ما هي الأسباب الحقيقية لـ"السوق الموازي" أو ارتفاع أسعار الدولار؟

5 قراءة دقيقة
ما هي الأسباب الحقيقية لـ"السوق الموازي" أو ارتفاع أسعار الدولار؟ عملتي الدينار العراقي والدولار الأميركي/ تعبيرية

منذ أكثر من عام والبلاد تشهد وجود سعر صرف موازي يزيد في معدل تغيره على أكثر من 10٪؜ فوق معدلات سعر الصرف في السوق الرسمي.

 

والأسباب لوجود هذه السوق الثانوية غير القانونية للصرف هي ليست ذات صلة مباشرة بالاقتصاد الكلي للبلاد، بل على العكس إن ما تمتلكه البلاد من احتياطيات أجنبية والتي تلامس 110 مليارات دولار هي الأعلى في تاريخ الاستقرار الاقتصادي للعراق، بل تتمتع تلك الاحتياطيات بكفاءة عالية جداً وعلى وفق مؤشرات كفاءة الاحتياطيات سواء في تغطيتها لعرض النقد الواسع أو تغطية الديون القصيرة الأجل أو مايسمى بالكفاءة التجارية و المتمثلة بمؤشر عدد أشهر الاستيراد التي تلامس 14 شهراً استيرادياً (في حين أن المعيار العالمي المعتمد في قياس الكفاءة التجارية للاحتياطيات الدولية للاتحاد الاوروبي لا يتعدى ثلاثة أشهر استيرادية..! ولكن يبقى السؤال: لماذا يوجد سعر صرف موازي أو سوق موازية ثانوية في بلادنا وما هو تاثيرها على الاستقرار الاقتصادي؟

 

ابتداءً، تُقدر قيمة استيرادات العراق الممولة بسعر الصرف الرسمي البالغ 1320 ديناراً لكل دولار  سنوياً بما لا يقل متوسطها عن 50 مليار دولار. إذ يشمل ذلك استيراد مجموعة واسعة من السلع مثل المواد الغذائية، والمستلزمات الطبية، والسيارات، والمواد الكهربائية والإنشائية، بالإضافة إلى السلع الهندسية والكيميائية مضافاً إليها الخدمات المختلفة.. ويعتمد العراق في استيراداته على دول متعددة تشمل، تركيا والإمارات والصين والهند واليابان والبرازيل، والولايات المتحدة إضافة إلى الأردن وإيران والسعودية، وعدد من الدول الأوروبية.

 

هذه المجموعة الاستيرادية الكبيرة هي التي تسهم في استقرار المستوى العام للاسعار في العراق، إذ لم يزد معدل نمو التضخم السنوي في العراق اليوم على 3.7%؜ وهي من معدلات النمو السعرية المعتدلة جداً .

 

ولكن ما نراه بوجود سوق موازية للصرف جاء لأسباب متخفية وتخالف التنظيم المصرفي المحلي والدولي في التعاطي الخارجي بالعملة الأجنبية أو الدولار، لا سيما بعد خضوع قواعد التعاطي الخارجي للعملة الأجنبية في خارج بلادنا إلى ضوابط عالمية دقيقة في نطاق الامتثال والتدقيق  بشفافية كبيرة في التعاطي الخارجي مع العملة الأجنبية عموماً والدولار الأمريكي الذي هو مصدر العملة الأجنبية لبلادنا تحديداً عند تسوية المعاملات الدولية.

 

لذا فإن إجراءات التحويل الخارجي من خلال المصارف الوطنية سواء بوجود منصة الامثال التي سينتهي العمل فيها في 31 كانون الأول 2024 أو البديل المعتمد الذي يتمثل بتعزيز أرصدة المصارف الوطنية لدى مراسلهيم من المصارف الدولية بالعملة الأجنبية من قبل البنك المركزي بالسعر  الرسمي للصرف، هما سيان في طبيعة التدقيق لأغراض استمرار الانضباط المالي الدولي والامتثال في استخدام الأموال لأغراض تمويل تجارة القطاع الخاص الخارجية بوجه قانوني، بما في ذلك معرفة المستفيد الأخير . وهو أمر ملزم و ينسجم واعتماد بلادنا لمباديء منظمة العمل المالي الدولي في مكافحة غسل الأموال والتصدي لعمليات التحويل المالي المخالفة للأعراف والقوانين والتشريعات الوطنية و الدولية لحماية الاقتصاد الوطني وتوفير الاستقرار في النظام المالي الدولي.

 

أما وجود سوق صرف موازية داخلية ما زالت تتقلب أسعارها بمعدل تغير زاد على 10% فهو لا يمثل الاقتصاد العراقي، وليس له تاثير سعري على هيكل الأسعار وإن حجم السوق الموازية في تمويل معاملات التحويل الخارجي بقتصر اليوم على عمليات تجارية غير قانونية تمارسها السوق السوداء ولكنها محدودة وفردية وتخضع للرقابة والمساءلة القانونية الصارمة وهي ليست أساس في العرض السلعي الواسع في العراق الممول بسعر صرف 1320 ديناراً لكل دولار وكذلك تخصيصات العملة الأجنبية للسفر الخارجي المتاحة بالسعر الرسمي للصرف. منوهين في الوقت نفسه أن  استخدام بطاقات الدفع الإلكترونية للمسافرين بالعملة الأجنبية وبسعر الصرف الرسمي الثابت البالغ 1320 ديناراً لكل دولار باتت متاحة للجميع دون قيود وهي وسيلة آمنة جداً في تسوية معاملات الدفع عند السفر خارج البلاد وهي متوفرة بشكل ميسر وقانوني لدى المصارف وشركات الدفع الإلكتروني وهي آخذة في الاتساع المتسارع مع تطور ثقافة الجمهور في استخدام بطاقات الدفع الإلكترونية.

 

خلاصة ما تقدّم، إن وجود السوق الموازية أو الثانوية هي من مخلفات الماضي بعد أن خضع نظام التحويل الخارجي في بلادنا إلى آليات حوكمة عالية تتسق والقواعد الدولية في الامتثال المالي والمصرفي، وهي عمليات قانونية للتحويل الخارجي وعلى نطاق واسع ولها الغلبة والشمول في توفير الاستقرار السعري للاقتصاد الكلي في العراق.

مظهر محمد صالح المستشار المالي لرئيس الحكومة

نُشرت في الخميس 26 سبتمبر 2024 07:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية

© 2024 الجبال. كل الحقوق محفوظة.