حذر تقرير أميركي من أن أزمة الشهادات المزوّرة في العراق باتت تعرّض حياة المرضى للخطر، مشيراً نقلاً عن مسؤولين وخبراء إلى أن "الآلاف من الممارسين غير المؤهلين قد دخلوا المستشفيات والعيادات، مما يؤجج الأخطاء الطبية والوفيات التي يمكن الوقاية منها مع تراخي إجراءات الإنفاذ".
وذكر تقرير نشره موقع "ذا ميديا لاين - (The Media Line)" الأميركي، أن "العراق يواجه وباء من الشهادات الأكاديمية المزورة التي تقوض الأسس الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للبلاد. حيث أصبح من السهل الحصول على الشهادات المزيفة — التي يتم شراؤها عن طريق الرشوة أو الفساد أو غيرها من الوسائل الاحتيالية — سواء في العراق أو في الخارج، مع وصول عواقبها من أجنحة المستشفيات إلى أعلى المستويات في الحكومة"، مشيراً أن "أحد أكثر الاتجاهات إثارة للقلق هو انتشار الشهادات الطبية والصحية المزورة. إذ دخل الآلاف من الأفراد غير المؤهلين أو ذوي المؤهلات المتدنية إلى نظام الرعاية الصحية في العراق، ما أدى إلى ارتفاع حاد في الأخطاء الطبية والوفيات التي يمكن تجنبها في المستشفيات الحكومية والخاصة على حد سواء".
وقال الدكتور مهدي محمد، عضو سابق في نقابة الأطباء العراقيين: "أقدر أن هؤلاء الأفراد يشكلون ما لا يقل عن 30٪ من الأطباء في العراق"، وفق التقرير، وأشار إلى أن "الكثيرين درسوا في بلدان تشتهر بـ(مصانع الشهادات)، حتى بعض الذين التحقوا بالجامعات الخاصة في العراق دفعوا أموالاً للحصول على شهاداتهم دون استيفاء المعايير المهنية".
وأضاف محمد أن "الأمر مختلف في الطب. حتى لو درسوا، فإن افتقارهم إلى المؤهلات الحقيقية يؤدي غالباً إلى أضرار جسيمة، بما في ذلك الإعاقات الدائمة وحتى الموت".
وتتفاقم المشاكل بشكل خاص في التخصصات المربحة مثل الجراحة التجميلية وطب الأسنان، "حيث تشير تقارير غير مؤكدة إلى أن سوء الممارسة الطبية أصبح متفشياً"، حسب التقرير، و"قد يكون أصحاب الوظائف الحيوية الأخرى قد حصلوا أيضًا على شهادات مزورة".
تمتد الأزمة إلى ما هو أبعد من الرعاية الصحية. حيث يُعتقد أن العديد من كبار السياسيين والمسؤولين الحكوميين قد حصلوا على شهاداتهم بطرق احتيالية أيضاً.
ونقل الموقع الأميركي عن صادق ت.، وهو موظف في وزارة التخطيط العراقية، قوله إن "أكثر من نصف الوزراء والمديرين والسياسيين في العراق ربما يحملون شهادات مزورة"، مضيفاً أن "كلنا نعرف عنهم، لكن لا أحد يجرؤ على المساس بهم".
ليست كل شهادة مزورة تهدف إلى التقدم الوظيفي، فبعض العراقيين يسعون للحصول على ألقاب أكاديمية من أجل الوجاهة الاجتماعية، فذكر رجل الأعمال رافد خلف للموقع أنه "كنت أريد اللقب فقط لأبدو كشخص حاصل على شهادة جامعية. على الرغم من كوني رجل أعمال ناجحاً، فإن الظهور بمظهر حامل الشهادة رفع من مكانتي. لا أحد يسأل ما إذا كنت قد حصلت على درجة البكالوريوس في ثلاث سنوات أو الماجستير في سنتين".
أصبحت تجارة الشهادات المزورة صناعة متنامية في داخل العراق وخارجه. ويعتبر لبنان بؤرة لهذه التجارة، حيث تفيد التقارير بأن تكلفة الحصول على درجة الماجستير تتراوح بين 5,000 و15,000 دولار، ودرجة الدكتوراه بين 10,000 و20,000 دولار. وفي عام 2023، كشفت السلطات العراقية عن أكثر من 27,000 شهادة مزورة من مؤسسات لبنانية، مما دفعها إلى تعليق الاعتراف بالشهادات الممنوحة هناك مؤقتاً.
