تجري حكومة الاحتلال الإسرائيلي محادثات مع جنوب السودان بشأن إمكانية إعادة توطين فلسطينيين من قطاع غزة في الدولة الواقعة شرق إفريقيا، وذلك كجزء "خطة إسرائيلية أوسع لتسهيل الهجرة الجماعية من القطاع"، بحسب ما أفادت وكالة "اسوشيتد برس".
ونقلت الوكالة، اليوم الأربعاء 13 آب 2025، عن ستة أشخاص مطلعين على الأمر تأكيدهم لهذه المحادثات، لافتة إلى أنه "من غير الواضح إلى أي مدى تقدمت المحادثات، لكن في حال تنفيذها، فإن الخطط سترقى إلى مستوى نقل أشخاص من أرض دمرتها الحرب ومعرضة لخطر المجاعة إلى أخرى، مما يثير مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان".
ويقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه يريد تحقيق رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترامب لنقل جزء كبير من سكان غزة من خلال ما يسميه نتنياهو "الهجرة الطوعية".
وقد طرحت "إسرائيل" مقترحات إعادة توطين مماثلة مع دول أفريقية أخرى.
وقال نتنياهو يوم الثلاثاء في مقابلة مع قناة i24 الإسرائيلية: "أعتقد أن الشيء الصحيح الذي يجب فعله، حتى وفقاً لقوانين الحرب كما أعرفها، هو السماح للسكان بالمغادرة، ثم تدخل بكل قوتك ضد العدو الذي يبقى هناك". ولم يشر في حديثه إلى جنوب السودان.
ورفض الفلسطينيون وجماعات حقوق الإنسان وجزء كبير من المجتمع الدولي هذه المقترحات باعتبارها مخططاً للطرد القسري الذي ينتهك القانون الدولي.
وبالنسبة لجنوب السودان، "يمكن لمثل هذه الصفقة أن تساعدها في بناء علاقات أوثق مع إسرائيل، التي أصبحت الآن القوة العسكرية التي لا منازع لها تقريباً في الشرق الأوسط. كما أنها قد تكون مدخلاً محتملاً لترامب، الذي طرح فكرة إعادة توطين سكان غزة في شباط الماضي ولكنه يبدو أنه تراجع عنها في الأشهر الأخيرة"، وفق تعبير الوكالة.
ورفضت وزارة الخارجية الإسرائيلية التعليق، ولم يرد وزير خارجية جنوب السودان على الأسئلة المتعلقة بالمحادثات. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إنها لا تعلق على المحادثات الدبلوماسية الخاصة، على ما أوردت أسوشيتد برس.
معارضة مصرية
قال جو سزلافيك، مؤسس شركة ضغط أميركية تعمل مع جنوب السودان، إنه "تم إطلاعه من قبل مسؤولين من جنوب السودان على المحادثات"، مضيفاً أن "وفداً إسرائيلياً يخطط لزيارة البلاد لبحث إمكانية إقامة مخيمات للفلسطينيين هناك. لم يتم تحديد موعد معروف للزيارة. ولم ترد إسرائيل على الفور على طلب لتأكيد الزيارة".
وقال سزلافيك إن "إسرائيل ستدفع على الأرجح تكاليف المخيمات المؤقتة".
من جانبه، قال إدموند ياكاني، وهو رئيس منظمة مجتمع مدني في جنوب السودان، إنه تحدث أيضاً مع مسؤولين من جنوب السودان حول المحادثات. وأكد أربعة مسؤولين إضافيين على علم بالمناقشات أن "المحادثات جارية، شريطة عدم الكشف عن هويتهم لأنهم غير مخولين بمناقشتها علناً".
وقال اثنان من المسؤولين، وكلاهما من مصر، لأسوشيتد برس إنهما "على علم منذ أشهر بجهود إسرائيل للعثور على دولة تقبل الفلسطينيين، بما في ذلك اتصالاتها مع جنوب السودان"، مضيفين أنهما "كانا يمارسان ضغوطًا على جنوب السودان لثنيها عن استقبال الفلسطينيين".
تعارض مصر بشدة خطط نقل الفلسطينيين خارج غزة، التي تشترك معها في حدود، خوفاً من تدفق اللاجئين إلى أراضيها.
"جنوب السودان بحاجة إلى أي حليف"
وقال سزلافيك، الذي تم توظيفه من قبل جنوب السودان لتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة، إن الولايات المتحدة على علم بالمناقشات مع إسرائيل لكنها غير منخرطة فيها بشكل مباشر.
