطق هيت والمحمدي والبغدادي وحديثة وعنه، كما هناك تحركات برية في مناطق غرب الأنبار، غير معروفة أسبابها حتى الآن".
بموازة ذلك، هناك تحركات أخرى "غير مسبوقة" أيضاً للفصائل المسلحة في مناطق شمال بابل وحزام بغداد، وتركز العناصر الجديدة في مناطق عكاشات والقائم والشريط الحدودي مع سوريا.
"الانسحاب دعاية انتخابية"
بينما يؤكد الباحث في الشأن السياسي المقيم في واشنطن نزار حيدر أن ما حصل في الأيام الأخيرة من تحركات أميركية، هو "دليلٌ قاطعٌ" على صحة ما ذهبت اليه شخصياً خلال الفترة الأخيرة الماضية من أن القوات الأميركية لم تترك مواقعها لا في الأنبار ولا في بغداد.
وقال حيدر في حديث لـ "الجبال" إنه "حتى هذه اللحظة لم يحصل أي تغيير في طبيعة تواجد قوات التحالف الدولي على الأراضي العراقية، وإن كل ما جرى الحديث عنه هو مجرد دعاية انتخابية للاستهلاك المحلي يسعى إليها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ومستشاروه، لتوظيفه في حملاتهم الانتخابية، من خلال تقديمه كمنجز هو في الحقيقة (فضائي) ليس له وجود على أرض الواقع".
وأشار إلى أنه "لا توجد هناك أية خطط أميركية في المستوى المنظور لضرب قواعد الفصائل المسلحة، أو استهداف قياداتها، فالاستهداف مازال مخططاً مؤجلاً ولا أقول ملغياً، ولكن واشنطن مشغولة الآن بملف خطة ترامب للسلام في منطقة الشرق الأوسط".
وأردف أنه "من بعد خطة السلام ستتفرغ واشنطن للملف النووي الإيراني الذي يجب إن يتم حسمه في إطار خطة الرئيس كما ترى واشنطن ذلك، وأن أي تحرك في القاعدة قد يدخل في إطار إعادة تموضع ليس أكثر، ومن ذلك تبادل القوات بين العراق وسوريا وهذا ما يحصل عادة بين الفترة والأخرى".
هذا وقد وثّقت بيانات رصد الطيران مغادرة تشكيلات من قاعدة العديد في قطر، شملت حاملات وقود جوية ترافقها طائرات مقاتلة، عبرت الأجواء العراقية وصولاً إلى إقليم كوردستان وتركيا.
وتفيد التحليلات الدفاعية بأن الدفع بحاملات الوقود الجوية إلى الخطوط الأمامية يسمح بإبقاء المقاتلات في الأجواء لفترات أطول، بما يعزز خيارات الضربات أو الاستطلاع الاستراتيجي.
كما أن اختيار الأجواء العراقية كممر لهذه التشكيلات يشير إلى استمرار العراق كجزء أساسي من البنية العملياتية الأميركية في المنطقة، وهو ما يحمل دلالات سياسية وأمنية تتجاوز الطابع اللوجستي.
تأجيل الضربة الأميركية
من جهة أخرى علق رئيس المركز العراقي للدراسات الستراتيجية غازي فيصل على أسباب التحركات الأميركية الأخيرة بالقول إعادة تموضع فقط.
وبين في حديث لـ "الجبال" أن "هذه التحركات هي في مجال إعادة التموضع وإجراء ما يزال طبيعياً، ولم يحن موعد الضربة الأميركية للفصائل المسلحة في العراق حتى الآن".
وشدد على أن "الولايات المتحدة الأميركية ورئيسها دونالد ترامب، يسعى لإنهاء الحرب في غزة بالكامل، ومن ثم التوجه للملف النووي الإيراني، وموضوع العراقى فيما بعد".
بينما يرى الخبير العسكري اللواء عماد علو أن التحركات الأميركية الأخيرة في مناطق غرب الأنبار، تأتي في إطار إعادة التموضع لتلك القوات.
وذكر علو خلال حديث لـ "الجبال" أن "هذه التحركات تأتي في إطار تطبيق الاتفاقية التي أبرمت بين بغداد، وواشنطن، وكان هناك تفاهم في إنهاء جزء من مهام التحالف الدولي".
وأشار الخبير العسكري إلى أن "إعادة الانتشار لها علاقة أيضاً بما يحصل في الساحة السورية، ومحاولة الولايات المتحدة فرض رؤيتها على طبيعة المسار الذي ستذهب إليه الأوضاع في سوريا في المستقبل، وخاصة بمجال علاقتها مع دول الجوار، وعلى رأسها إسرائيل".
وتابع أن "هذه التحركات لا يبدو لها وضع بالعلاقة بين واشنطن وإيران، أو الفصائل المسلحة، ولا اعتقد وجود نية أميركية على ضربة سريعة تستهدف تلك الفصائل، لا سيما في ظل وجود تحركات للتهدئة والتفاهم، خاصة بعد قمة شرم الشيخ".
وأفاد مصدر أمني في محافظة الأنبار لوسائل إعلام محلية بأن القوات الأمنية رصدت دخول أكثر من آلية عسكرية أميركية إلى قاعدة "عين الاسد" غربي الانبار قادمة من مناطق العمق السوري.
"إنذار أخير للفصائل"
في السياق، يؤكد الخبير في الشأن الأمني العميد المتقاعد ياسين العاني أن التحركات الأميركية تؤكد بما لا يضع مجالاً للشك أنها رسالة تنبيه للفصائل المسلحة، وتحذير أخير.
وشدد العاني في حديث لـ "الجبال" على أن "التحركات هي بمثابة رسالة للفصائل المسلحة بأن العراق مازال يشكل أولوية للولايات المتحدة، وأيضاً هي تذكير بأن واشنطن لن تتخلى عن قاعدة عين الأسد بسهولة، لما تمثلة من مركز ستراتيجي مهم".
وقال إن "التحركات الأميركية هي رسالة تحذير للفصائل بأن لا تقع في المحظور، حتى لو تم استهداف إيران، في حال لم تخضع للشروط الأميركية وعلى رأسها وقف تخصيب اليورانيوم. والتحركات البرية هي رسالة للفصائل بأن هذه المرة لن يتم الاكتفاء باغتيال القادة، وإنما تدمير الفصائل بشكل كامل".
فيما رد المتحدث باسم كتائب سيد الشهداء، كاظم الفرطوسي، على التحركات الأميركية بقول إنها "خرق واضح للسيادة، وعدم إلتزام بالاتفاق والتفاهم الأمني الأخير مع الحكومة العراقية".
وأوضح الفرطوسي لـ "الجبال" أنه "كان من المفترض انسحاب القوات الأميركية بالكامل في منتصف شهر أيلول، ولكن ما يحصل حالياً هو مماطلة، ويجب على الحكومة العراقية أن يكون لها موقف، للحفاظ على سيادة البلد".
وبخصوص تحركات الفصائل المسلحة نوه بأن "الحشد الشعبي هو جزء مهم من المؤسسة الأمنية والعسكرية في العراق، ومن حقه التحرك في أي مكان، لغرض حماية البلد، وضبط الشريط الحدودي مع سوريا، ومنع دخول التنظيمات (الإرهابية)".