وأشار التقرير إلى "العشرات من الجامعات العراقية الخاصة — التي غالباً ما تكون مرتبطة بأحزاب سياسية أو عائلات نافذة — تبيع الشهادات مع الإفلات من العقاب، متجاوزة المعايير الأكاديمية والقانونية المطلوبة من الجامعات الحكومية".
أمجد حسين، أكاديمي في إحدى الجامعات العراقية، روى للموقع مساره للحصول على الدكتوراه في علوم الكمبيوتر من إحدى المؤسسات اللبنانية. فقال: "حصلت على درجة البكالوريوس في العراق، لكنني لم أتمكن من تأمين وظيفة. ذهبت إلى لبنان والتحقت بجامعة هناك. خلال دراستي، عرض عليّ أستاذ رسالة ماجستير مقابل 5,000 دولار".
وأضاف: "قبلت العرض. أعطاني الرسالة، ودفعت لمركز متخصص 500 دولار لتلخيصها وتقديمها. لاحقاً، أخبرني الأستاذ بالضبط بالأسئلة التي ستطرحها لجنة المناقشة والإجابات التي يريدونها".
ذكر حسين أنه التحق بعد ذلك ببرنامج الدكتوراه واشترى أطروحته مقابل 10,000 دولار من أستاذ زوده حتى بالأسئلة التي سيواجهها في مناقشته.
وفي عام 2020، أقر البرلمان العراقي قانوناً لمعادلة الشهادات سمح للعديد من مشتري الشهادات المزورة بتجنب العقاب. بموجب هذا القانون، لا يُساءل المسؤولون والموظفون العموميون عن صحة شهاداتهم، ولا يتم اتخاذ أي إجراء ضدهم على هذا الأساس.
وحذر الدكتور محمد الربيعي، وهو أكاديمي عراقي متقاعد من أن "الشهادات المزورة تشكل تهديداً خطيراً لمصداقية الدولة وتقوض ثقة الجمهور في مؤسساتها. عندما تغض الحكومة الطرف عن مثل هذه الممارسات، فإنها تكشف عن نقاط ضعف حادة في الأنظمة القانونية والتعليمية، فضلاً عن الفساد الإداري المستشري، وكل ذلك يهدد الاستقرار والأمن على المدى الطويل".
وقال الربيعي إن "هذه الشهادات المزورة تلحق ضرراً كبيراً بسمعة البلاد الدولية. يصبح التعاون الأكاديمي وتبادل المعرفة مهددين، مما يؤدي إلى عزلة الأوساط الأكاديمية العراقية. بهذا المعنى، فإن الشهادات المزورة هي قنبلة موقوتة تعيق تقدم الأمة وتهدد مستقبلها"، وفق ما نقل عنه الموقع.
ومن جانبه، أوضح الدكتور هادي علاوي، وهو مسؤول سابق في وزارة التعليم العالي العراقية، أن "تجارة الشهادات المزورة متجذرة بعمق وتكلف الدولة مئات الملايين من الدولارات سنوياً". وأضاف "إنها تدمر نظام التعليم في العراق بأكمله. إنها تمنح المناصب لأشخاص غير مؤهلين وتقوض النزاهة الأكاديمية"، لافتاً أنه "لو تم فتح تحقيق جاد في جميع الشهادات الصادرة منذ عام 2003، يمكن إبطال أكثر من نصفها. الدولة الآن عالقة في محاولة إيجاد وظائف لأشخاص مؤهلاتهم ليست حقيقية حتى".
وحذر التقرير الأميركي في نتيجته من أن الارتفاع الكبير في الشهادات الأكاديمية المزورة يمزق النسيج المدني في العراق، ويعرض الصحة العامة للخطر، ويؤدي إلى تآكل الثقة في الحكومة والمؤسسات الأخرى"، منبهاً إلى أنه "بدون حملة وطنية لمواجهة هذه التجارة، ستتعمق الأزمة".