اسمها شيلان، ويعني الزهرة التي تنمو في كل الفصول، تقول بفخر إنها ستكون أول زهرة عراقية كوردية تحمل شعلة الأولمبياد في باريس مع آلاف المشاركين بحملها من أثينا إلى فرنسا، حيث الوحيدة التي تمثل بلدتها الصغيرة فلوري والواقعة في أطراف العاصمة باريس، اليوم الإثنين 22 تموز/يوليو وستكون من ضمن المجموعة الأخيرة من حاملي الشعلة، قبل انطلاق الأولمبياد في 24 تموز/يوليو.
ولدت شيلان شمال مصطفى (33 عاماً) في ديالى. وهي الابنة الوحيدة بين ثلاثة أشقاء. كان والدها وهو طبيب أسنان كثير التنقل مع أسرته داخل المحافظات العراقية حتى استقر في ليبيا، ثم استطاعوا الانتقال إلى فرنسا، عام 2005، وكانت شيلان في الرابعة عشرةَ حين وصلوا واستقروا منذ ذلك اليوم.
"منذ صغري وأنا مولعة بالرياضة وممارستها، كنت أشارك في مسابقات المدارس العراقية قبل سفري، لكن توقف حلمي مؤقتاً عند انتقالي لفرنسا، حيث انغمست كثيراً بالدراسة، وتعلم اللغة، والعمل. درست هندسة التصميم الصناعي وكان تخصصاً أحبه للغاية، لكن بقي حلمي بالرياضة موجوداً في نومي وأحلامي"، تقول شيلان التي منحتها المدارس الفرنسية الفرص لتعلم رياضات مختلفة مثل الرگبي والتسلق والجري وكرة اليد والمنضدة، لكنها أولعت برياضة التايكواندو، وقررت الدخول في عوالمها.
محبة لـ"رياضة العقل"
وتقول شيلان لـ"الجبال"، إنها "أحبت التايكواندو لكونه رياضة مرتبطة بالذكاء وتعتمد على قوة العقل أولاً ثم قوة الجسد، أي أنك تستخدم ذكائك لتغلب خصمك، والفوز بها للأذكى و ليس للأقوى. كما أنها مهمة من أجل الدفاع عن النفس وقدرة الإنسان على حماية نفسه بنفسه، ورد الفعل السريع لمواجهة اي هجوم، بالإضافة إلى أنها "تمنح الليونة والمرونة للجسم".
وبدأت شيلان فعلياً بتكثيف تمارينها على التايكواندو ووجدته متنفساً مهماً في حياتها، وبعد سنوات قلائل من التدريب، قررت تأسيس اول نادي للتايكواندو في بلدتها، لتدريب اليافعين على هذه الرياضة، ولتصبح الشابة المهاجرة مسؤولة عن في النادي الرياضي للبلدة مع مدرب فرنسي".
وبعد فترة، بلغ عدد المنضمين للنادي أكثر من 40 لاعباً، نقوم بتدريبهم وتحضيرهم لبطولات محلية وإدراجهم في فرق رسمية وعالمية، تقول لـ"الجبال"، إنهم "موهوبون للغاية ومحبون للتايكواندو، كانت فكرتي الرئيسية هي ايجاد مكان لهؤلاء الصغار لتدريبهم على حماية أنفسهم، لكنه اليوم أصبح نادي البلدة".
البلدية اقترحتها لحمل الشعلة
نتيجة لشغفها المتواصل، وعطائها لبلدتها وأطفالها، تلقت شيلان طلباً من بلدية منطقتها فلوري لاختيارها كفتاة رياضية تمثل مدينتها بحمل شعلة الأولمبياد. "سألوني هل موافقة على هذا الترشيح، وكنت سعيدة للغاية لفعل هذا كعراقية مهاجرة تمكنت من صنع شيء لها في عالم الغربة وتلقت الدعم والاهتمام، مضيفة: "سيكون التركيز على قضية المهاجرين الذين يستحقون إيجاد الفرص والدعم ليمنحوا أفضل ما لديهم".
اتصلت الحملة الداعمة للشعلة الأولمبية بشيلان شمال للتأكيد على موافقتها، وبعد التأكيد أرسلوا رابط للتسجيل لتدوين بعض المعلومات، وطلبوا أن ترسل قصتها لهم وكانت الرسالة كالتالي:
"أنا فتاة مارست الرياضة في طفولتي في العراق. جئت إلى فرنسا وانشغلت بتعلم اللغة والدراسة والعثور على عمل. حياتي كانت محصورة بين غرفتي في البيت وأمور معيشتي. بحثت عمَّا أحقق فيه ذاتي ويشعرني بقيمتي في هذا المجتمع. تعرفت على رياضة التايكوندو ووجدت فيها قوتي الداخلية. أقيم في هذه البلدة الصغيرة حيث يحتاج معظم الأولاد والبنات أن يتعلموا كيف يدافعون عن أنفسهم. بدأت بتشكيل جمعية لتدريبهم. بداية صغيرة لكنني أشعر أنها تقود إلى أهداف كبيرة".
ستكون الأولى من العراق
بعد فترة قصيرة، جاءها الجواب الذي طالما انتظرته، مرفقاً بتعليمات الزيّ وبطاقة تحمل اسمها: "أحضري إلى المكان المحدد في التاسعة من صباح الثاني والعشرين من يوليو (تموز). ستحملين الشعلة الأولمبية وتهرولين بها". كانت هذه الكلمات كفيلة بجعل شيلان الأسعد كما تقول.
لدى شيلان طموحات وأهداف تصفها بـ"الكبيرة"، ومنها "ربط هذه الرياضة بين فرنسا والعراق، ومساعدة الأطفال على تعلمها بشكل أكبر، هي سعيدة بدخولها التاريخ كأول عراقية كوردية تحمل الشعلة وتدعو الجميع للأمل والإيمان بأحلامهم. "كنت لا أريد أن يعرفني أحد كاسم من غير عمل أو جهد، وأن يعرف شغلي أولاً، وهذا ما حدث، وأنا سعيدة له، سأكون فخورة يوماً بالعودة لزيارة بلدي وإقليم كوردستان لأني لم أره يوماً" تقول شيلان وتتحضر لحمل الشعلة بعد ساعات قليلة.