وأضاف أن "جنوب السودان يريد من إدارة ترامب رفع حظر السفر المفروض على البلاد وإزالة العقوبات عن بعض النخب في جنوب السودان. وقد قبلت بالفعل ثمانية أفراد تم ترحيلهم ضمن عمليات الترحيل الجماعي التي قامت بها الإدارة، في خطوة ربما كانت تهدف إلى كسب ودها".
وقد ضغطت إدارة ترامب على عدد من الدول للمساعدة في تسهيل عمليات الترحيل.
وقال بيتر مارتيل، الصحفي ومؤلف كتاب عن البلاد بعنوان "ارفع علمًا أولاً": "جنوب السودان الذي يعاني من ضائقة مالية يحتاج إلى أي حليف ومكسب مالي وأمن دبلوماسي يمكنه الحصول عليه".
ووفقاً للكتاب، قدمت وكالة التجسس الإسرائيلية "الموساد" مساعدات لجنوب السودان خلال حربهم الأهلية التي استمرت عقوداً ضد الحكومة التي يهيمن عليها العرب في الخرطوم قبل الاستقلال في عام 2011.
وعند سؤال وزارة الخارجية الأميركية عما إذا كان هناك أي مقابل مع جنوب السودان، قالت إن "القرارات المتعلقة بإصدار التأشيرات تُتخذ بطريقة تعطي الأولوية للحفاظ على أعلى معايير الأمن القومي للولايات المتحدة والسلامة العامة وإنفاذ قوانين الهجرة لدينا".
من منطقة صراع إلى أخرى
قد يرغب العديد من الفلسطينيين في مغادرة غزة، على الأقل مؤقتاً، للهروب من الحرب وأزمة الجوع التي تقترب من المجاعة. لكنهم رفضوا رفضاً قاطعاً أي إعادة توطين دائمة خارج ما يعتبرونه جزءاً لا يتجزأ من وطنهم القومي.
ويخشون أن إسرائيل لن تسمح لهم بالعودة أبداً، وأن رحيلًا جماعياً سيسمح لها بضم غزة وإعادة إنشاء المستوطنات اليهودية هناك، كما يدعو وزراء اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية.
مع ذلك، حتى أولئك الفلسطينيون الذين يرغبون في المغادرة من غير المرجح أن يجازفوا بالذهاب إلى جنوب السودان، التي تعد من بين أكثر دول العالم اضطراباً وصراعاً.
لقد كافحت جنوب السودان للتعافي من حرب أهلية اندلعت بعد الاستقلال، وأدت إلى مقتل ما يقرب من 400,000 شخص وأغرقت أجزاء من البلاد في مجاعة. تعاني الدولة الغنية بالنفط من الفساد وتعتمد على المساعدات الدولية للمساعدة في إطعام سكانها البالغ عددهم 11 مليون نسمة – وهو تحد ازداد صعوبة منذ أن أجرت إدارة ترامب تخفيضات شاملة في المساعدات الخارجية.
وكان اتفاق السلام الذي تم التوصل إليه قبل سبع سنوات هشاً وغير مكتمل، وعاد خطر الحرب عندما وُضع زعيم المعارضة الرئيسي قيد الإقامة الجبرية هذا العام.
وقد يجد الفلسطينيون على وجه الخصوص أنفسهم غير مرحب بهم. فالحرب الطويلة من أجل الاستقلال عن السودان وضعت الجنوب الذي يغلب عليه المسيحيون والوثنيون في مواجهة الشمال الذي يغلب عليه العرب والمسلمون.
وقال ياكاني، من منظمة المجتمع المدني، إن شعب جنوب السودان سيحتاج إلى معرفة من سيأتي وكم من الوقت يخططون للبقاء، وإلا فقد تحدث أعمال عدائية بسبب "القضايا التاريخية مع المسلمين والعرب"، مضيفاً: "لا ينبغي أن نقبل استقبال الناس كورقة مساومة لتحسين العلاقات".
مباحثات مع الجيش السوداني
وفي سياق متصل، أفادت فرانس برس بلقاء قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان مع مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الإفريقية مسعد بولس في سويسرا، اليوم الأربعاء، وبحث مقترح أميركي لإرساء السلام في السودان.
وقال مصدر حكومي رفيع للوكالة إن البرهان وبولس التقيا الإثنين "لثلاث ساعات" وبحثا "مقترحاً قدّمته الولايات المتحدة لوقف إطلاق نار شامل في السودان وإيصال المساعدات الإنسانية".
ويشهد السودان منذ نيسان 2023 حرباً دامية بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب "حميدتي".